تلعب المكتبات المتواجدة على مستوى مطارات الجزائر الدولية دور سفراء البلد لكن بصيغة أخرى، لأنها سفيرة الثقافة الجزائرية داخل الوطن، ترى بعيون زوارها على اختلاف انتماءاتهم واهتماماتهم ما تقدمه الثقافة الجزائرية، وتمثل بوابة هذه الأخيرة المفتوحة على مختلف الإبداعات الأدبية الجزائرية، فهل تسوّق مكتبات المطارات أعمال مبدعينا وكتّابنا بأبهى حلّة وبأحسن صورة، أم أنها فضاء مكتبي عادي، يضاف لسلسلة المكتبات المحاذية لكبريات شوارع المدن الجزائرية الكبيرة؟ هذه الأسئلة قادتنا إلى جولة ميدانية إلى عدد من المطارات الدولية لننفض الغبار عن رفوفها في هذا العدد الجديد من ملحق الفجر الثقافي.. كتب التاريخ والروايات باللغة الفرنسية تحتل الصدارة الجولة التي قادتنا إلى مطار هواري بومدين الدولي كشفت لنا عن غنى هذه المكتبات بكل العناوين الأدبية منها والعلمية وكذا التاريخية وغيرها من حقول الإبداع. أردنا التقرب أكثر من حيز عملها لمعرفة حجم الإقبال من طرف المسافرين على الكتب المعروضة بها وبالأخص طبيعة الكتب التي تقتنى والتي تسجل أعلى نسبة طلب، فتوجهنا إلى مكتبة البدر والعلم لأنها الوحيدة التي كان مسؤولها متواجدا بها، حيث حدثنا مسيرها عبيد دحمان الذي قال إن المكتبة اهتمت منذ بداياتها الأولى سنة 1992 بكل ما يستهوي المسافرين من داخل الوطن وخارجه في الشأن الثقافي. وبالرغم من أنها بدأت صغيرة، إلا أنها استطاعت وبفضل جهود القائمين عليها أن تتوسع لتكون فضاء يجمع عديد العناوين الأدبية والعلمية والتاريخية التي تلبي رغبات المسافرين وترضي اهتماماتهم بمجال الكتب. وبلغة الأرقام والنسب قال عبيد دحمان إن الكتب التاريخية تحتل المرتبة الأولى ضمن قائمة الكتب الأكثر طلبا على مستوى مطار الجزائر الدولي وذلك بنسبة 60٪ إلى 70٪، تليها الروايات باللغة الفرنسية بدرجة معتبرة، غير أن هذه الأخيرة تتحكم فيها الجدة، حيث يتماشى الطلب عليها مع حداثة الرواية لأن الزبائن ينشدَُون أكثر إلى الروايات الحديثة. غير أن بعض الروائيين تُستهلك رواياتهم على مدار السنة على غرار ياسمينة خضرا مثلا، آسيا جبار، مايسة باي، ليلى بوراوي، واسني الأعرج وأسماء جزائرية أخرى. وعن الشرائح التي تطلب هذا النوع من الكتب قال محدثنا إنهم ينقسمون بين الجالية الجزائرية المقيمة في المهجر والتي تهتم بمعرفة تاريخ الوطن الأم بنسبة 40 ٪، وبين الأجانب الذين يسجلون نفس النسبة لكن درجتهم انخفضت في الآونة الأخيرة بسبب تراجع زوار الجزائر، حيث تهتم هاتان الفئتان بكل ما له علاقة بالجزائر وتبحث دوما عن مؤلفات جديدة تتناول تاريخ الجزائر، وتبقى نسبة 20 ٪ لأبناء الوطن الذين يبحثون عن مستجدات الساحة الأدبية والثقافية. وأغلبية المهتمين بالكتب المتواجدة على مستوى المطار يطلبون كتبا باللغة الفرنسية وعلى رأسهم الفرنسيون. كما تصنع مقدمة ابن خلدون الانفراد على مستوى مطار الجزائر الدولي، بالإضافة إلى كتابه "الفكر السوسيولوجي لابن خلدون"، وكذا المصحف باللغة العربية، وبالقبائلية، اليابانية، الفرنسية خاصة وأن هذه الأخيرة تضم نسخة فرنسية عربية على الطريقة الشرابية، كما تعرف النسخة القبائلية طلبا هائلا من طرف الأشقاء المغاربة. وبحكم أن المكتبة تحتوى كل أنواع الكتب العلمية والتقنية منها المحاسبة التي يطلبها كثيرا أشخاص يعملون في مؤسسات مختلفة سواء زائرين للوطن أو خارجين منه إلى وجهات متعددة، إلى جانب مجموعة القوانين المتعلقة بالعمل، السوق، الإدارة، التجارة، الجمارك، المؤسسات التي يطلبها كثيرا أصحاب المؤسسات ومن يلجون الجزائر للعمل. من جهة أخرى، أشار مسؤول مكتبة البدر والعلم إلى النقص المسجل في كتيبات الجيب، حيث نادرا ما تتحصل المكتبة على هذا النوع من الكتب لأنه مستورد، رغم أن الطلب عليه كبير من طرف المسافرين، لكننا كما قال "نبذل ما بوسعنا لإرضاء مرتادي مطار هواري بومدين الدولي". مكتبة "ميديا بليس" تنعش مطار قسنطينة ثقافيا لا يختلف اثنان في كون مكتبة ميديا بليس المتواجدة داخل بهو مطار محمد بوضياف الدولي تساهم بقسط كبير في إنعاش المطار ثقافيا وإعطاء فرصة لكل زوار قسنطينة القادمين من داخل أو خارج الوطن للاطلاع على آخر مستجدات عالم الكتاب في بلادنا. فالمكتبة الوحيدة هناك تمنحك وأنت تلج المطار، فرصة مواتية للتعرف عن آخر الإصدارات، خاصة وأنها تابعة لواحدة من أنشط دور النشر في بلادنا والتي تكفلت بنشر عديد الروايات والمؤلفات لكتاب وأدباء معروفين على الساحة الوطنية والعالمية على غرار رشيد بوجدرة، ياسمينة خضرا. وقد تم خلق "فضاء أمينة" حسب مدير دار النشر ميديا بليس ياسين حناشي لتلبية رغبات المسافرين ومنحهم واجهة تحوي مختلف الكتب والمؤلفات بما فيها مؤلفات تخص قسنطينة وكتّابها المشاهير كمالك حداد، أحلام مستغانمي، كاتب ياسين وغيرهم، الفضاء يقترح إلى جانب الكتب منتوجات سمعية بصرية، ويتأسف حناشي لضيق الفضاء الذي لا يسع في الواقع مؤلفات حتى دار ميديا بليس وحدها. وقد لاحظنا أن مكتبة أمينة تعرض أيضا للمسافرين والزبائن كتيبات الجيب وكتب مميزة في الأدب والتاريخ وكتب الشباب، موضحا أن نشاط المكتبة مرتبط بعدد الرحلات والمسافرين، وأن المقروئية قلّت مقارنة بالسنوات الماضية ، فالإقبال اعتبره المتحدث متوسط وأن الكتب التاريخية وكتب الساعة وكتب الشهادات هي الأكثر طلبا من قبل المثقفين وعامة المسافرين. والملاحظ من خلال الجولة التي قادتنا إلى فضاء أمينة هو توفر وبنوعية كتب ياسمينة خضرا، آسيا جبار، أحلام مستغانمي، محمد ديب، مالك حداد، كاتب ياسين ومولود فرعون إلى جانب كتب أجانب كأمين معلوف، نجيب محفوظ، علاء الأسواني، باولوكويلو. واستنادا دوما إلى مدير ميديا بليس، فإن قلة الحرية أثرت بشكل ملحوظ في المبيعات وأن فضاء أمينة يشتغل 3 أيام فقط من 7 وباقي أيم الأسبوع بطالة، نشير فقط إلى أن دار ميديا بليس نجحت في بيع بالتوقيع لأشهر الأدباء الجزائريين والأجانب طيلة عشرين سنة نذكر منهم رشيد بوجدرة، أمين الزاوي، ياسمينة خضرا، مارك كوت، عز الدين ميهوبي زهور ونيسي وغيرهم. غياب الكتاب عن مطار سطيف الدولي يطرح الكثير من التساؤلات يلاحظ مرتاد مطار 8 ماي بسطيف الدولي خلوه تماما من الكتاب، فلا تجد محلا أو مكتبة تبيع الكتاب سوى كشك صغير يبيع الجرائد وبعض المجلات السياحية وكتيبات الكلمات المتقاطعة والسهمية. وبهدف معرفة أسباب عدم توفر الكتب اقتربت "الفجر" من بعض المسافرين وبحثت عن سبب هذا المشكل. حسب الأستاذ سمير بونادي، مهتم بالمطالعة ومنظم معارض للكتب، الذي التقيناه ببهو المطار، فإن مسؤولية عدم توفر الكتاب ببهو مطار سطيف تعود بالدرجة الأولى للمؤسسة المسيرة للمطار، حيث من الواجب عليها تدعيم المطار بمكتبة تعجّ رفوفها بمختلف أنواع الكتب الدينية الثقافية السياسية، مما يحتاجه القارئ الجزائري بصفة عامة والمسافر بصفة خاصة أثناء سفره وتنقلاته. كما يجب أن تكون أسعار هذه الكتب مدعمة و في متناول الجميع، حيث لا يعقل أن يكون ثمنها مرتفعا، وهو ما يؤدي حتما إلى عزوف المسافر عن اقتنائها. وأضاف محدثنا أن هذا المشكل أدى إلى اعتماد أغلب المسافرين على كتاب الحقيبة أي الكتاب الذي يحمله مع أغراضه دون أن يفكر المسافر الجزائري في اقتناء كتاب من المطار. من جهة أخرى أكد لنا شاب التقيناه بالمطار أن فكرة شراء المسافر لكتاب من المطار فكرة مستبعدة وغير منطقية، بسبب أثمانها الباهظة، فالمسافر لا يشتري حتى الجريدة بسبب ارتفاع سعرها بالمطار الذي يصل إلى 30 دج جزائري ببهو المطار، فكيف يمكنه أن يقتني كتابا بأثمان مضاعفة للمكتبة بوسط المدينة، خاصة إذا علمنا أن هناك عزوفا كبيرا من قبل القراء عن قراءة الكتب في وقتنا الراهن أصلا، فكيف يمكن شراؤها من المطار!!!. أحد المسؤولين أكد أن المشكل يعود بالدرجة الأولى إلى غياب ثقافة المقروئية عن مثل هذه الأماكن، فكيف يمكن اقتناء كمية من الكتب تكلف أثمان باهظة وتبقى حبيسة رفوف المكتب، كما أنه لم يتم تسجيل أي طلبات على الكتب فأغلب المسافرين يشترون الجرائد أو كتب التسلية فقط. مطار السانية.. ياسمينة خضرا ومايسة باي وفقط في مطار وهران المكتبات مختلفة نوعا ما عمّا نعرفه، جميلة، ومرتبة، رفوف الكتب إلى جانب العطور وأنواع الشكولاطة الفاخرة وكذا السجائر.. لكن الكتب مطلوبة هنا.. كما يؤكد ذلك القائم على مكتبة مطار السانية "هناك طلب كبير على الكتب، لا سيما الروايات الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية، وكذا المذكرات الجزائرية.. هي موضة كبيرة تعرف رواجا بين أوساط الغتربين، ما عدا ذلك لا مكان للغة العربية، لا أحد يطلب منا ذلك، لذا في الغالب ما تكون رواية لمايسة باي أو ياسمينة خضرا محل اهتمام". وعليه واقع الكتاب في مطار السانية محدود جدا، ولا يشكّل استثناء.. لكن ربما المشكل يكون في العرض.. سألنا القائم بأعمال المكتبة عمّا إذا كان قد استقدم كتبا باللغة العربية فكان جوابه:" لا.. لن أفعل.. أنا أعرف جيدا زبائني".