نشرتُ مقالا بجريدة "الوطن" عن صلاح نيازي سنة 1999، وحين زرت لندن سنة 2002 كنت أتمنى أن ألتقيه هناك هو وسعدي يوسف. كان صلاح نيازي أول شاعر عراقي يستقر به المطاف في لندن، كان ذلك سنة 1970. ولا يزال حتى اليوم بعاصمة الضباب. أما سعدي يوسف، فقد كانت علاقته بلندن "علاقة متوترة". يبقى فيها العام أو العامين ثم يغادرها إلى وجهة أخرى، حتى ضاقت به السبل فاستقر في عاصمة الإنجليز سنة 2001. دعاني إلى لندن الأستاذ عبد جاسم الساعدي، الناقد العراقي المعروف. كان يترأس جمعية "الثقافة العربية" التي سبق لها أن أقامت "ملتقى المثقفين الجزائريين" سنة 1998 وهو الملتقى الذي حضره من بين الجزائريين الأساتذة أحمد منور، محمد ساري، عبد الحميد بورايو، حمود صالحي (الولاياتالمتحدةالأمريكية)، أزراج عمر وغيرهم. ألقيت في قاعة الجمعية محاضرة بعنوان "باولو كويلهو والحضارة العربية الإسلامية"- رواية "الخيميائي نموذجا". كان الشاعر الكبير صلاح نيازي يجلس في صف الحضور الأول، تابع محاضرتي باهتمام وكان من أوائل سائليّ عن الأفكار التي قدمتها. في نهاية المحاضرة، تواعدنا على اللقاء، في الغد، أمام مقر جريدة "الحياة" اللندنية الشهيرة، كان الدكتور عبد جاسم الساعدي يعمل هناك، وكان يأخذني يوميا إلى مقر عمله، لا لشيء إلا لأنه يقع في وسط لندن، حيث كنت أقضي جل نهاري في التجوال. في الغد، التقيت صلاح نيازي، فدعاني إلى جولة "ثقافية" عبر شوارع ومؤسسات لندن "الحضارية". زرنا أولا "شارع المسارح" المزدحم بقاعات العروض المسرحية. كانت هناك إعلانات لمسرحيات شكسبير ك"الملك لير" و"حلاق إشبيلية" و"روميو وجوليات" وغيرها، كما كانت هناك إشهارات لمسرحيات "أنطون تشيخوف" و"إيبسن" و"صمويل بيكات" و"أغاتا كريستي" وغيرهم من مشاهير المسرح العالمي، كنا في الصباح، فتأسفت على عدم مشاهدة مسرحية من تلك المسرحيات الشهيرة. ثم عرج بي صلاح نيازي على متحف لندن الكبير، فرأيت لأول مرة مدى "مأساة مصر والعرب": جناح واسع (حوالي ألف متر) مخصص لمسروقات الإنجليز لأغلب "التحف الفرعونية". فهذه مومياء محنّطة وتلك من الذهب الخالص (بالأطنان!) وأخرى من المرمر أو الرخام أو الصخر النادر ! وهناك جناح آخر لا يقل عن الأول اتساعا لحضارات "بابل" و"الأثيوبيين" و"السامريين" و"كنعان" و"سبأ" وغيرها. وقت الغذاء توجهنا إلى جامعة لندن العريقة، هناك تغذينا، ثم طفنا بأشهر الأقسام حيث درس، من بين من درسوا جوزيف كونراد (صاحب رواية "في قلب الليل" ) و ت.س. إليوت (صاحب ديوان "الأرض اليباب") وت. أش. لورانس (مؤلف رواية "عشق السيدة شاترلي" التي ما زالت تباع "بالآلاف" حتى أيامنا هذه !) وغيرهم. لازمني صلاح نيازي ثلاثة أيام من بين العشرة التي قضيتها بلندن. فيما بعد توسطت له لدى وزارة الثقافة فدعي إلى الجزائر سنة 2007 بمناسبة " الجزائر عاصمة للثقافة العربية"، مازلت اتصل بصلاح نيازي وما زال يذكر الجزائر ويقول "سأذكرها كأجمل ذكرى حتى مماتي!".