قبل أسبوع من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بدأت مظاهر التحضير له بالبروز في مختلف أحياء العاصمة، غير أن سوق المفرقعات لهذه السنة تشهد إقبالا محدودا مقارنة بالسنوات الماضية. فالعاصمة التي كان دوي المفرقعات فيها يبدأ قبل أكثر من شهر من حلول هذه المناسبة، بدأ سكانها يعزفون عن هذه السلع لما تسببت به من حوادث، وكذا انتشار الوعي الديني، والتضييق الأمني على المستوردين وغلاء الأسعار. رغم نقص كمية المفرقعات والألعاب النارية في السوق الجزائرية مقارنة بما مضى، لأسباب متعددة، إلا أن شغف أطفالنا بها لم تغيره محاولات الدرك والجمارك للحد من انتشارها، فلايزال هؤلاء الأطفال متيمون بالأصناف الجديدة وشكلها وبقوة إنفجارها غير مبالين بسعرها، فقد جعلوا من “الشيطانة” و”الزربوط” و”المرڤازة” معشوقتهم التي يتباهون بها بين رفاقهم في الحي والمدرسة، فقاعات الدراسة ووسط الحشود وتحت السيارات.. تلك هي الأماكن التي يفضل الصغار رمي مفرقعاتهم فيها للتمتع بالذعر الذي تسببه، خاصة لمن يكبرهم سنا. وفي الوقت الذي يجد الأولياء أنفسهم مرغمين على الرضوخ لرغبات أبنائهم، يتساءل الجميع عن مصدرها، لاسيما مع كل تلك الأخبار والتقارير عن حجز المصالح المعنية للأطنان من تلك السلع القادمة من الصين. أما النساء فتتهافت على محلات بيع المعجنات التقليدية، على غرار الرشتة والشخشوخة، التي تعتبر أطباقا تقليدية للمناسبات بلا منازع. أسعارها الغالية وراء العزوف عنها خلال الجولة التي قمنا بها في عدد من أسواق العاصمة المشهورة ببيع المفرقعات، لم نشاهد تلك الأطنان من المفرقعات المصفوفة على طاولات الشبان، كما اعتدنا في السنوات الماضية، وذلك العدد الكبير للأطفال والشبان المتهافتين على اقتنائها بكميات كبيرة تكفيهم “لتفجير العاصمة” ليلة المولد النبوي. وفي ذات السياق، أكد لنا أغلب التجار الموسميين الذين التقينا بهم، أن الكمية المتاحة في السوق هذه السنة ضئيلة جدا، لكنهم في ذات الوقت يرون أن الطلب عليها لا يفوق الموجود، ويضيفون أن أسعارها الخيالية التي لا تقل عن 50 دج كأضعف الإيمان فترجع إلى قلة الكميات المتوفرة منها عملت كذلك على نقص إقبال الزبائن عليها. وعن سبب النقص في الكمية التي تعرفها سوق المفرقعات هذه السنة فقد أكد لنا هؤلاء الباعة أن سببها راجع للتضييق الأمني الذي تفرضه عناصر الدرك والجمارك على المستوردين باعتبارها سلعة ممنوعة، ما اضطر العديد منهم للاكتفاء بما تبقى لهم من سلعة العام الماضي. الجزائريون فقط هم من يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم بحرق ما يتجاوز 1000 مليار سنتيم في ليلة واحدة، حسب الإحصائيات الأخيرة، فالمناسبة ذات الطابع الروحاني فقدت هذا الأخير وسط ضجيج ودوي المفرقعات، لذا فإن العديد من خطباء الجمعة جعلوا من المناسبة موضوعا لحلقاتهم للتذكير بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من جهة، ولوعظ الأولياء ونهيهم عن تبذير الأموال والإضرار بصحة أولادهم من جهة أخرى. فيما حمل بعض الأئمة على عاتقهم محاربة هذه الظاهرة بطبع وتوزيع مطويات عن حكم إتيان البدع والتبذير. كثرة الحوادث التي تعرض لها الأطفال ترعب الأولياء اعتبر البروفسور خياطي، أن من أكثر الحالات المتكفل بها في السنة الماضية بالنسبة للأطفال تتمثل في حروق الأيدي، وإصابة العينين بالشظايا النارية، مشيرا إلى أن الأنواع الجديدة من المفرقعات المتميزة بالدوي المرتفع تؤثر سلبا على سمع الأطفال وتتسبب لمعظمهم بالذعر الشديد. من جهتها أكدت لنا الدكتورة مريم بهلول، أخصائية أمراض جلدية بعيادة باستور لعلاج حروق الأطفال، أن عدد الحالات التي استقبلتها في المولد النبوي للسنة الماضية تجاوزت 100 حالة، تختلف فيها درجة الحروق حسب سن الطفل ونوع المفرقعات التي استعملها، مشيرة إلى أن حجم هذه الأخيرة يؤثر على درجة الإصابة بالضرر. وفي ذات الاطار، ولدى مقابلتنا لعدد من الأولياء، خاصة الذين تضرر أطفالهم من هذه الألعاب الخطيرة، أعرب لنا معظمهم أنهم قرروا عدم المجازفة بصحة أولادهم من جديد، رافضين بذلك الرضوخ لطلبات صغارهم الذين يجهلون حجم الضرر.