مصر إختارت تغييرا سطحيا والتوانسة يريدون تغييرا حقيقيا الحديث إلى فتحي التريكي أستاذ الفلسفة بجامعة تونس بصفته عضوا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة يمثل الطريقة المناسبة لكي يتلمس المتابع لخطوات الإنتقال الديمقراطي مسار التحولات التي تجري في العالم العربي بفعل الثورات الشعبية التي أسقطت الانظمة الديكتاتورية في كل من تونس و مصر و تقوم حملات لتغيير أنظمة اخرى في ليبيا بشكل حرب أهلية و في سوريا و اليمن على طريقة العصيان الشعبي العام. أجرى الحوار: عمر شابي تصوير: عبد الكريم عمور الأستاذ فتحي التريكي إستقبلنا في مكتبه بكلية العلوم الإنسانية و الإجتماعية بجامعة تونس غير بعيد عن مقر وزارة الدفاع و رئاسة الحكومة متحدثا عن المهام التي تقوم بها هيئة تحقيق أهداف الثورة و ضرورة العقد الجمهوري المدني المؤسس لمبادىء المواطنة في العالم العربي الجديد. الأستاذ التريكي تناول مسائل و مشاكل المرحلة الإنتقالية و قال ان الإرهاب لا مكان له في تونس، لكنه طالب بأن تتوفر تونس الآن بفعل متغيرات "الجيوبوليتيكا" الجغرافيا السياسية على جيش قوي و مصلحة أمن فعالة توفر الأمن و الحماية للبلاد و للنظام الديمقراطي الوليد في مملكة قرطاج . النصر: تواجه هيأتكم العديد من الانتقادات و قد اتهمها البعض بأنها تمدد في عمر المرحلة الانتقالية، و لا تجرِأ على طرح المسائل الخلافية العميقة التي يمكن أن توحي للشعب بأنها تسهر فعلا على تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ثورة الياسمين؟ التريكي: أود في البداية أن أقول أن الهيئة التي أنا عضو فيها تعمل حاليا على وضع النصوص الأساسية لعمل كافة المؤسسات الجديدة في تونس،لأننا لا نعيش حاليا في دولة شرعية عادية بل نحن في مرحلة إنتقالية لا تحكمها الشرعية القانونية و الدستورية المتعارف عليها.عمل اللجنة العليا لتحقيق أهداف الثورة المستوحى من تاريخ تونس الضارب في أعماق التاريخ من مرحلة ما قبل الإسلام و حتى ثورة 14 جانفي 2011 بدأ باقتراح نص دستور جديد يكفل ممارسة الحريات، و يضمن التداول على السلطة عبر الإنتخابات و تسهر على إقامة منظومة عدالة تحترم القوانين و يكون الجميع أمامها سواسية،حتى وإن كانت عدالة مرحلة انتقالية. كما أننا نريد أن نكون أوفياء لأرواح شهداء ثورة الياسمين لنحقق الإنتقال من المرحلة الإنتقالية إلى دولة مؤسسات دستورية و شرعية شعبية. الرهان كبير جدا و مهم و قد اختارت تونس من خلال ثورتها الطريق الأصعب/ و لو أن هناك من يقول أنه الطريق الأطول/ بل أقول الأصعب لأنه في مصر مثلا لم يكن الأمر متماثلا مع ما أردناه لتونسالجديدة. المصريون قاموا بعد ثورتهم بتعديل الدستور لا أكثر. و قالوا أنهم يريدون التغيير من خلال تعديل بعض مواد الدستور و القيام ببعض الإصلاحات بينما بقيت المؤسسات تعمل في ظل الدستور القديم المعدل و كان أمرا سهلا و يسيرا للتطبيق. نحن في تونس اخترنا أن يكون التغيير جذريا و عميقا و حقيقيا .. لذلك قمنا بعمل صعب نسبيا و عشنا مرحلة إنتقالية يتم فيها التحضير للنصوص المؤسسة الجديدة لدولة تونس ما بعد الثورة. لقد كان بالإمكان لو أردنا تغييرا سطحيا أن نعود إلى دستور الخمسينات في تونس و الذي كان مناسبا للعمل الديمقراطي التعددي. بل لقد كان لدينا أحد أحسن الدساتير العربية من حيث النص قبل أن يقوم النظام السابق بتوظيفه من خلال إدخال العديد من التعديلات عليه لصالح الدكتاتورية و القفز عليه في عدة مرات لخدمة أغراضه. نفضل دائما بإسم الوفاء لأرواح شهداء ثورتنا أن تكون العملية بمثابة ولادة جديدة لتونس و ليس مجرد تغيير شكلي طفيف يمس بعض المسائل و يحتفظ بالجوهر السابق. نعمل على تأسيس جمهورية حقيقية تحكمها القوانين و تسودها العدالة بعيدة عن الهيمنة و الغطرسة النصر: هل هذا هو السبب وراء اتهام البعض لكم بتمديد عمر المرحلة الانتقالية، بل و الزج بالثورة في مسائل خلافية بسيطة من قبيل تحديد عناصر الهوية و مكان الدين في الدولة الجديدة؟ التريكي: هي ملاحظة و ليست اتهامات جدير بالبعض تقديمها، لكننا أخذنا وقتا كافيا و قمنا بدراسة كل خطوة بعمق و تمهلنا في كل مرحلة من عملنا لأن كل خطوة في مهمة الولادة الجديدة لها قيمتها وأهميتها و أثرها على المستقبل.. و كل مرحلة تمر بها تونس الانتقالية هي ضمان من خطر الانتكاسة و التراجع الذي يهدد كل حركة تغيير و كل ثورة.. و حتى المجلس التأسيسي علينا التمهل في إقامته و التأكد من أنه لن يكون استنساخا للديمقراطيات الشكلية.. و على المجلس التأسيسي أن يسهر على كتابة الدستور الجديد .. لكن حتى المجلس التأسيسي يحتاج إلى نصوص تحكم عملية انتخاب أعضائه و كيفية اختيارهم و هل ننتخب أعضاء المجلس التأسيسي وفق القوانين الانتخابية للنظام السابق الذي ثار ضده الشعب و هي قوانين إضمحلت و إنتهت. و نظرا لكون المهام التي نقوم بها تهدف إلى تحقيق الانتقال إلى مرحلة مختلفة كليا عما كنا فيه و تحقيق التغيير الجذري الذي طالب به الشعب من خلال ثورته على النظام السابق صار اسم الهيئة التي تتولى إعداد النصوص التأسيسية لعملية انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي و التي أنا عضو فيها الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي. و من هذه الهيئة تم إصدار القانون الانتخابي الذي يكون هو الفيصل في كل المسائل المتعلقة بتنظيم عمليات الانتخابات و كافة العمليات الإنتخابية كخطوة أولى أساسية بالغة الأهمية من حيث اختيار الانتخاب النسبي للقوائم و كيفية اختيار المترشحين.. كما قمنا بإنشاء اللجنة العليا للإشراف على الإنتخابات التي تقوم بعملية مراقبة كافة العمليات الإنتخابية و كانت هذه المهمة في السابق من مهام وزارة الداخلية و لكن الشعب التونسي لم تعد له الثقة مطلقا في أجهزة الحكم التنفيذية و لا حتى في مسألة إشراف العدالة على العملية الانتخابية، لذلك فضلنا أن تكون لدينا جهة مستقلة تماما عن كل الجهات السياسية و التأثيرات الممكن حدوثها بصفة ظرفية تتمتع بالسلطة و الصلاحيات الضرورية و لها استقلالية مالية تضمن بها صيانة حرية اختيار الناخبين كفعل أساسي مهم في كل عملية ممارسة ديمقراطية. و هي مستقلة عن الأحزاب و عن القضاء و هي هيئة عليا و لها فروع و هيئات في كل الولايات و لا دخل للحكومة المؤقتة في عملها. و تقوم الهيئة بإنتخاب رئيس لها يكون هو المسؤول الأول عن العمليات الإنتخابية المختلفة. و هو الذي يعلن عن نتائج الإنتخابات و دون تدخل أجنبي. رفضنا حتى المراقبة الخارجية في العمليات الإنتخابية ونرحب بكل الناس في العالم لكن كملاحظين للعمليات الإنتخابية، أما المراقبة فلا. و الشعب التونسي لديه القدرة على مراقبة الإنتخابات بنفسه و في هذه اللجنة أناس معروفون بنزاهتهم و بنضالاتهم و مشهود لهم بالاستقلالية عن الأجهزة و عن الأحزاب. تونس بحاجة إلى مراجعة سياساتها الدفاعية و زيادة قوة جيشها النصر: هذا كله كلام نظري جميل و مفيد في عملية التلقين الديمقراطي لكن تونس تعيش الآن بعد الثورة حالة من الإحتقان و الإنفلات الأمني و الغليان السياسي من بعض الاحزاب، فهل يمكن برأيكم أن تؤثر الأحداث الجارية و منها عمليات مسلحة لعناصر إرهابية إستهدفت جنودا في الجيش التونسي على عمل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و منها على عملية الإنتقال الديمقراطي برمتها؟ التريكي: نعم هناك حالة إنفلات أمني و هذا ملاحظ و لا يمكن إخفاؤه. وهناك إنفلات سياسي و حالة هيجان و فوران في الساحة من مختلف الأطراف ومن جهات في الحكومة الانتقالية و لكنها في مجمل تصرفاتها تعاملت بكثير من الرصانة و التعقل.. ففي حالة إنفلات أمني مثل التي نعيشها من الغريب أن لا يستعمل الجهاز الأمني الوسائل القمعية للسيطرة على الوضع و لا ننسى أننا نعيش على وقع ما يجري في ليبيا من حرب أهلية منذ أربعة أشهر و تونس في مكانها المتوسطي و علاقاتها بين ليبيا و الجزائر و إمتدادها المتوسطي و مكانتها فيه منذ عصر قرطاج فهي في وضع لا تحسد عليه و فيه من الصعوبات و المخاطر الكثير . و لعلمك أن الجيش التونسي منذ البداية و هو مدرب على أحسن ما يرام . كان جيشا صغيرا و أن مصلحة الأمن هي مصلحة صغيرة و كلاهما لا تتجاوز نسبة العناصر المنتمية إليهما الواحد بالمئة من الشعب و هي نسبة قليلة جدا و لا يمكن أن نجدها إلا في الدول المحايدة و الصغيرة. و تونس الآن برأيي في حاجة إلى مراجعة ذلك و هي بحاجة إلى وسائل دفاع أكبر متناسبة مع التحديات التي تواجهها. التاريخ علمنا أن تونس بلد مسالم و لم تنجح فيها أية عمليات تغيير بالقوة و العنف. الخوارج و الشيعة لم يدوموا طويلا . و لما انتهوا في تونس إنتهى التشيع تماما . الإرهابيون الذين قاموا بالإعتداءات في سليانة لا مكان لهم في وسط التونسيين. و حتى ما وقع قبل يومين في الجنوب الغربي من تونس يقدم درسا. لأن الذين قبضوا على الإرهابيين هم من سكان المنطقة. و السكان هم الذين أشاروا إلى مصالح الأمن بوجود تلك العناصر الإرهابية المسلحة في القرية حينما كانوا بصدد البحث عن وسيلة نقل.. الإرهابيون حينما لا تكون لديهم إمتدادات شعبية و لا يجدون أنصارا لهم في مواقع نشاطهم يعمدون إلى التخويف و الترهيب لإسكات السكان و حملهم على التواطؤ. بينما نجد أنه في سليانة قبل يومين السكان لم يخافوا و حاصروا الإرهابيين و قبضوا عليهم فقد إنتهى زمن الخوف في تونس فلا خوف بعد اليوم . الإرهاب لا ينتعش إلا في الأوساط التي لديه فيها قبول لطروحاته.. قد يغذيه الحرمان بشتى صوره و لكن الحرمان وحده ليس مبررا لظهور النشاط الإرهابي ينبغي أن تكون للإرهاب إمتدادات في الأوساط الشعبية التي تؤمن بأفكاره. النصر: لكن حزب التحرير موجود في تونس و هو لا يِؤمن بالدول الحديثة و يدعو لإقامة نظام الخلافة عبر كل الدول الإسلامية؟ التريكي: حزب التحرير موجود فعلا. و هو لم يبد أية بادرة للقيام بفعل عدواني.بل أن ممثلين لحزب التحرير تقدموا إلى وزارة الداخلية بطلب للحصول على الاعتماد الرسمي لحزبهم، و لم يبين حزب التحرير عن علاقاته بالقاعدة حتى الآن و لهذا السبب لم تقم الحكومة بأي تصرف ضدهم و لم تعتقل عناصر حزب التحرير.. العنف لدى حزب التحرير لم يخرج إلى العلن و نحن لا نتهم أحدا و نحكم على الأفعال و ليس على النوايا.. السلفية الموجودة في تونس هي سلفية مبتورة من الصفة الجهادية و بالتالي يتم التعامل معها كتيار فكري و عقائدي و لا ينظر إليها كمصدر لخطر أمني على البلاد. النصر : هذا يقودنا إلى الحديث عن المخاوف من الظاهرة الإسلامية التي تغزو الشوارع.. هناك من يقول أن الإسلام السياسي هو المستفيد الأكبر من الثورات في الشارع العربي و هو البديل للدكتاتوريات الساقطة ؟ هل هناك إحتمال لهيمنة حزب إسلامي في تونس على الحكم بعد تنظيم الإنتخابات. التريكي: في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة نعمل على وضع عقد سياسي بمثابة ديباجة للدستور الجديد. يتضمن العقد الجمهوري التناوب على الحكم و الديمقراطية الكاملة أي بفصل الدين عن الدولة. و إعتبار كل التونسيين مسلمين و لا حق لأحد في احتكار الإسلام و التحدث باسمه، و عزل المساجد و الجوامع عن السياسة. هناك قواعد عامة يمكن أن نسميها فلسفيا إعلان تأسيس مبادىء المواطنة . هي عملية أولى نوعية في العالم العربي حيث لا نعرف مبادىء المواطنة و تقوم الأحزاب بإمضاء العقد الجمهوري الذي سيكون بالنسبة للشعب الضمان لممارسة العمل السياسي السلمي و في ظل الحوارات السياسية المستمرة إذا إختار الشعب بأغلبية حزبا إسلاميا فلماذا لا نطبق القواعد العامة المعلن عنها و نترك الحزب يحكم و يطبق أفكاره. النصر: حتى و لو كانت أفكار الحزب غير ديمقراطية؟ التريكي: آه هنا سوف نعود للشعب الذي يحافظ على النظام الديمقراطي من خلال إجبار الحزب الطاغي على احترام قواعد العقد الجمهوري و حينها سوف يقصف الشعب الحزب الذي تراوده أفكار الهيمنة من جديد و لن تقوم له بعدها قائمة..الشعب التونسي صار مروعا شديد الترويع من حكم الديكتاتورية فلا أحد على الساحة السياسية الآن تراوده نفسه بتكرار التجربة الديكتاتورية المريرة التي عاناها الشعب التونسي. النصر: هل ترون أن الجيش التونسي يمكن أن يلعب دور الحامي للنظام الديمقراطي الجديد؟ التريكي: نعم و الجيش في تونس كان على الدوام في صف الشعب و ليس هذا منذ ثورة الياسمين التي أسقطت الديكتاتورية . الجيش قام بحماية الثورة التي قام بها الشعب . و الجيش لم يتدخل في السياسة مطلقا لأنه يعتبر التدخل في السياسة ليس خطرا على تونس فقط بل على الجيش نفسه. و كان الجيش التونسي دوما بعيدا عن السياسة . و لكن سؤال كيف سيتعامل الجيش مع حزب يهيمن على الساحة و ينهي مكاسب الثورة فهذا متروك للأحداث و لا يمكنني التكهن بما سيكون رد فعل المؤسسة العسكرية.