يعرف الإنتاج السينمائي في الدول العربية، حسب المختصين، حالة من عدم الاستقرار على خلفية الأحداث التي يعيشها العالم العربي اليوم، والتي ستنعكس لا محالة على الإبداع السينمائي العربي على جميع الأصعدة خاصة ما يتعلق بطبيعة المواضيع التي ستعالجها السينما العربية مستقبلا، والتي سينحصر إنتاجها دون شك في الأحداث التي عاشها ويعيشها العالم العربي بعيدا عن طرح القضايا الجوهرية. ولمعرفة رأي المختصين في الشؤون السينمائية ارتأينا أن نتوجه بالسؤال إلى الناقد والمنتج السينمائي أحمد بجاوي، الذي ذهب إلى القول إن ”الجزائر مرت بمحن عديدة ساهمت في الركود السينمائي، إلى حد بعيد، ولم تبدأ إلا مؤخرا بوادر الانفراج في العمل السينمائي الذي بدأ يعود إلى الواجهة الثقافية تدريجيا، والشيء ذاته ستمر به السينما المصرية والسورية وغيرها من الدول العربية، وعلى هذه الأخيرة، يضيف بجاوي، أن تنظر إلى التجربة السينمائية الجزائرية التي تحطمت كليا في التسعينات لكنها لم تستسلم وهي الآن تحاول الانطلاقة من جديد رغم أن ذلك تطلب سنوات، أما أن يتفاءل المرء بأن السينما المصرية بفضل مظاهرات ضد النظام أنتجت إبداعا سينمائيا، يقول بجاوي، فهي وللأسف الشديد مغالطة كبيرة مع احترامي الكبير للسينما المصرية التي صنعت لها اسما على مدار سنوات، ويضيف بجاوي: ”كنت أتمنى أن الإبداع السينمائي المصري ينطلق في ظروف غير التي يعيشها البلد اليوم، لأن ما ينتجه شباب الثورة اليوم على حد تعبيرهم ليس صناعة سينمائية بمعنى الكلمة؛ بل هي عمليات تركيب توظف صور حية عن مظاهرات من مناطق مختلفة من مصر خاصة من ميدان التحرير. وهذا حسب رأيي، يضيف بجاوي، لا يمت بصلة للإبداع السينمائي لا من قريب ولا من بعد، كما أنني أتوقع أن السينما المصرية ستمر بمحنة كبيرة يطول أمدها وتتطلب سنين للعودة من جديد لأن السينما العربية ككل على بوابة أزمة حقيقية. وأضاف أحمد بجاوي أن نفس الشيء ينطبق على سوريا فرغم القدرة الإبداعية الموجودة لدى السوريين على الصعيد السينمائي، إلا أن الأوضاع تدهورت حاليا خاصة مع ما تعرفه الساحة السياسية والاجتماعية من تغيرات داخل البلد اليوم، ناهيك عن احتكار السلطة وقضية غياب الديمقراطية وكلها عوامل ستعمل لا محالة ضد التيار السينمائي وتكبح إبداع الفن السابع فترة من الزمن. من جهة أخرى أشار محدثنا إلى أن الحل الوحيد لتجاوز الأزمات السينمائية العربية هو الخروج بالإنتاج العربي من دائرة التقليد والتبعية، وعلى الشعب العربي أن يستخرج رؤيا ثقافية نابعة من ثقافة ديمقراطية تابعة له وليست تابعة للغرب لأننا نحن من نطور إنتاجنا وليس الغير وهذا يتطلب جيل كامل من الزمن. وأضاف ”أنا مع من يقول أن أحداث 1988 في الجزائر هي نقطة انطلاق المسار الديمقراطي في الجزائر، وهو ما يلاحظ على مسار السينما الجزائرية منذ تلك الفترة إلى يومنا هذا، رغم كل ما يقال عن تلك الفترة، فلكل مسار تاريخي أحداث تساهم في أرجحة الدول بين الركود والتطور”. أما عن هامش الحرية السينمائية في الجزائر مقارنة بما يعرفه المجال في الدول الشقيقة، قال بجاوي إن السينما الجزائرية منذ البداية كان لها حيز من الحرية وهناك عدة أفلام أكدت ذلك منها فيلم ”عمر ڤتلاتو” وغيرها من العناوين التي طرحت مواضيعها بكل حرية، والسبب ربما يعود إلى أن السينما الجزائرية فرضت نفسها أثناء الثورة التحريرية لأنها شاركت في الحرب التحريرية، لذلك لا يمكن محاربتها وطردها أو كحد أدنى تقييد دورها بكل بساطة، لذلك فالسينما الجزائرية لا تملك عقدة بالنسبة لحرية التعبير، وهو ما تفتقده بعض الدول العربية، فمثلا في سوريا يخضع الإنتاج السينمائي إلى رقابة مشددة لا يمكن تصورها ونفس الشيء عرفته تونس، هذه الأخيرة التي تنتج سينما قد تعجب السواح والمهرجانات الأوروبية، لكنها لا يمكن أن تمس بالثوابت الوطنية ولو بمقدار ذرة. أما ما نعانيه اليوم في الجزائر، يقول بجاوي، فهو أزمة إنتاج وأزمة إبداع وفكر، خاصة أزمة علاقة بالجمهور، والمطلوب اليوم هو إعطاء دفع قوي للجيل الجديد وتغيير موقفه من الجيل القديم حتى لا نبقى محصورين في دائرة الإعادة والتقليد الأعمى لأن مجال الإبداع مفتوح أمام كل المبادرات والإسهامات.