استوقفني في صحيفة Le Canard Enchaîné الفرنسية في العدد الصادر الأربعاء 11 جانفي 2012 خبر عن الأزمة التي تتفاقم في الخليج العربي في سياق سيرورة نحو حرب "يعتقد الكثيرون في الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل وحتى في السعودية أيضا أنه لا مفر منها في نهاية المطاف". استندت الصحيفة للدلالة على خطورة الوضع إلى حركة الجيوش التي تتزاحم في مياه الخليج. فما أن يُنهي الإيرانيون مناورة عسكرية حتى يبدأوا مناورة أخرى. وليس هياج الأميركيين أدنى مستوى. الأجياف تجذب الضباع، بالإضافة إلى قواعدهم العسكرية الثلاث في البحرين استقدموا حاملة طائرات تُسير بالطاقة الذرية. ولكن الجديد في هذه المسألة هو قرار اتخذه الرئيس الأميركي يقضي بإرسال تسعة آلاف جندي إلى إسرائيل وعدد من الطائرات العسكرية الحديثة لترابط في قواعدها العسكرية. وجاء في الصحيفة المذكورة أيضا أنها حصلت على معلومات تفيد بأن هذه القوات الأميركية ستبقى في إسرائيل حوالي السنة، وأنها ستشارك إلى جانب القوات الإسرائيلية وقوات بريطانية في تدريبات ومناورات تتخللها عمليات دفاع ضد هجمات صاروخية. وفي مقابل المعدات الأمريكية العسكرية الحديثة التي ستوضع في الموانئ والمواقع الإسرائيلية، أعلن الأمريكيون، كما تقول الصحيفة، أن السعوديين والإماراتيين والكويتيين سوف يشترون كميات كبيرة من الطائرات والصواريخ الأمريكية، لكن من أنواع قديمة نسبيا لمواجهة الخطر الإيراني المحتمل. ليس من حاجة هنا للبسط والتوسع في موضوع أسباب نشوء الأزمة بين إيران من ناحية والولاياتالمتحدةالأمريكية ومن تمثلهم من ناحية ثانية؛ إذ المطلوب هو استبدال نظام الحكم في إيران بنظام "يُطبع" العلاقات بإسرائيل وبدول الغرب ، أي أن يعيد هذه العلاقات إلى ما كانت عليه في عهد الشاه. وما يؤكد ذلك هو توافق غالبية المعنيين بمراقبة الأوضاع في المنطقة العربية، على أن الإسرائيليين يمارسون ضغوطا متزايدة على حلفائهم لجرهم إلى الحرب ضد إيران، انطلاقا من اعتبار النهج الذي يسلكه نظامها الحالي خطر على إسرائيل وعائق أمام تنفيذ خطوات جديدة من مشروعها الاستعماري في فلسطين وجوارها. ويأخذك العجب، كل العجب، حين تلاحظ أن السياسة التي تتبعها نظم الحكم في مملكات وإمارات الجزيرة العربية لم تتغير منذ سنة 1916 تاريخ "الثورة" التي أعلنها شريف مكة على العثمانيين بطلب من البريطانيين، أي أنها على الدوام تصب في صالح المستعمرين الغربيين وضد مصالح العرب. لقد حاربوا الناصرية بكل ما أوتوا من مال ودهاء فاستخدموا الدين لاعتراض المشروع القومي العربي، بما هو من وجهة نظرهم نقيض لوحدة المسلمين. وما أن انتصرت الثورة في إيران على نظام الشاه حتى راحوا يهولون على الناس بخطر الفرس، ثم انتقلوا من التهويل إلى الحرب الطاحنة التي استبيحت أثناءها القيم والمبادئ والشرائع. فظهرت العصبية بملبس المذهبية والطائفية وصار كل فريق يزعم أنه أمين حصري على رسالة محمد بن عبد الله، بعكس خصومه السياسيين الذين ارتدوا وكفروا من وجه نظره. ولأعد عودي من بعد إلى موضوع ربيع العرب الذي أخرج الثوار من ميادينه وحل مكانهم كما بات بينا، جماعات وثيقة الصلة بأمراء الخليج، فانحسرت مساحته ولم يبق منها إلا البقعة السورية؛ إذ من المرجح أن متاعب السوريين في الحاضر ناتجة عن وجود حلف دفاعي يضم نظام الحكم السوري وإيران والمقاومة التي يقودها حزب الله اللبناني أكثر مما هي نتيجة حرص المعارضات الداخلية والخارجية السورية على محاربة الاستبداد والفساد. وأغلب الظن أنه لو كان الأمر غير ذلك لما سارع أمراء الخليج إلى تقديم الإعانة لهذه المعارضات ولما احتضنتها حكومات دول كالولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا وتركيا. ينبني عليه أن لهذه الدول مصلحة في ربيع العرب تتمثل في كسر التحالف الذي يربط بين إيران وسورية من جهة بالإضافة إلى خلق زعامة عربية خليجية يتوحد العرب خلفها تعمل على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة مع إسرائيل وحكومات الغرب. من البديهي أن هذا من شأنه أن يُضعف إيران وأن يزيد من فعالية الحصار المضروب من حولها فيسهل إسقاط نظام الحكم أو احتلالها بشكل مباشر. ولكن أين البراهين على أن هيمنة اسرائيل والولاياتالمتحدة الأميركية سوف تجلب النعيم على العرب و"ترفع من شأن المسلمين"، كما ظن الشريف حسين سنة 1916 والسعوديون من بعده أن من شروط الثورة وجود إرادة وطنية مستقلة وبصيرة جمعية تميز الأصدقاء والحلفاء من الأعداء . خليل قانصو فرنسا