أقام الدكتور عبد جاسم الساعدي بالجزائر قرابة الثلاث سنوات، وقد درس الأدب العربي في جامعة تيزي وزو لمدة تزيد عن العامين بقليل (1981 - 1983)، حين أنجب أول طفل من زوجته "منى" سماه " أوراس" تبركا بجبل "الأوراس" الأشم ومحبة للجزائر وثورتها العظيمة. لقد غادر عبد جاسم الساعدي الجزائر في ظروف أقل ما يقال عنها إنها مأساوية، لكنه ما زال يحب الجزائر. كانت مصالح الأمن الجزائري قد أخطأت خطأ فادحا في حق الأستاذ الجامعي الليبي. كان جاره شنوفي الطيار العسكري الذي انظم إلى "حزب بن بلة : الحركة من أجل الديمقراطية" المعارض والممنوع أيامها، ولما ألقي القبض على شنوفي وجامعته في قارب قرب سواحل "رأس سيقلي" قيل إنه مملوء بالأسلحة، اعتبر الدكتور الساعدي شخصا غير مرغوب فيه مثله مثل "محمد"(اسمه الحركي) رئيس حركة "إلى الأمام" المغربية التي كانت أول الحركات المعارضة للعرش الملكي المغربي وأول حركة تدعم استقلال "الصحراء الغربية" عن المغرب. توجه "محمد" (التقيته وكان من ألطف خلق الله!) إلى باريس، حيث أقام ويقيم حتى هذه الساعة؛ بينما اتجه الدكتور عبد جاسم الساعدي - يا لغرابة الصدف ! - إلى ... المغرب حيث أقام هناك ودرّس بجامعة الرباط مدة عامين. ضاقت السبل بناقدنا العراقي الكبير، فقصد، رغم عنه لندن، حيث استقر فأسس "جمعية الثقافة العربي". كان بطش صدام حسين قد أرغم الدكتور الساعدي على المنفى كما أرغم الكثير من المثقفين والعلماء العراقيين. التقيت الدكتور عبد جاسم الساعدي، أول مرة، في الجزائر، حيث دعاه عبد الحميد بورايو إلى "ملتقى الراوية، عبد الحميد بن هدوڤة" الذي نقيمه كل سنة ببرج بوعريريج. في سنة 2002، دعاني هذا الصديق الذي لم ينضب حبه للجزائر إلى اليوم، لزيارة لندن، وبهذه المناسبة، لا يفوتني أن أشكر الدكتور محمد العربي ولد خليفة، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، الذي ساعدني على الحصول على تأشيرة الإنجليز، قلت دعاني عبد جاسم الساعدي إلى لندن لإلقاء محاضرة، نصحني بأن يكون موضوعها حول "الحضارة العربية الإعلامية". كان الأستاذ الكبير ولا يزال يناضل من أجل إبراز "الجوانب المنيرة" في هذه الحضارة التي "انهالت عليها معاول الدهر" في أيامنا هذه! خلال العشرة أيام التي قضيتها بلندن، أمضيت ثمانية أيام في بيت عبد جاسم، فهو رجل من أكرم خلق الله ! لقد أمدني حتى بالنقود - من جيبه - التي اشتريت بها بعض الذكريات لزوجتي وأولادي! في لندن شرح لي عبد جاسم، أو بالأحرى صحّح لي، حكاية طرده من الجزائر "كان السفير العراقي بالجزائر يومها هو الذي دبّر المؤامرة، حيث ضغط على وزير داخلية الجزائر وقتئذ وأقنعه أنني "رجل خطير" وهكذا أوقفوني عن التدريس في جامعة تيزي وزو وطلبوا مني أن أغادر الجزائر إلى حيث أرغب. قاومت ستة شهور - وأنا بدون عمل- وطرقت أبواب كل الأصدقاء، لكنني فشلت كما فشل أصدقائي الجزائريون في إقناع السلطات الحاكمة يومها بأنني رجل يحب الجزائر وبأنني لا أقتل حتى البعوضة إن لم تؤلمني!" الدكتور عبد جاسم يدرّس اليوم بجامعة بغداد. قبل عام، أخطأته قنبلة بثواني! غير أن حبه للعراق يجلعه يصر على البقاء في بغداد، إنه يدير "جمعية ثقافية" كما في لندن، التي غادرها دون تذمر، ويتمنى "رجوع" بلده إلى أيامه العظيمة كما كان وقت هارون الرشيد العظيم، أما عن الجزائر فهو لا يزال ينتظر زيارتها. حين انتصر الفريق الجزائري لكرة القدم على مصر في أم درمان، كان أول من هتف لي :"مبروك يا جيلالي.. مبروك على الجزائر". وفي سنة 2007، رجاني أن أتدخل لدى وزارة العدل الجزائرية كي تمنح الجنسية الجزائرية لولديه المولودين بالجزائر، لكنني فشلت، ذلك أن قانون "الجنسية" ينص على "إقامة الولدين بالجزائر!".