يبدو أن مصر الشقيقة بدأت بالفعل تدخل النفق المظلم.. فالشعب المصري يريد تغيير النظام فعليا.. والنظام يريد تغيير وجهه فقط! النظام العسكري القائم في مصر منذ 60 سنة باسم ثورة 23 يوليو ما يزال يرى في نفسه هو الشعب وهو الدولة وهو الشرعية.. والمساس به خط أحمر لا يمكن السماح به! الإسلاميون في مصر والشيوعيون وحتى الوطنيون اتفقوا على أن تؤدي المرحلة الانتقالية إلى عودة الجيش إلى الثكنات والكف عن ممارسة السياسة.. وإقامة دولة مدنية تبسط فيها سلطة الشعب على مؤسسات الدولة بواسطة صناديق الاقتراع.. لكن المجلس العسكري الحاكم الآن في مصر يرى أن هذا وقت لم تصل إليه مصر بعد! ولذلك يقوم الجيش بإطالة عمر المرحلة الانتقالية لبلورة بروز ناصر جديد أو سادات جديد أو مبارك جديد.. لأنه لا يمكن رمي السلطة في الشارع هكذا.. فالشعب المصري في نظر الجيش ما يزال قاصرا ولا يستطيع التمييز بين ما ينفعه وما يضره.. والجيش عليه أن يختار من يقود البلاد.. والشعب عليه أن يزكي! الأمريكان عندما دخلوا بغداد طلبوا فيلم معركة الجزائر لدراسة كيف تصرف الجزائريون مع جيش الاحتلال الفرنسي في معركة الجزائر! ولا شك أن الجيش المصري الذي يقود المرحلة الانتخابية الحرجة الآن في مصر قد يكون في حاجة ماسة إلى دراسة تجربة قيادة الجيش الجزائري للمرحلة الانتقالية التي أعقبت إبعاد الشاذلي بن جديد من السلطة! الشارع المصري يغلي في مواجهة العسكر.. تماما مثلما كان الشارع الجزائري في بداية التسعينيات يغلي في مواجهة العسكر وهم يقودون وقائع المرحلة الانتقالية! صورة رئيس الحكومة المصري (المدني) وهو يجلس بجانب المشير الطنطاوي ذكرتني بصورة سيد أحمد غزالي رئيس الحكومة الأسبق وهو يجلس بجانب اللواء خالد نزار في التسعينيات! نحن لا نتمنى لمصر أن تمر بما مرت به الجزائر من أهوال طوال 20 سنة وما تزال.. لكن لا يبدو أن النظام في مصر يريد فعلا التغيير الحقيقي تماما مثل ما حدث في الجزائر! وعلى المصريين أن يحضروا أنفسهم لمصاعب حقيقية تواجه البلاد إذا لم يقبلوا بما يقوله الجيش من ضرورة تغيير الواجهة السياسية للبلاد وليس تغيير النظام.. لأن الجيش في مصر ما زال يرى نفسه أنه هو الدولة وإبعاده من السياسة يفتح البلاد على مخاطر حقيقية قد لا تكون منظورة الآن.. والأفضل أن يقبل المصريون بثورة تغيير شخص أو عصابة لا ثورة تغيير النظام برمته!