أعمار الصحف مثل أعمار البشر، يمكن أن تعيش ساعات وتختفي، مثلما يمكنها أن تتخطى القرن، ومنها من تترك أثرا طيبا في المجتمع وتقدم خدمة للإنسان، ومنها من تسيء إلى الناس والمجتمعات، تماما مثل الإنسان الصالح منه والسيء. لا أدري أين يمكن تصنيف الجريدة البريطانية ”نيوز أوف ذا ورلد”، التابعة لامبراطورية روبيرت مردوخ من حيث سلم القيم، فالصحيفة عمرت 168 سنة، ومع ذلك اهتزت لأول فضيحة تتعرض لها، وهي فضيحة التنصت على هواتف أشخاص، ولم يشفع لها سحبها اليومي الذي يتجاوز مليوني نسخة يوميا. مردوخ ليس هو الخاسر في هذه القضية، وربما لم يكلفه قرار توقيفها دقائق من التفكير، فالخاسرون هم الفريق الصحفي العامل في هذه الصحيفة العريقة الذين سيجدون أنفسهم بين عشية وضحاها مسجلين في قوائم البطالة.. لن تخسر امبراطورية مردوخ الإعلامية شيئا بغلق هذه الصحيفة التي لم يشفع لها عمرها الإعلامي أمام قرار يرتكز أكثر ما يرتكز على معايير الربح والخسارة، أكثر مما يكون اهتم بالفضيحة التي ورط المشرفون على هذا العنوان أنفسهم فيها. ففضائح التنصت التي أسقطت نيكسون من على رأس البيت الأبيض بداية السبعينيات في أمريكا، ومرغت أنوف السياسيين الأمريكيين في الوحل لعدة سنوات، ومازالت الحادثة محل دراسة في كبريات المعاهد الإعلامية والسياسية هناك، وتناولتها السينما بالكثير من التحليل والنقد، ها هي كذلك تعصف اليوم بأعتى إمبراطورية إعلامية في الغرب، بل في العالم، وربما اضطر مردوخ إلى غلق الصحيفة التي اقتناها سنة اعتلاء القذافي السلطة في ليبيا، حماية لباقي عناوين وفضائيات صرحه الإعلامي من عدوى الفضيحة، وتبعاتها القضائية؟ لكن لا أدري ماذا ستكون ردة فعل المدافعين عن حرية التعبير في العالم عندما يتم غلق أو منع إصدار صحيفة ما في البلدان المتهمة بمصادرة الحريات وعدائها لحرية الصحافة؟! فهل ستدين بدورها مردوخ على اتخاذه هذا القرار وتطالبه بالتراجع عنه، باسم حرية الصحافة وحرية التعبير، أم أن مردوخ أكبر من أن يوجه له انتقاد كهذا، فهو أكبر من الأنظمة العربية مجتمعة، وأكبر من أن يجرؤ أحد على أن يوجه له أي انتقاد؟!