تستعد المعمورة بعد ساعات قليلة لتطفئ شمعة عام سيرحل بكل أفراحه وأحزانه لتشعل شمعة عام جديد، يحمل الكثير من الأماني والأحلام المؤجلة التي تنتظر ضربة حظ وإشراقة شمس قدر كان عبوسا أحيانا ومتجهما أحيانا أخرى، وإن بات مألوفا، كما يقتضيه التقليد، أن الغربيين يستقبلونه، باحتفالات صاخبة تكون الشجرة عروسها، فان بعض الجزائريين، أصبحوا ينافسونهم في ذلك وبامتياز، يدفعون وبسخاء الملايين وحتى الملايير في ليلة واحدة، فقط لأنها ماركة مستوردة من ما وراء البحر وليلة كل شيء فيها مباح، لدى بعض الجزائريين الذين لا يرضون إلا بالملاهي الليلية والشقق المغلقة والفنادق المرصعة بالنجوم ولمن له المال الوفير، سيحط الرحال بإحدى عواصم العالم التي تضيع فيها كل التفاصيل. أول محرم بضع كلام...و«الريفيون» كل الكلام قبل أيام ليست بالكثيرة احتفل الجزائريون على غرار باقي مسلمي المعمورة، برأس السنة الهجرية، كعيد ديني ويوم عطلة مدفوع الأجر، لكنه مر عند الكثيرين مرور الكرام وما كان ليثير كل هذا الصخب واللغط، فوجبة عشاء تقليدية مميزة كطبق "الشخشوشة" أو "الكسكسى"، تفي بالغرض، لكن حالة التأهب، التي يعيشها الكثير من الجزائريين منذ أيام، والذين بدأوا يحجون ومنذ أيام تباعا، فرادى وجماعات، إلى بعض العواصم، خاصة إلى الشقيقة والجارة تونس، التي تضمن أجواؤها، المتعة وتصنع الفرجة، كما عودت الجزائريين دائما في مختلف المناسبات، تستحق فعلا وقفة تأمل، فكل أحاديث الجزائريين، حتى من لا يؤمنون بالاحتفال بهذا «الدخيل عنا والغريب عن تقاليدنا»، تتقاطع حول موضوع واحد، فلا سؤال يشغلهم، إلا الحديث عن الاحتفال بليلة رأس السنة وكأن أمر الاحتفال به محسوم، يبقى الأشكال فقط في مكان تمضية السهرة. هوس كبير، أصاب الكثير من الجزائريين حيال كل ما هو آت من بعيد، ليبلغ أوجه مع «سان فالونتان» و«الريفيون»، هذه الليلة المثيرة التي تجافي فيها عيونهم النوم، فلا بد من استقباله بما يليق بمقامه، حتى يرضى ويمنح الهبات والعطايا، لذا لا يتوانون في دفع الملايين، قد تكون زكاة رفضوا إخراجها بعاشوراء، فهم يبحثون عن المتعة وكفى ويتلذذون بقشور الحضارة الغربية ويتفاخرون بداء التقليد الأعمى الذي ألم بهم، حتى وإن كان «بابا نوال» لن يزور مداخن شققهم وفيلاتهم التي لا تتوفر على مداخن حطب يرمى بها هداياه للأطفال أخر هذه الليلة، فتحت عنوان كبير يشد الأبصار، يسمى «ريفيون» وبعناوين فرعية هي الأخرى، ساحرة ومثيرة جدا، تشد الألباب وتثير الفضول الجامح، يتهافتون وبكل إصرار، على ليلة هي عند الكثير منهم، خير من ألف ليلة وليلة، كيف لا والعشاء بها، سيكون فاخر جدا وبأفخم الفنادق، على وقع الموسيقى الصاخبة التي تثير الجنون، ليوقد نشوتها أكثر، احتساء جرعات من الخمر، التي تذهب العقول، لتزيدها المرأة، التي يصنع حضورها دوما الفارق وتكون في الغالب الصديقة أو الحبيبة أو حتى العشيقة، جنون الليلة أكثر، ليلة تعبث بالكثيرين، ومن الجنسين مراهقين كانوا أو شبانا، ناضجين أو حتى كهول وشيوخ، يرفضون مجاراة سنهم والأدهى أنهم لا يبالون مطلقا بالتصريح علنا كيف قضوا رأس السنة الماضية وكيف يعتزمون الاحتفال هذه السنة، رغم الصورة النمطية التي يحملها الكل عن طقوس الاحتفال وماذا يحدث وراء تلك الأسوار وحتى حجم الأموال التي تصرف، فالاحتفال أصبح من التحضر ومجاراة المدنية، التي لم تعد تتقبل قصور الفكر أو تزمته، وبهذا المنطق يصر بعض الجزائريين على الاحتفال ما دام كل ما في الأمر ترويح عن النفس ولا حرج أبدا في الأمر، مادام البعض يسهر في البيت والغريب في الأمر، أنه حتى الولايات المحافظة مستها العدوى وبشكل كبير جدا، فأصبحت هي الأخرى تحضر، لاستقبال العام الجديد ولو بالسهرات العائلية والتمتع، بالبرامج الخاصة التي تفردها الفضائيات والتي غالبا ما يكون المميز فيها الحفلات التي ينشطها أشهر نجوم الفن وحتى أحدث الأفلام والمسلسلات والأهم على الإطلاق برامج قراءة الحظ التي يتسابق فيه كبار المنجمين لقراءة الطالع، والكثير من الجزائريين عيونهم تشد بقوة إلى القنوات اللبنانية، وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فالكثير من المراهقين الذين أفسدت المخدرات عقولهم وفعلت الخمرة بهم فعلتها، يحتفلون بجنون مبالغ فيه وتجعلهم يفسدون، حتى احتفالات بعض العائلات، التي تريد تغيير الأجواء والترويح عن النفس، بالخروج للسهر، فتصرفاتهم غير المحسوبة مطلقاّّّّّّّّّّّ، كثيرا ما أدت إلى مشاكل على درجة كبيرة من الخطورة. الملايير تهدر في الملاهي والفنادق الفخمة هي أكثر المناطق التي تستقطب الجزائريين، للاحتفال برأس السنة الميلادية، فلكل مكان أناسه، يتناسب وقناعاتهم في الحياة وما يمكن أن يوفر لهم من أجواء كيفما أرادوا، فوحده قانون المال يتكلم و حتى الحفلات لم تعد ،أبدا خارج قاموس المناطق الصحراوية التي تضم الكثير من ولاياتها، أقطاب الصناعة البترولية، حيث المال الوفير والأجواء الساحرة والطبيعة الخلابة والمناظر، التي لا تتكرر كثيرا، فالطبيعة العذراء ببسكرة، ورقلة، تستهوي حتى الأجانب الذين يصرون على قضاء الليلة با"الاسكرام" بتمنراست أو حتى ب"تيميمون"، التي تجري التحضيرات بها على قدم وساق، لمهرجان خاص بإحياء العام الجديد، ومن المتوقع أن يكون فيها الحضور الأجنبي الذي يتنفس جمال الطبيعة غير المستهلكة، طاغيا جدا، ولا تهمهم حتى التكاليف الباهظة، التي تجعل الجزائريين، يفضلون قضاء الليلة بوجهات أخرى والسفر إلى مكان يضمن لهم المتعة ،التي باتت مقرونة بالسهرات الماجنة ،التي تسقط فيها الخطوط الحمراء و لا تتكلم فيها إلا الأهواء و الغريب أن العنصر المثقف ،خاصة من الطلبة و الطالبات الجامعيات لا فت للنظر ،فرغم تواجدهم في عطلة و كما جرت عليه العادة ،خلال السنوات الماضية ،فالبرنامج جاهز و العد التنازلي قد بدأ والاحتفال سيكون بسخاء و تأتي الولايات الكبرى ،كالعاصمة ،وهران ، قسنطينة ، على رأس الولايات، التي تستقطب أصحاب المناطق الداخلية، التي لا تسمح الطبيعة المحافظة للكثير منها، بذات الأجواء، خاصة وأن موضة، اصطحاب العشيقة للاحتفال، صارت السمة المميزة في هذه الليلة عند الكثيرين، الذين يهربون من نظرات التلصص، التي يرمقها بهم المجتمع، الذي يستهجن ما يقدمون عليه، فيلجأون إلى كراء الشقق والفيلات، بالمقابل يحبذ المراهقون والمراهقات، خاصة الطلبة الجامعيين، صخب الملاهي والعلب الليلية، خاصة مع ما تقدمة من برامج فنية ومطربين، أما من يهربون من الضجيج الصاخب ويحبذون أجواء أقل إثارة وأموالهم تيسر لهم كل صعب، فإنهم يجدون ما يطلبون بالفنادق الضخمة وكل ما يكون عدد النجوم أكبر، كلما كانت المتعة أكثر وحتى المطاعم الفخمة وقاعات الاحتفال التي يحاول بعضها، أن يلبسها حلة العائلية لها نصيب، فرغم كلفتها فهي تستقطب الكثيرين، فثمن الطاولة وحدها ببعض المطاعم والقاعات وحتى الفنادق تتجاوز مثلا بالعاصمة مثلا 3 مليون سنتيم، ضف إلى ذلك ثمن الخمور التي يطلبونها بعد العشاء وأن كان مبرمج تمضية الليلة، فالثمن يتضاعف، أسعار من نار، لا تقتصر فقط على المناطق الكبرى أو عاصمة البلاد، بل نارها امتدت حتى الولايات الداخلية، فثمن الطاولة، العام الماضي، ببجاية التي تسابق الزمن، لاحتضان الكثير من الحفلات، لا يقل عن 15 مليون سنتيم، لكن تبقى بالعاصمة، التي تضم أكبر الفنادق وأفخمها ،كفندق "الشيراتون" و"السفير مازافرون" ،"الهلتون"، أهم العناوين، التي يقصدها العاصميون، ففي حين يفضل الكثير من المسؤولين، ممن أنعم الله عليهم بالمال الوفير، اقتطاع تأشيرة السفر إلى خارج الحدود، حيث نالت تونس هذا العام نصيب الأسد من عدد الحجوزات بمختلف وكالات السفر والسياحة، بغض النظر عن الكثير، الذي يفضل الذهاب برا، بإمكانياته الفردية، خاصة القاطنين، بأقصى الشرق الجزائري والأهم، كما أكد لنا الكثير ممن يعتزمون السفر إلى المدن التونسية، أن التكلفة باهظة، لكن تبقى ومقارنة بما هو موجود بالجزائر معقولة جدا والأهم أن الكراء بتونس، التي تعيش الكثير من العائلات التونسية على مداخليه، مضمون وحتى الأجواء الاحتفالية على الطريقة الأوروبية مضمون، خاصة وأن موجة البرد الشديد التي تعيشها العديد من العواصم الأوروبية، أثنت الكثيرين عن التفكير في باريس أو غيرها من العواصم وقلة من يملك أرادة تحدي قسوة الأجواء، أيضا وكما يؤكد أصحاب بعض الوكالات السياحية، فمن الدول التي أصبحت محطة استقطاب، العاصمة التركية اسطنبول وأخواتها وحتى سوريا و لبنان. عام يشد الرحال..وآخر يطرق الأبواب يسير الزمن بلا تمهل ويصر على أ لا يتوقف وكل عام يرحل يؤذن في الناس 365 يوم من عمرنا وبدل يتوقف لحظة مع نفسه يقوم المسيرة، ما أنجز منها وماذا ينتظر، هل نهجه في الحياة صائبا أم تلبسه الكثير من القصور، هل برنامجه سوي أم أن بحياته العديد الأمور التي لا بد من مراجعة حساباتها ولا بد أن يكون رأس السنة حوصلة تتجاوز بكثير مجرد سهرات ماجنة تسقط فيها القيم وتباح فيها المحظور دون أن يكلف نفسه للوقوف مجرد السؤال، بأي حال رحلت يا عام و بأي حال ستمضي يا عام، فسنة الحياة التي لا مهرب منها أن الزمن يسير والعام يرحل بكل لحظاته السعيدة والتعيسة، بكل إنجازاته وإخفاقاته، بكل نجومه التي غيبها الموت عنا أو تلك الوجوه التي رحلت عنا لغدر أو خيانة أو لأحكام المكتوب التي لا يعلى عليها، فهي ليلة للذكرى والتذكر والاستفادة من دروس الماضي. قد يكون الجزائري معذور جدا، في كل ما يبديه من اهتمام لرأس السنة الميلادية، دون السنة الهجرية، التي وجدها تسير أيامه، فهي وإن كان هناك تقويم هجري، فللأسف مازال غير مؤسس إداريا وقلة من تحفظ حتى الأشهر الهجرية، فالكل حتى الإعلام الثقيل، التي تصنع فيه الصورة الفرجة، ضبط إيقاعه وصبغ كل برامجه، بالحديث عن "بابا نوال" وما تحمله الأبراج من تباشير العام الجديد وحتى ما يحضر من سهرات فنية، أصبح عادة اكتسبها في الكثير من الأحيان من جملة ما استورده واستهلكه دون التفكير في شيء، فالعولمة اليوم عممت مفاهيم الدول الكبرى والاحتفال برأس السنة الميلادية حتى بالطرق التي تتنافى مع المبادئ أصبحت من الضروريات.