كانت فرحة الصعود أو بالأحرى عودة نصر حسين داي إلى حظيرة النخبة كبيرة عند شباب رفعوا التحدي، ولعبوا من أجل هدف واحد ألا وهو رفع راية النصرية الفريق أو المدرسة التي أنجبت أجيالا وأجيالا من اللاعبين. ربما أن ذكاء وحنكة المدرب مصطفى هدان كانا برهانا على لمسته السحرية في الفريق منذ تنصيبه على رأسه قبل انطلاق مرحلة الإياب من بطولة الرابطة الثانية الاحترافية. فرغم أن الكثيرين من متابعي مباريات الملاحة من قبل كانوا قد استبعدوا عودة الفريق إلى القسم الأول، أو حتى حفاظه على البقاء، إلا أن عزيمة رفقاء ڤانا كانت أكبر مما توقعه هؤلاء، لأنهم أثبتوا مكانتهم مع مرور الوقت. صعود النصرية كان بمثابة مفاجأة لدى العديد من عشاق الفريق. فإذا عدنا إلى مرحلة الذهاب، فلن نعثر على أي مؤشر يوحي حينها بأن هذه التشكيلة المنهارة ستظفر بإحدى التأشيرات الثلاث المؤهلة لبطولة الرابطة الأولى. إلا أن العكس هو الذي حدث في نهاية المطاف، لأن الطاقم الفني عرف كيف يبني تشكيلته مجددا خلال فترة توقف البطولة، قبل أن يدخل بقوة في مرحلة العودة وبتشكيلة متوازنة ومنسجمة، رغم أن جل اللاعبين هم أنفسهم مع بعض الاستقدامات، التي يمكن وصفها بالناجحة آنذاك. فإذا تحدثنا عن المهاجم محمود باي، فلا شك أنه أحدث الديكليك وكان بمثابة دعم حقيقي للقاطرة الأمامية للنصرية التي عجزت من قبل على تسجيل الأهداف، علما أن النصرية وقتها كانت تحتل المركز التاسع بفارق يفوق العشر نقاط عن الرائد شباب قسنطينة. الصعود كان أغلى هدية للجميع بالعودة قليلا إلى بداية الموسم، فيمكن اعتباره عاديا جدا، لأن الفريق الذي كان يقوده المدرب السابق مجدي كردي، لم يظهر أي رغبة في العودة إلى حظيرة الكبار، بدليل النتائج المحققة في تلك الفترة. أضف إلى ذلك المعاناة المادية التي تبقى هاجسا مازال يلاحق أصحاب اللونين الأحمر والأصفر منذ موسمين على الأقل. لكن بعد مغادرة كردي وانتداب هدان، بدأت آثار التحسن تظهر على التشكيلة، لأنه كان صارما في لقائه الأول مع الإدارة. وساند لاعبيه وطالب رئيس النادي مانع قنفوذ حينها بتسوية بعض مستحقات اللاعبين، إلى جانب تسطير الأهداف، والتي كان أبرزها ضمان البقاء في بطولة القسم الثاني وبناء فريق جديد بإمكانه تحقيق الصعود في غضون ثلاث سنوات. لكن الواقع كان شيئا آخر، لأن هدان عرف كيف يزرع روح المسؤولية لدى لاعبيه كما أنه استفاد جيدا من مرحلة التحضير التي سبقت استئناف البطولة، حيث تدارك تدهور وضعية الفريق، خاصة من الجانب البدني، قبل أن يتحول إلى الجانب النفسي، وهو ما جعله يجني ثمار تشكيلة قوية استرجعت في ظرف قصير نغمة الانتصارات، حتى أنها أصبحت تفوز خارج القواعد، وهو الأمر الذي سمح للنصرية باسترجاع هيبتها لتبعث المنافسة مجددا على أوراق الصعود الثلاث. بوضرواية وولد زميرلي.. مساندتهما للملاحة فاقت التوقعات أكيد أن عزيمة لاعبي النصرية قادتهم إلى تحقيق هدفهم المسطر، لكن لا يمكن تجاهل عضوي الإدارة النشطين سفيان بوضرواية ومحفوظ ولد زميرلي. فلولا دعمهما لغرقت سفينة النصرية. فرغم الإمكانيات المحدودة، إلا أنهما كافحا من أجل توفير ولو جزء من المستحقات العالقة، التي كان يدين بها اللاعبون، لإدارة مانع التي كانت غائبة، بشهادة اللاعبين. ومن خلال حديثنا مع عناصر النصرية عرفنا أن هذين الرجلين يعشقان ألوان الفريق بالدرجة الأولى، كما أن رغبتهما في عودة النصرية إلى حظيرة القسم الأول كانت كبيرة، وهو ما سبق وأن أكده لنا بوضرواية، الذي لم يستغن يوما عن النصرية حتى في أسوأ الظروف. كما لا يمكن نسيان الأمين العام للفريق محمد حوالي الذي تضامن مع هؤلاء، ومنح كل خبرته لتحقق النصرية الصعود. الملعب والمشاكل المادية أبرز هاجسين هذا الموسم أي فريق آخر في مكان النصرية، كان سيفقد الأمل في الصعود في منتصف الطريق، فافتقاده لملعب يحتضن مبارياته، وكذا المعاناة المالية، كانا أبرز هاجسين اصطدمت بهما تشكيلة المدرب هدان. فبالنسبة للملعب، فإن الملاحة لم تلعب هذا الموسم أي مباراة في ميدان زيوي، لأنه غير معتمد من طرف الاتحادية والرابطة الوطنية. وبقيت النصرية في رحلة بحث عن ملعب تستقبل فيه ضيوفها، حيث كانت البداية في 20 أوت، قبل التحول إلى ميدان الرغاية ثم العودة إلى ملعب الرويسو، والتحول إلى بوفاريك، بعد رفض إدارة ملعب الدارالبيضاء استقبال الفريق. وهو ما جعل اللاعبين يعتبرون أنهم لعبوا جل مباريات الموسم خارج قواعدهم. أما مشكلة المستحقات فحدث ولا حرج، لأنها لم تفارق رفقاء عباس منذ بداية البطولة وإلى غاية إسدال الستار عليها، لكن تعودهم على الوضع أنساهم مشاكلهم، لأنهم ببساطة كانوا يريدون عودته إلى حظيرة النخبة وفقط. غياب الأنصار في البداية تحول إلى غزو للمدرجات في النهاية رغم أن غياب الأنصار عن المدرجات كان النقطة السلبية المسجلة في بداية الموسم، بسبب الأداء الذي لم يكن مقنعا وكانوا يتنبأون في ذلك الوقت باستحالة عودة النصرية إلى الرابطة الأولى، لكنهم سرعان ما تيقنوا بأن شبان الملاحة بحاجة إلى دعمهم، بعد أن سجلوا استفاقتهم مع انطلاق المرحلة الثانية من البطولة، فلم تعترض بعد المسافة بين حسين داي والرغاية طريقهم أو حتى بوفاريك في الجولات الأخيرة، ليثبتوا أنهم أوفياء، دعموا رفقاء الحارس نتاش ووقفوا إلى جانبهم وكانوا أحد العوامل المساهمة في هذا الإنجاز، حتى أنهم لم يرضوا بواقع التشكيلة ومعاناتها المادية، ليصبوا غضبهم على إدارة مانع، وطالبوها بإيجاد حل لمستحقات اللاعبين حتى يبذلوا مجهودات إضافية تقودهم إلى ترسيم حلم الصعود. لتأتي مباراة بلعباس، التي تأكد فيها الصعود، رغم تعادل الفريقين بملعب بوفاريك، فخرج مئات الأنصار في مختلف أحياء وبلديات حسين داي، يحتفلون بعودة فريقهم إلى القسم الأول. داربي القبة وسجن الأنصار أسوأ الذكريات سيبقى الداربي أمام رائد القبة بملعب بلحداد، ذكرى سيئة لن ينساها أنصار النصرية، لأنها لم تحمل لهم سوى المصائب، فبغض النظر عن الهزيمة، والتي أجلت حينها صعود الفريق، شهد اللقاء أحداث عنيفة بين مناصري الجارين، خلفت جرحى من الجانبين، إلى جانب إيقاف عدد معتبر من الأنصار الشبان وإيداعهم الحبس، وهو ما تحول إلى احتجاجات يومية بين شباب المقرية وحسين داي مع الشرطة، لإطلاق سراح الموقوفين. وهو ما أفسد فرحة الملاحين بالصعود، لأنهم كانوا يتمنون اكتمالها بإطلاق سراح الأنصار، لكن آخر الأخبار الصادرة عن مجلس قضاء “الرويسو” أفادت بأنه تم حبس 43 مناصرا بين أنصار النصرية القبة عاما نافذا.علما أن عدد أنصار الملاحة يقارب 15. الأواسط يحرزون لقب البطولة ويكملون فرحة النصرية يبقى نصر حسين داي مدرسة في إعداد الأجيال، وخير دليل هو ما فعله الأواسط أو أقل من 20 سنة، حيث أثبت وبجدارة أن اسم النصرية سوف لن يمحى من تاريخ الكرة الجزائرية مهما كانت الصعاب أو المشاكل، فبإمكانيات يمكن القول أنها محدودة، تمكنوا من الظفر بهذا التاج، لتعم الفرحة بيت الملاحين، في موسم سيكتبه تاريخ النادي بأحرف من ذهب. وتجدر الإشارة أن الأواسط احتلوا الصدارة برصيد 62 نقطة بفارق نقطة واحدة عن الوصيف اتحاد بسكرة وثلاث نقاط عن جمعية وهران. محمد محمودي ڤانا... اللاعب “الحار” الذي أعطى الكثير للملاحة لا شك أن النصرية لن تنسى ابنها “الحار” إسماعيل ڤانا، والذي سيترك بصمته، لأن اسمه طالما ارتبط بالنصرية. فإذا سألت أي شخص عن “اسماعيل” فدون شك سيعرفه، لأنه أعطى الكثير من عمره لهذا الفريق وأبى إلا أن تكون نهايته معه سعيدة، فالصعود كان أغلى هدية قدمها ڤانا ورفقائه للأنصار، الذين حزنوا يوما لسقوط فريقهم إلى القسم الثاني.ابن بن طلحة الذي حمل ألوان النهد لسنوات كثيرة كان يتميز عن الآخرين بحرارته في اللعب وحبه الكبير للفوز، فمن لا يعرفه يجهل شخصه، ففي الحقيقة اسماعيل فوق الميدان وخارجه فرق كبير جدا، فإذا كانت ملامح الغضب التي تظهر عليه وهو في الملعب، فإن الابتسامة لا تفارقه خارجه، فالكل في حسين داي يقدر له ما منحه للفريق.فهو بدأ في الملاحة قبل أن يلعب لبلوزداد ثم يعود، كان همه الوحيد إعادة الهيبة للملاحة، لذلك كانت سعادته كبيرة بالعودة إلى حظيرة النخبة، خصوصا وأنه أعلن نيته في المغادرة. وقال لنا يومها “الآن أكملت ديني، فالصعود كان أمانة في رقبتي أنا وزملائي، والحمد لله وفقنا في إعادة النصرية إلى القسم الأول، والكل يعلم كيف كان الطريق إلى هذا الهدف” في وقت كشف محدثنا أنه سيرتاح قليلا قبل البحث عن وجهة أخرى. محمد. م في موسم كامل لعبت فيه 30 جولة 14 انتصارا، عشرة تعادلات وستة انهزامات حل فريق نصر حسين داي في المركز الثاني برصيد 52 نقطة، على بعد أربع نقاط عن الرائد شباب قسنطينة وبفارق نقطة واحدة عن صاحب المركز الثالث شباب باتنة. ولعب النهد ثلاثين مباراة، فاز ب14 مباراة، تعادل في عشر وانهزم في ست. وحقق الفريق تسعة انتصارات في مرحلة العودة، إلى جانب أربعة تعادلات، وانهزم في مواجهتين فقط. وهو ما يؤكد انتفاضة رفقاء صدقاوي خلال مرحلة الإياب من البطولة، أو بالأحرى يعود الفضل إلى المدرب مصطفى هدان، الذي أبى إلا أن يخوض مغامرة جديدة مع فريق من حظيرة القسم الثاني، لينجح في نهاية المطاف في إعادة النهد إلى بطولة الرابطة الأولى المحترفة.