"... أرجو أن تشرح لنا: كيف غازل الجيش الإنقاذ؟!". أسامة من الجزائر. في صيف 1988 راجت مناقشات في قواعد الأفالان مفادها تقديم اقتراحات إلى المؤتمر السادس تتعلق باتخاذ قرارين.. الأول يخص فصل الأمانة العامة للحزب عن منصب رئيس الجمهورية.. والثاني سحب حق اقتراح المرشح لرئاسة الجمهورية من الجيش وإسناد ذلك إلى الحزب! وكان يرأس لجنة التحضير للمؤتمر المرحوم مساعدية ويتولى منصب مقرر اللجنة مولود حمروش. طرحت هذه المسائل في أحد اجتماعات اللجنة على أن هذه الأمور هي من انشغالات القاعدة النضالية للحزب وينبغي أن تنقل إلى المؤتمر.. ورفع تقرير إلى الشاذلي وزعم أن الحزب يريد فعل شيء ما ضد الشاذلي في هذا المؤتمر.. فاغتاظ الشاذلي وخرج في 19 سبتمبر ليدعو الشعب إلى التظاهر كما فعل المصريون ضد غلاء "اللحمة" آنذاك! كان الأمر واضحا أن الخلاف بين الحزب والجيش حول من يعيّن الرئيس على أشده.. خاصة وأنه تم ترويج فكرة أن عهدتين للشاذلي كافية. هذه "الهوشة" السياسية بين سرايا الحكم تقرر نقلها إلى الشارع للفصل فيها لصالح الجيش والرئيس وضد الحزب الذي حمل كل نقائص النظام! فكانت أحداث أكتوبر موجهة أساسا ضد الحزب المتحجر الذي أفشل مناضلوه دعوة الانفتاح التي اقترحت في مشروع إثراء الميثاق والدستور.. لكن منظمو 5 أكتوبر تفاجأوا بخروج الأحداث عن السيطرة وعوض أن تبقى محصورة في المطالبة برأس "مساعدية سراق المالية" أصبحت تنادي بسقوط الشاذلي.. وفهم الشاذلي أنه خدع من اليسار الذي زيّن له كسر المتحجرين في الحزب بواسطة مظاهرات محدودة ومتحكم فيها! كان الإسلاميون في 5 أكتوبر خارج اللعبة الصراعية تماما لأنهم كانوا مثقلين بمخلفات أحداث بويعلي في سهل متيجة.. ودخل الفرنسيون على الخط في الأحداث ولم يعد رأس الجبهة وحده المطلوب بل النظام برمته بما فيه الجيش والرئيس.. ولهذا بكى الشاذلي في التلفزة وتخلى عن جزء من صلاحياته لرئيس الحكومة كما كانت الجبهة تطالب بذلك.. وأعلنت حالة الحصار في العاصمة وعين نزار قائدا للحصار.. ودخل الجيش في اتصال مع الإسلاميين لطلب المساعدة في إطفاء الحريق بعد انكسار الحزب بصورة شبه كلية ومعه النظام السياسي برمته. اتصل مسؤول الأمن بتشين في البداية بالشيخ سحنون طالبا منه في 7 أكتوبر بأن يخرج مظاهرة إسلامية من مسجد كابول ببلكور إلى مسجد السنة في باب الوادي ليقول للفرنسيين الذين دخلوا على الأحداث: إذا سقط النظام في الجزائر فإن البديل لن يكون العلمانيين الموالين لكم بل القوة الإسلامية الصاعدة هي التي ستستولي على الحكم. لكن الشيخ سحنون رفض الاستجابة لبتشين فاتصل ثانية بالشيخ علي بلحاج وقابله يوم 8 أكتوبر في مكتب المدير العام للأمن الوطني بوزبيد عبد المجيد واتفق معه على تنظيم مظاهرة من بلكور إلى باب الوادي.. وهو ما تم يوم 10 أكتوبر في المسيرة الشهيرة التي قادها بلحاج من بلكور إلى مقر الأمن الوطني حيث وقعت المجزرة الرهيبة بفعل فاعل ومات فيها 30 شخصا منهم الصحفي سيد علي بن بشيش.. ولم يسأل أي واحد كيف سمح الجيش للإسلاميين بتنظيم مظاهرة والعاصمة تحت الحصار؟! والجواب واضح لأن الأمر تم تحت الطلب! وتوالى التنسيق بين الجيش والإسلاميين إلى حد اعتماد الحزب الإسلامي وذهاب بلحاج بالبذلة العسكرية إلى رئاسة الحكومة! وبعد مجيء مهري إلى الحزب فتح قنوات مع الإنقاذ وسحبه إلى صف الجبهة.. وأحس الجيش بأن الإنقاذ خانه ويطلب رأسه خاصة بعد الانتصار في الانتخابات.. وأذكر أن اللواء خالد نزار قال لي ذات يوم في صالون جنان الميثاق: إن الشاذلي وحمروش ومهري يريدون الحكم حتى مع الفيس! ولو كان المجال يتسع لذكرت حقائق أخرى تدل على أن ما يقع الآن في مصر سبق وأن عاشته الجزائر.