شكل التصعيد الغربي الذي تقوده الولاياتالمتحدة في فرض عقوبات متتالية على إيران، بسبب ملفها النووي، ورد طهران بتهديدات بغلق مضيق هرمز الاستراتيجي في وجه الملاحة، والذي أتبعته بمناورات عسكرية واسعة في المضيق، عنوانا لفصل جديد من العلاقات المتردية بين طهرانوواشنطن، جعل المتابعين للملف يضعون أكثر من سؤال حول المنحى الذي سيأخذه هذا التصعيد في المواقف، هل يتجه نحو حرب حقيقية، أم أنه مجرد حرب افتراضية دافعها التغيرات التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط؟ حرب باردة أمريكية إيرانية والانتقال من القوة اللينة إلى الذكية طهرانوواشنطن ولعبة عض الأصابع بمعادلات متعددة تعكس العلاقات الأمريكيةالإيرانية المقاربة التي سادت في الجاهلية وتبناها الأمريكيون لما يعرف ب''عض الأصابع''، أي التسبب في أكبر قدر من الألم للطرف الآخر. والفائز فيها هو من يصمد لفترة أطول. في سياق صراع إرادات من يتألم فيها الأول هو الذي سيتراجع، فالسجال الأمريكي الإيراني من الصعب تحويله إلى مواجهة مباشرة لقناعة الطرفين بأنها ستكون مكلفة وبآثار مدمرة. لذا، فإن التوجه الأمريكي يميل إلى تبني نظريات القوة اللينة والذكية بدل خيار القوة الصلبة التي فرضت على العراق. ويدرك صانع القرار الأمريكي أن خطوط التماس والمواجهة بين طهرانوواشنطن متعددة، وأن الدخول في مواجهة مباشرة، بعد تجربة الحرب في العراق وأفغانستان، ستكون نتائجها صعبة التوقع، لأن معطيات الملف الإيراني مختلفة. فقد أجهزت واشنطن على النظام العراقي بعد إنهاكه لسنوات من خلال ''الاحتواء المزدوج'' وما يعرف بمبدأ السيادة المحدودة لبريجنسكي، والتي سمحت للولايات المتحدة بإقامة مناطق عازلة وحظر للطيران بالجنوب والشمال، واختراق مخابراتي ودعم للمعارضة الشيعية ''المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة''، وتوظيف التناقضات الداخلية، ونزع السلاح العراقي الاستراتيجي، وهو ما سمح بكسب الحرب على العراق واحتلال بغداد. ولكن الولاياتالمتحدة خسرت فيما بعد حربها الثانية ''اللامتوازية'' غير التقليدية، التي ساهمت فيها إيران بطريقة غير مباشرة. ونفس الأمر ينطبق على أفغانستان التي لعبت فيها إيران دورا في إسقاط نظام طالبان ''السني''. ويدرك صانع القرار الأمريكي اختلاف الحالة الإيرانية. فإلى جانب التجانس المذهبي والديني ''أغلبية شيعية''، فإن إيران قوة بشرية معتبرة ''قرابة 80 مليون نسمة''، وقوة عسكرية صاعدة بقدرات بحث تكنولوجية متنامية، كشفت عنها حادثة استرجاع الطائرة دون طيار الأمريكية، والشروع في الدخول في تصنيع عسكري على نطاق واسع، والتحكم بصورة كبيرة في التكنولوجيا النووية التي يمكن أن تتيح في ظرف قصير ''ما بين سنتين أو ثلاث سنوات'' الحسم في البرنامج النووي نهائيا، رغم تبني طهران سياسة ''الضبابية النووية'' على غرار إسرائيل. وتعمل إيران، بالمقابل، على تفادي الاحتكاك المباشر وتعتمد على المواجهة بالوكالة ''حزب الله في لبنان'' لتوجيه رسائل إلى إسرائيل والتحالف مع سوريا والتأثير على مسارات في البحرين، كرسالة لدول الخليج، والتلويح بالسلاح النفطي. كما أن إيران تعتبر ثاني أكبر دولة منتجة للبترول بعد السعودية بحوالي 4 ملايين برميل يوميا. كل ذلك يجعل الحرب بين واشنطنوطهران باردة، ويجعل البيت الأبيض يميل إلى خيارات تبناها كلينتون عبر ''القوة اللينة''. وانطلاقا من أهمية الفترة المقبلة مع اقتراب الانتخابات التمهيدية في الولاياتالمتحدة، فإنه من الصعب على صانع القرار الخوض في نزاع من الحجم الكبير وبتكاليف مرتفعة في عز الأزمة وبنتائج غير مضمونة. لذا، أضحى مفهوم القوة الذكية الأقرب للتطبيق أمريكيا، حيث ستتم مواصلة سياسات الحصار الاقتصادي وتشديده، مع عدم استبعاد استعراضات للقوة، كما كشفت عنه ''راند كوربوريشن'' القريبة من كتابة الدفاع الأمريكية حول التمارين العسكرية الأمريكية الإسرائيلية، ردا على المناورات الإيرانية وتهديد إيران بغلق مضيق هرمز، في وقت كشفت ''راند'' عن دراسة بعنوان ''إيران وإسرائيل والمنافسة الخطيرة''، حول فتح الولاياتالمتحدة قنوات اتصال غير رسمية بين تل أبيب وطهران لتفادي أي صدام على خلفية النووي الإيراني. الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني محمد صادق الحسيني ل''الخبر'' ''أمريكا غير قادرة على دخول حرب جديدة في الخليج حاليا'' قال الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني، محمد صادق الحسيني، ل''الخبر''، إن الولاياتالمتحدةالأمريكية غير قادرة على دخول حرب جديدة في الخليج إلا بعد سنوات طويلة، معتبرا أن ما يحدث من تصعيد بين طهران والغرب ما هو إلا ''حرب دلافين''، تتميز بتصريحات عالية النبرة بهدف تحسين ظروف التفاوض في الجولة القادمة بإسطنبول. أمريكا والاتحاد الأوروبي أكدا إصرارهما على تنفيذ العقوبات على صادرات النفط الإيراني، فهل طهران جادة في غلق مضيق هرمز؟ الهدف من هذه المناورات والتهديدات ليس إعلان الحرب على الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإنما نستعمل سياسة الجغرافيا الدفاعية، لأننا نعتبر أن منطقة الخليج يجب أن تخضع لسياسة دفاعية تتفق عليها دول المنطقة. ولكن الوجود الأمريكي في مياه الخليج (العربي) غير مشروع. وكما خرجت الجيوش الأمريكية من العراق فستخرج من الخليج، وإيران لن تسمح مستقبلا بدخول أي قطعة حربية أمريكية إلى الخليج. أمريكا تتحدث عن خطط عسكرية للتعامل مع إيران إذا ما أغلقت مضيق هرمز، وتنفيذ إيران تهديداتها قد يؤدي إلى اندلاع حرب خليج رابعة في المنطقة؟ إيران تستطيع منع أي بارجة أمريكية من دخول الخليج، ولكني لا أعتقد أن هذا الأمر سيؤدي إلى حرب، وإنما ما يحدث حاليا هو حرب دلافين تهدف إلى تحسين ظروف التفاوض مع الطرف الآخر، لأنه ولا طرف يرغب في وقوع الحرب، لا واشنطن ولا طهران، كل ما هنالك تصريحات عالية النبرة، ووزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو زار طهران كموفد لواشنطن والاتحاد الأوروبي لاستضافة المفاوضات بين طهران ومجموعة الخمسة زائد واحد. محللون استراتيجيون يؤكدون أن إيران لا يمكنها أن تغلق مضيق هرمز لفترة طويلة، فما هي قدرة إيران على تحمل التبعات السياسية لقرار كهذا؟ إيران سبق أن أغلقت هذا المضيق لمدة 10 أيام خلال المناورات كتجربة، وبالتالي يمكنها أن تغلقه لفترات طويلة. ونعتقد أن إيران لديها القدرة على تحمل مثل هذه القرارات، لأن إغلاق مضيق هرمز سيعود بالضرر على الطرفين الغربي والإيراني. أمريكا دمرت 60 بالمئة من القطع البحرية الإيرانية عندما حاولت طهران غلق مضيق هرمز في 1986، فهل لدى طهران اليوم القدرة على تجنب ذلك ؟ لست متأكدا إن كانت أمريكا أغرقت فعلا 60 بالمئة من القطع البحرية الإيرانية، ولكن أود أن أشير أن إيران اليوم ليست إيران في منتصف الثمانينات حينما حدثت تلك المواجهة، فحينها لم يكن لدينا غواصات ولا زوارق حربية سريعة ولا رادارات وتجهيزات إلكترونية مثل تلك التي تمكنا من خلالها من تعطيل الشبكة الإلكترونية لبارجة أمريكية، وإسقاط طائرة بدون طيار أمريكية من أكثر الأنواع تطورا، وتمكنت إيران من إرسال طائرة بدون طيار وتصوير بارجة أمريكية بالكامل، فإيران وإن لم تكن أقوى من أمريكا إلا أنها تستطيع رد الإيذاء بشكل شديد جدا، لها ولمن يخدمها من دول المنطقة، لذلك لا أعتقد أن الأمريكيين قادرون على شن حرب على إيران إلا بعد سنوات طويلة. حاوره مصطفى دالع مستشار الكونغرس الأمريكي لشؤون الإرهاب، وليد فارس، ل''الخبر'' ''إيران لن تدخل في مواجهة مباشرة وإنما ستحرك مجموعاتها في المنطقة'' الملف النووي والتمدد الإيراني في الخليج العربي يقلق واشنطن قال مستشار الكونغرس الأمريكي لشؤون الإرهاب، الدكتور وليد فارس، في اتصال هاتفي من واشنطن، ردا على أسئلة ''الخبر'' حول حقيقة التهديدات الإيرانية بغلق مضيق هرمز، إنه ''من منظور الأمن القومي الأمريكي، فإن أي تهديد يأتي من إيران يؤخذ بجدية، لأن البلدين في حالة صدام''، مضيفا بأن ''واشنطن لديها عدة أسباب لأخذ الأمر بجدية، أبرزها الملف النووي الإيراني الذي يحقق تقدما دون أن تتمكن الإدارة الأمريكية من توقيفه، أما السبب الآخر فهو التمدد الإيراني في كل من العراق والسعودية والبحرين واليمن، وأيضا التواصل الإيراني السوري وعبر سوريا مع ''حزب الله''، إلى جانب إمكانية وجود عمل استخباراتي إيران في كل من الإمارات والكويت، ولكن بشكل غير لافت''. ويرى المتحدث في تحليله أن ''طهران تسعى للضغط أكثر من خلال مناوراتها الأخيرة بغلق مضيق هرمز، حتى تتوقف واشنطن عن التصعيد في ملف العقوبات الاقتصادية ''. واصفا التهديدات بإغلاق مضيق هرمز بأنها ''ضربة معنوية كبيرة''. وواصل الدكتور فارس''إذا قامت وحدات بحرية إيرانية بالاعتداء على سفن تجارية أو عسكرية، فهذا سيفتح باب المواجهة الحربية مع البحرية الغربية ''. ويعتقد المحلل أن ''طهران من خلال مناوراتها البحرية إنما تريد الاقتراب والتصعيد دون وقوع اشتباك مسلح ، وهي هنا تضغط كذلك على الشركات النفطية العالمية التي تستخدم المضيق للعبور''. وسألت ''الخبر'' مستشار الكونغرس عن حقيقة القوة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، فأوضح أن ''هناك تحليلات تقول إن الإيرانيين لن يلجأوا للمواجهة المباشرة، وإنما سيلجأون إلى مجموعات تابعة لهم في المنطقة، وهي مجموعات متواجدة في شرق المملكة السعودية، و احتمال وجودها في البحرين، وبعض التواجد في الإمارات والكويت، ولكنه هنا تواجد استخباراتي، بالإضافة إلى تواجد معتبر بالعراق، وحضور آخر في شمال اليمن لدى الحوثيين''. القوات المسلحة الإيرانية تصنف القوات المسلحة الإيرانية ضمن أكبر الجيوش في منطقة الشرق الأوسط، وتنقسم إلى الجيش النظامي الموروث عن نظام الشاه وحراس الثورة الذي يتمتع بتسليح أفضل وأحدث ويعتبر صفوة الجيش الإيراني في زمن الثورة الإسلامية. ويقارب قوام الجيش الإيراني 780 ألف رجل، أي أنه يفوق تعداد الجيشين الفرنسي والبريطاني، منهم حوالي 580 ألف في القوات البرية مجهزين ب1600 مدرعة و53 ألف رجل في القوات الجوية مدعمين ب300 طائرة قتالية روسية وصينية الصنع، وقوات بحرية تعدادها 25 ألف رجل مجهزة ب3 غواصات إضافة إلى بوارج. وتم تشكيل قوات دفاع جوي مستقل مدعم بأنظمة صواريخ حديثة أرض جو، كما تحوز إيران أنظمة صواريخ أرض أرض ''سكود'' واستراتيجية بعيدة المدى كورية ''بي أم ,''25 يصل مداها 4000 كلم. كما يتضمن الجيش الإيراني قوات ''الباسدران'' قوامه 230 ألف رجل، وتم إحصاء 300 مصنع لإنتاج مختلف الأسلحة والذخيرة، وهناك تعاون مع الصين وكوريا الشمالية لإنتاج الدبابات والصواريخ والذخيرة، منها مصانع أصفهان وسيمنام. وتفوق ميزانية الدفاع 10 ملايير دولار حاليا أو ما يعادل 3 بالمائة من الناتج المحلي الخام، يضاف إلى ذلك أربعة إلى خمسة مفاعلات ومراكز بحث نووية.