شئنا أم أبينا، تحظى ليلة نهاية السنة باهتمام خاص عندنا وإن اختلف الجزائريون في درجة اهتمامهم، إلا أنهم يتفقون على كونها ليلة غير عادية، بعدما بدأ العد التنازلي منذ أشهر لاستقبال العام الجديد وتوديع سنة مضت، راح مشجعو الاحتفالات بهذه المناسبة يتسابقون للتميز بأحسن برنامج لسهرة؛ هي بالنسبة للعديد من الشباب ليست كباقي السهرات. “تعددت مظاهر الاحتفال والريفيون واحد”، هي عبارة تصحّ كثيرا ونحن على مشارف نهاية السنة الميلادية، والكل منهمك في تحضير ليلة من ليالي العمر، وإن تفاوت اهتمامهم بها، إلا أن لكل طقوسه في الاحتفال وفق أمنياته وقدراته المادية، وهو ما توصّلنا إليه من خلال التقرب من العديد من الأشخاص، أفصحوا من خلالها عن نواياهم في تمضية هذه الليلة المميزة. “الربيع العربي” يغيّر وجهة الجزائريين من تونس إلى فرنسا وتركيا غيّر الجزائريون وجهتهم لقضاء ليلة رأس السنة بفعل الأوضاع الأمنية السائدة في بعض الدول العربية، التي اعتادوا قصدها في هذا الوقت من السنة، وقام أغلبهم باستبدالها بدول أجنبية أخرى كفرنسا التي سجلت أعلى عدد من المغادرين من مطار الجزائر الدولي في آخر شهر من السنة، وصل عددهم إلى 50 ألف مسافر، بالإضافة إلى تركيا بأكثر من 7 آلاف مغادر، فيما وصل عدد المتجهين إلى إسبانيا في نفس الفترة إلى 6 آلاف. وفي سياق متصل، أوضح نسيم حديدي، ممثل عن وكالة للسياحة والأسفار قائلا: “هناك إقبال كبير على الرحلات المتجهة إلى اسطنبول مقارنة بتونس”، مشيرا إلى أن “الطبقة المرتاحة ماديا اختارت هذه الوجهة باعتبارها من أشهر المناطق السياحية استقطابا للسياح في الآونة الأخيرة”. .. وينعش السياحة المحلية إلى الغرب والصحراء ومن جهة أخرى، كشف محمد مولودي، مدير وكالة للأسفار أن وكالته خصصت برنامجا ثريا يستقطب ثلاثة أقطاب سياحية، على غرار مدن الجنوب كتمنراست، غرداية وتيميمون، مستثنية الرحلات الخارجية بسبب الأزمات التي عرفتها بعض الدول العربية وفي مقدمتها تونس ومصر، مشيرا إلى أن الحجز كامل التكاليف إلى الفنادق المتعاقد معها، حيث تقام فيها حفلات موسيقية ليلة السنة مع عشاء خاص. وعن تكلفة السفر، أضاف محدثنا أنها تختلف حسب طلبات الزبائن وإقامة الفنادق، فهناك من يرغب بفندق خمس نجوم والبعض الآخر على حسب قدراتهم المالية، حيث تتراوح بين 3000 إلى 5000 دينار جزائري إقامة لليوم الواحد داخل الوطن، بينما تكلفة الإقامة في مدينة تيميمون لمدة أسبوع لا تقل عن 45 ألف دينار للشخص الواحد. وفي هذا الإطار قامت “الفجر” باستطلاع آراء البعض ممن اختاروا أن يحزموا أمتعتهم باتجاه مدن الجنوب لقضاء ليلة رأس السنة، حيث قال سمير، موظف بشركة خاصة، بأنه دعي من قبل بعض الأصدقاء على حسابهم الخاص، حيث سيتكفلون بكامل المصاريف، مضيفا بأنه اختار منطقة تيميمون هذا العام للاحتفال برأس السنة الميلادية. ولنفس الأسباب عزم المئات بل الآلاف ممن كانوا يرغبون في قضاء آخر ليلة في السنة في ملاهي وفنادق تونس أن يحجوا هذه السنة إلى وهران، الشلف، مستغانم، عين تيموشنت، وغيرها من الولاياتالغربية بغية قضاء ليلة بيضاء ينتظرون خلالها الساعة الصفر على أنغام الموسيقى ونشوة الخمور في الحانات والملاهي التي تعرض خدماتها خلال هذه الأمسية، حيث ارتأى مالكو هذه الأماكن أن تكون شبيهة بالسهرات الغربية لتنال رضا هؤلاء القادمين من كل أنحاء الوطن بحثا عن المتعة واللهو، خمور بماركات عالمية للمرفهين، مطربون ومنسقو موسيقى مشهورين، راقصات وبائعات هوى بمواصفات جمال ودلال يناسبان حجم التحضيرات التي بدأت منذ شهر سبتمبر حسب شهادة مرتادي هذه الأماكن، ذلك هو برنامج سهرة رأس السنة الذي أطلعتنا عليه جماعة من شباب العاصمة التقيناهم في المحطة البرية “الخروبة” متجهين إلى وهران، حيث أخبرنا محمود 26 سنة أنه تأكد من صديق له يقطن بتلك المنطقة أن كل التدابير والتحضيرات أصبحت جاهزة هناك لإمضاء ما يسمونها “عروسة السنة”. 10 ملايين سنتيم لاستئجار شقة مهجورة وقضاء ليلة مميزة باشرت فئة أخرى البحث عن أماكن خاصة تمكّنهم من قضاء ليلة من ألف ليلة وليلة بعيدا عن الأنظار. ولأن إجراءات الفيزا تعقّدت ولأن السفر ليوم واحد إلى أوروبا سيكون مكلفا، فنقلُ ما هو موجود إلى هنا سيكون حلا بالنسبة للذين تسحرهم الليلة التي لا يوجد ما يشبهها بالنسبة لهم طوال السنة. هو حلم غربي يتحقق هنا.. هذه الفكرة كشف عنها بعض الشباب على غرار سعيد 30 سنة، الذي قرر رفقة أصدقائه أن يقوموا باستئجار شقة للاحتفال بهذه الليلة حتى يحظوا بجو مميز وخاص بهم. وعن السعر فهو 10 ملايين سنتيم، سيدفعه ستة أشخاص كل واحد منهم يمكنه استقبال ثلاثة أصدقاء، مضيفا عن هذا البيت أنه لشخص مغترب وكان مهجورا لفترة طويلة، إلا أنه مجهز بأثاث فاخر سيضفي على الاحتفال جوا خاصا، ومظاهر رفاهية مميزة. هي عينة بسيطة، فهذه الفكرة أصبحت شائعة بكثرة في مجتمعنا حسب رأي الكثيرين، لتنتعش بورصة الكراء وتسجل زيادات خيالية يعجز اللسان عن الإدلاء بها. .. والفنادق على أهبة الاستعداد إذا كان للأثرياء ورجال الأعمال وكبار التجار عذرهم في عدم المبالاة بغلاء تكلفة الاحتفال برأس السنة الميلادية، لأن لا مجال للمقارنة بين ما يكسبونه ومصروف هذه الليلة، غير أن ما يضع العقل في كفة هم شباب بطالون وآخرون لا يكفيهم راتبهم لسد رمق عائلاتهم يصرون على الاحتفال بهذه المناسبة على الطريقة الأوروبية، الأمر الذي يكلفهم في الغالب أضعاف ما يكسبونه في الشهر. (هشام.م) 25 سنة عون أمن في إحدى الشركات العمومية، كنا حاضرين معه عند اجتماعه مع رفاقه للتنسيق فيما بينهم ودرس الميزانية التي تمكّنهم من قضاء سهرة ممتعة، وخلال حديثنا معهم اكتشفنا أن أغلبهم قام باقتراض المال لتغطية تكاليف الفندق، فيما أكد لنا البعض الآخر أنه قام بادخار جزء كبير مما جناه طيلة الستة أشهر الأخيرة لصرفها هذه الليلة. من جهتها، تتسابق العديد من الفنادق لافتكاك المرتبة الأولى في أكبر عدد من حجوزات الزبائن الراغبين في إمضاء ليلة رأس سنة متميزة، وذلك من خلال الإعلانات في الصحف والراديو، وكذا الملصقات التي غزت الشوارع، فأغلب الفنادق تسعى لذلك من خلال عرض أسعار تنافسية تغري الشباب خاصة، كما أفادتنا بعض المصادر المسؤولة في عدد من الفنادق الفخمة بالعاصمة أن نسبة حجز الغرف والأجنحة عشية الاحتفالات تفوق ال70٪، هذا الرقم الذي يؤكد العارفون أنه فاق بأضعاف ما سجل في السنوات الماضية. أما عن سعر هذه الغرف فتؤكد نفس المصادر أنه يتجاوز 30 ألف دينار تتضمن هذه التكاليف كل من المبيت، المشروبات والحفلات الموسيقية المقامة هناك. أم الخبائث سيّدة الاحتفالات في الملاهي وقارورات الخمر تصنع الحدث تسود الفوضى والتجاوزات ليلة رأس السنة في الجزائر.. كل شيء مسموح لتستغل الظروف تحت غطاء تأشيرة نشوة الخمور، وتقضي الجزائر ليلتها في حالة سكر عندما تفتح الملاهي والحانات أبوابها على مصراعيها، لاستقبال شباب ينسون تلك الليلة دينهم وتقاليد مجتمعهم، ويركضون نحو التطبع بالعادات المسيحية احتفالا بهذه السهرة. (فوزي،أ) نادل بملهى ليلي بالعاصمة كان شاهدا على آخر ليالي ال31 ديسمبر، يروي لنا حيثيات هذا القرار قائلا:”كنت ليلتها أعمل في ملهى ليلي في أول مرة أحضر مثل هذه المناسبة التي تجرّد الجميع فيها من أدنى حس بالمسؤولية والأخلاق“، مضيفا أن الزبائن السكارى أعطوا لنفسهم الحق في التمادي إلى أبعد الحدود بحجة” اليوم ماشي كل يوم”، فرغم تجاوز الأمر لحدوده إلا أنه يقول إن إعطاء الزبون حريته يزيد في در المال على الملهى وتزيد شعبيته! والجدير بالذكر في هذا السياق، أن آخر مداهمة لمصالح الدرك الوطني بولايات غرب الوطن، قد أسفرت عن حجز ما يقارب 2000 قارورة خمر، وأزيد من قنطار من المخدرات الموجهة للترويج في الحانات والملاهي، حيث يكثر الطلب عليها للاحتفال برأس السنة، وهو ما دعا إلى تكثيف مجهودات مصالح الدرك هذه الأيام. “الحراڤة” يودعون “الميزيرية” عند منتصف ليلة 31 ديسمبر وكشف شباب الأحياء الشعبية والطبقة البسيطة من المجتمع الجزائري رغبتهم هم الآخرون في توديع سنة 2011 واستقبال عام 2012 باحتفالاتهم الخاصة، بعد أن حال الغلاء الفاحش لأسعار الحجوزات بمطاعم وملاهي الفنادق، دون تمكنهم من الاستمتاع بهاته الليلة، ليزيد تصمميهم على تحقيق حلم الهجرة، حيث قال كمال.ع بطال “ليس هناك أجمل من أن يكون تحقيق هذا الحلم والوصول إلى الضفة الأخرى عند منتصف ليلة الواحد والثلاثين ديسمبر حتى نودع الجزائر، وسنة 2011 وذكريات الغبن بزجاجات الشمبانيا على جزيرة سردينيا”. طبعا هي كانت نية لم نتمكّن من معرفة تفاصيلها، فهذا الشاب بالكاد استطاع أن يبوح برغبته، غير أن هذا الموضوع ليس بجديد، فهذا السيناريو تكرر في الكثير من المرات وانتهى نهايات تراجيدية، كان فيها الإرجاع إلى الديار أهون النتائج، إلا أن شبابنا لن يتخلى عن حلم الحرڤة ليلة “الريفيون”. “الصولد” ينتقل إلى سوق الحلويات و”الشكولاطة” تخطف الأنظار وبعيدا عن صخب السهرات والفنادق، تكتفي بعض العائلات باقتناء الحلويات و”التراز” للاحتفال بليلة رأس السنة، فالمتجول في أسواق ومحلات العاصمة يجدها قد ازدانت بمختلف أنواع الحلوى والشوكولاطة الفاخرة، وحتى تكتمل فرحة الاحتفال قرر الباعة منح تخفيضات في أسعار الحلويات وصلت إلى 50 بالمئة. وفي هذا السياق، كان لنا حديث مع بعض المواطنين الذين استحسنوا هذه الفكرة على اعتبار أنها تمكّنهم من اقتناء الكثير من الحلويات، خاصة بالنسبة للأطفال، فالسيدة نجية على سبيل المثال اقتنت ما قيمته 2000 دج من الحلويات خصيصا لذلك اليوم مستفيدة من “الصولد”، فيما ترى عائلات أخرى أن هذه التخفيضات وهمية ومجرد خدعة لتضخيم حجم المبيعات، حيث إنهم لم يلمسوا فرق كبير بين سعر هاته الحلويات الآن وفي فترات ماضية. الإمام جمال الدين ل”الفجر” “يجوز الاحتفال في إطار العادة وليس من أجل التعبد” وكان للإمام عبد الكريم ليشاني، أستاذ ورئيس مكتب التعليم والثقافة الإسلامية بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر العاصمة رأي في هذا الموضوع، حيث أفاد هذا الأخير بأن مشاركة أهل الكتاب في احتفالاتهم التي تخلد ذكرى ميلاد المسيح تؤخذ في باب مشاركة أهل الديانات الأخرى هو مقصد من مقاصد الإسلام، ويندرج ضمن خانة المباحات، بمعنى أنه ليس واجب وليس محرم، لكن بشرط أن يكون مصحوبا ببعض الضوابط الشرعية التي لا تخرجنا إلى ارتكاب بعض المخالفات والمنكرات. وأضاف ذات المتحدث بأن الكثير من العائلات الجزائرية نجدها في نهاية رأس السنة الميلادية يقبلون على الأسواق من أجل شراء الحلويات وبعض الحاجيات التي تستعمل في الزينة ليس اعتقادا منها، وإنما من باب حب النشوة والفرح، وليس كما تعتقده النصارى بمعتقداتها، مشيرا إلى أنه إذا كانت مشاركة النصارى وتهنئتهم بأعيادهم مباح، شرط أن تكون بنية العادة وليس بنية التعبد، أما قضاء ليلة حمراء في الفنادق مصاحبة بشيء من المحرمات كالخمر وغيرها فهذا يعتبر إسراف والإسراف في الدين حرام وبالتالي فهي تحرم عليهم تحريما قاطعا. وعلى الرغم من ذلك يطبع الاحتفال بهذا اليوم الكثير من التغييرات في يوميات الجزائريين، ويصدح بأحلامهم هنا وهناك، كل ودرجة ارتباطه بالواقع.