ككل عام عادت حمى المفرقعات وما يصاحبها من أجواء هستيرية لتفجر يوميات الجزائري قبل أيام من الاحتفالات بليلة المولد النبوي الشريف، وعلى منوال ما شهدته البلاد في الأعوام المنقضية عرفت مختلف الشوارع الجزائرية انتشارا هائلا لتجارة الألعاب النارية والمفرقعات التي اكتسحت الأسواق العاصمية باعتبارها الدجاجة التي تبيض ذهبا في الاحتفال بمثل هذه الشعيرة الدينية والتي تنفق العائلات الجزائرية عليها الكثير من ميزانيتها مرغمة بتوجيه من أبنائها الصغار والمراهقين وحتى الفتيات. رغم أن المولد النبوي الشريف تفصلنا عنه أياما عديدة، إلا أن المتجول في شوارع الجزائر العاصمة هذه الأيام، لابد أن يصطدم بإحدى المفرقعات وقد انفجرت عند قدميه، وأن تقع عيناه على طاولات كبيرة تحوى العديد من أصناف وأشكال الألعاب النارية التي تأخذ مسميات تختلف من عام لآخر وفقا للأحداث والمستجدات الدولية والوطنية. وإذا كانت أشهر الألعاب النارية في العام الماضي حملت أسماء '' بن لادن'' ولاعب الكرة '' زيدان ''والرئيس العراقي ''صدام''، فإن ألعاب هذا العام يحمل أشهرها أسماء الشيطانة1 والشيطانة 2 التي تفوق الأولى قوة وخطورة و''تيتانيك'' و''الصاروخ'' و''النمر'' التي تحمل صورة النمر على غلافها و''زنڤة'' التي لم نستطع معرفة معنى اسمها إلا أن شكلها بدا مخيفا، ويبدو أن قوة انفجارها كبيرة ومخيفة هي الأخرى. وفى الوقت الذي يحظى الاحتفال فيه بهذه الطريقة باهتمام الكبير والصغير باعتبارها عادة قديمة ومتأصلة في المجتمع الجزائري تتعالى الأصوات ككل عام محذرة من خطورة هذه الألعاب على المواطنين خاصة فئة الأطفال التي تعتبر الخاسر الرئيسي في معارك المفرقعات التي تشهدها الأحياء الشعبية مع اقتراب موعد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ورغم المصاريف الكبيرة التي تنفقها العائلات الجزائرية والتي تتعدى الملايين وتتجاوز حدود التبذير إلا أن كل النداءات التي تطلقها مختلف الجهات للحد من هذه الظواهر التي باتت تميز المجتمع الجزائري لم تلق آذانا صاغية لدى فئة كبيرة من المواطنين الذين فضلوا هذا العام اقتناء الألعاب النارية والمفرقعات قبل الاحتفال بأيام، فلا يمكن أن يمر في نظر الكثيرين المولد النبوي الشريف دون ألعاب نارية. ''زنڤة تتدعم بحليفتها شيطانة''2 يمثل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف موسما لتشغيل الشباب العاطل عن العمل والذي يجد فيه فرصة سانحة لكسب المال، وتشهد على ذلك ميادين الجزائر العاصمة وأسواقها المكتظة على بعد أيام من المولد النبوي الشريف بمئات الشباب الذين يفترشون الأرصفة لبيع وترويج هذه الألعاب النارية، وتعتبر ''الشيطانة 2 أكبر المفرقعات مبيعا ورواجا على أساس أنها تحدث أكبر دوي عند انفجارها في الهواء مخلفة ألوانا متناثرة تتطاير هنا وهناك ويتراوح ثمنها بين 300 إلى 600 دينار جزائري، وهي نسخة معدلة من شيطانة1التي دخلت سباق المنافسة العام الماضي منافسة بذلك زنڤة التي تلقى هي الأخرى رواجا هائلا بين الشباب. أما ''تيتانيك'' ''والصاروخ'' والبركان فهي تتمتع أيضا بقوة انفجار هائلة إلا إنهما أقل في مساحة الانتشار الضوئي في السماء لدى إطلاقهما عن '' الشيطانة''2 أو الزنڤة وتتراوح أثمانها بين 300الى 750 دينارجزائري للواحدة، أما اقل الألعاب النارية ثمنا فلا تنزل عن50 دينارا للعلبة الواحدة. وتلقى هذه الألعاب حسب الباعة رواجا كبيرا وسط الشباب الذين لا يوقف ارتفاع أثمانها رغبتهم في إشعال اكبر عدد من هذه المفرقعات التي بدأ يملأ دويها الشوارع قبل أيام عن موعد المولد النبوي الشريف، وقد ركز المستوردون للعب على ميولات الشباب حيث يعمد هؤلاء الباعة على فرض شروطهم على صانعي المفرقعات في الصين من خلال إجبارهم على إطلاق أسماء بعض الشخصيات والفرق الرياضية المفضلة لدى الشباب بغرض زيادة نسبة المبيعات، على غرار تسمية بعض المفرقعات باسم المولودية أو الشناوة أو الكواسر وغيرها من الألقاب المتداولة في الشارع الجزائري. ووفقا لتقديرات المواطنين والتجار فإن قيمة المفرقعات المتداولة في السوق الجزائرية حاليا تفوق الملايير على الرغم من وجود قانون يمنع استيراد وتداول هذه ألألعاب. وتتسبب هذه الطريقة من الاحتفال سنويا في وقوع ضحايا ونشوب العديد من الحرائق، وعلى الرغم من التحذيرات المتتالية من كافة الجهات الرسمية بالدولة من استخدام هذه المفرقعات إلا أن ذلك لم يحد أبدا من انتشار هذه الظاهرة وتوسعها ولا يقتصر الاحتفال بالمولد النبوي بإطلاق المفرقعات على الأحياء الشعبية فقط بل يشمل أيضا كافة الأحياء الراقية التي تضاء سماؤها بأشكال وأنواع أخرى مستوردة مرتفعة الثمن وبديعة الشكل. ''ملايين تحرق من أجل المتعة والفرجة'' تنفق العديد من العائلات أموالا كبيرة في سبيل إرضاء أبنائها الذين يرغبون في تفجير أكبر عدد ممكن من هذه الألعاب وأكثرها إثارة وقوة وخطورة. يقول بلال أحد الباعة الذين ينصبون طاولاتهم في ساحة الشهداء بالعاصمة ''إن العديد من المواطنين يقصدون الطاولات ويبدؤون في اختيار الألعاب النارية والمفرقعات غير مبالين بثمنها ولا بما قد تشكله من خطورة عليهم، ففي كل مرة وكل عام يزيد عدد الراغبين في شراء الألعاب النارية عن العام الذي يسبقه وهذه السنة قررنا بدء عملية البيع قبل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بأيام عديدة لنوسع من دائرة المشترين، خاصة وأن الكثير منهم يشترون الألعاب بغرض التسلية ثم يعيدون الكرة عند اقتراب المولد النبوي''. ويضيف بلال قائلا إن الجزائريين لا يمكنهم التفرج على البضاعة فقط فرغم ارتفاع أثمان العديد منها والذي قد يصل الى أكثر من 1000دج للواحدة، فقد تشتري عائلة واحدة ما قيمته 3 ملايين سنتيم، فالجزائريون لا يبالون بصرف مبالغ كبيرة من أجل المتعة والفرجة التي لا يمكنها أن تحدث دون إشعال المفرقعات والألعاب النارية المختلفة الأشكال والأحجام. ويضيف بلال أن أغلب العائلات التي تقصد طاولات بيع المفرقعات لا تبالي أبدا بالثمن بل الجميع يشرع في البحث عن أقوى الألعاب وأحدثها وأكثرها دويا، وقد لاحظنا ونحن نتجول بين الباعة أن نسبة الإقبال على شراء المفرقعات كانت عالية مع أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ماتزال تفصلنا عنه أيام عديدة إلا أن حمى الشراء أظهرت وكأن الاحتفال سيكون اليوم أو غدا ، لكن بلال أكد لنا أن حركة البيع التي تعرفها السوق هذه الأيام عادية جدا فشباب الأحياء الشعبية بالعاصمة مولعون باللعب بالمفرقعات، والمولد النبوي الشريف هو مناسبة يستغلها هؤلاء الشباب للتباري بين الأحياء وإظهار أكثر الأحياء قوة في هذه الليلة. ''الفتيات يقتحمن عالم المفرقعات'' من خلال جولتنا بين الطاولات التي تعرض الألعاب النارية وجدنا أن نسبة كبيرة من الزبائن كن نساء وفتيات اخترن اقتناء المفرقعات لأغراض متعددة تختلف من فتاة لأخرى، إلا أنهن اجتمعن حول مشاركتهن الاحتفال بالمولد النبوي على الطريقة الجزائرية التي يؤكد سمير -وهو صاحب طاولة- أنها بدأت تنتشر في أوساط الفتيات اللاتي يقتنين كل يوم مفرقعات بأحجام مختلفة ولا يبالين هن أيضا بخطورتها. تقول سمية إحدى الفتيات التي وجدناها بصدد اقتناء المفرقعات انها تعشق اللعب بهذه الألعاب وأكثر من ذلك فالكثير من بنات حيها يقتنين المفرقعات ويقمن بمشاركة أفراد العائلة أو الجيران اللعب بها، وفي أغلب الأحياء تقوم الفتيات بالانتقام من الشباب الذي يتعمد رمي المفرقعات في طريقهن. وتضيف سمية أنها تفضل المفرقعات التي تضيء وهذا ما أكده سمير فالفتيات في الغالب يفضلن المفرقعات المضيئة أو التي لا تحدث دويا كبيرا عند انفجارها، إلا أنه أسر لنا أن هناك من الفتيات في الأيام الماضية من قامت بشراء الفيميجان الذي اقتصر زبائنه في الأعوام الماضية على الشباب فقط. ''...وللبراءة نصيبها'' لا يمتنع العديد من الأولياء عن اقتناء الألعاب النارية والمفرقعات لأطفالهم وعدد الأطفال الذي كان ملتفا حول طاولات بيع المفرقعات في ساحة الشهداء كان كبيرا جدا والجميع جاء لغرض الشراء واكتشاف جديد هذا العام، فدوي الانفجارات بين الحين والآخر في الأحياء الشعبية بدأ يغري الأطفال الصغار ويدفعهم دفعا الى اقتناء المفرقعات. ويؤكد أحد الأولياء عدم قدرة العائلات على كبح جماح أطفالهم فالعديد منهم ورث الولع بالمفرقعات عن أفراد الأسرة الأكبر منه، ولا يمكن للجزائري أن يحرم أبناءه من المشاركة بالاحتفال بهده الطريقة حتى وان كانت عنيفة لأن المجتمع برمته تعود أن يحتفل بهذه الطريقة إلا أن العائلات تفضل في الغالب اقتناء النوالات والألعاب المضيئة لأطفالهم عوض المفرقعات المؤذية. ''شباب الأحياء الشعبية والمفرقعات اليدوية'' يعمد بعض شبان الأحياء الشعبية لزيادة الإثارة إلى صنع مفرقعاتهم بأنفسهم وبطريقة تقليدية بوضع مادة الألمنيوم التي تستعمل في التغليف، في قنينات يضاف إليه شيء من المواد القابلة للاشتعال والتراب ويصلونه بفتيلة، وما إن يقوم احدهم بإشعاله حتى تنفجر محدثة دويا يروع الحي والمارة، ففي كل عام تجود قريحة الشباب العاطل عن العمل بأعمال من هذا النوع الذي رغم خطورته إلا أنه بات يشكل جزءا من احتفالية شباب الأحياء الشعبية الذين لا يقدرون على اقتناء الأنواع المرتفعة الثمن من المفرقعات فيقومون بصنع مفرقعات يدوية باستعمال مواد مختلفة قابلة للاشتعال. ورغم خطورة العملية ألا أن الشباب وجد فيها فرصة لزيادة المتعة والفرجة بأثمان بخسة، لكن الأخطر من ذلك أن تقنيات صنع مثل هذه المفرقعات التقليدية وصلت الى الأطفال الذين استهواهم دوي هذه المفرقعات الشديد إلا أنهم لا يدركون خطورتها وما يمكن أن تسببه من ضرر على صحتهم و الأسوأ من ذلك أن العديد من الشباب يجد متعة عالية في رمي المفرقعات على المارة وخاصة على الفتيات في الشوارع وأمام المدارس والثانويات لزيادة الفرجة وهم يدركون جيدا مدى خوف أغلب الفتيات من صوت المفرقعات. إنّ المتتبع لحالة الهيجان التي تعيشها الشوارع الجزائرية منذ أيام، والفاحص للمفرقعات المحظورة الاستعمال، التي لا يبالي الكثير من الشباب في استخدامها رغم المحاذير التي تطلقها الحماية المدنية والدوائر الطبية كل عام، فالقنابل المدوّية والألعاب النارية، إضافة إلى الأجسام المتفجرة مختلفة الأحجام والأشكال التي تتخذ شكل زجاجات حارقة وعبوات شديدة المفعول ماتزال تلقى الرواج وسط الشباب والأطفال، ما جعل الشارع المحلي يطرح أسئلة ملّحة بشأن هذه الظاهرة التي باتت تتعاظم عاما بعد عام بشهادة الباعة والمشترين وتنأى بالشارع المحلي عن استذكار السيرة النبوية العطرة وتعاليمها الحقيقية، فقد حولت هذه المظاهر الاحتفالات عن مسارها الحقيقي وجعلت من أجمل يوم في تاريخ البشرية مناسبة للتباري بالمفرقعات وما يصاحبه من أضرار جسدية ومادية. ''المفرقعات جزء من الثقافة الجزائرية'' يعتبر عدد من الجزائريين أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بهذه الطريقة أمر عادي ويعتبرون اللعب بالمفرقعات مظهرا من مظاهر الفرح، لكن هناك من الجزائريين من يبدي غضبه حيال تفاقم ظاهرة المفرقعات التي صارت تفسد حلاوة وجمالية الاحتفال بمناسبة دينية من شأنها ربط الناشئة برموزهم وعظماء دينهم. وبين الرافض للاحتفال والمتحفظ على الطريقة التي يتم بها مايزال الشارع الجزائري ينأى بنفسه بعيدا عن هذه المسائل المتشعبة ويصر على الاحتفال بذكرى مولد سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم بطريقته الخاصة التي تبقى جزائرية محضة، فلا يقتصر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وإضاءة سماء تلك الليلة بالمفرقعات على الجزائر العاصمة فقط بل تمتد الظاهرة لتشمل جزءا كبيرا من الوطن الذي لا تختلف فيه مظاهر الاحتفال عن العاصمة حتى وإن كان العاصميون يبالغون كثيرا في استخدام المفرقعات، إلا أن الكثير من شباب الولايات الداخلية قد حذوا حذوهم في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بهذه الطريقة، فالإقبال على شراء المفرقعات يبقى ميزة الاحتفال لدى الجزائريين دون منازع. ''القوانين لم تتمكن من إيقاف الظاهرة'' لم تفلح مطاردة قوات الشرطة وعناصر الجمارك لمستوردي المفرقعات، ولا حجز كميات ضخمة منها، في القضاء على المفرقعات التي يجني باعتها أرباحا طائلة كل سنة، ما جعل دائرتها تتسع برغم كل التقييدات، والمواعظ التي تلهج بها ألسنة الأئمة والخطباء كل عام. والمثير أنّ مظاهر ليلة المولد في الجزائر وما كان يفضله الجيل الماضي من شموع وبخور وأجسام مضيئة اختفت بشكل شبه كامل، فاسحة المجال أمام المفرقعات التي يستمر هواتها في العبث بها إلى أوقات متأخرة من الليل وتسبب دائما وككل عام في إحداث حالة من الهلع وسط سكان الأحياء الشعبية وداخل المجمعات السكنية والأماكن العامرة على غرار ساحة الشهداء وسط العاصمة. وتكاد المبالغة في مظاهر الاحتفال تفقد هذه الذكرى السعيدة معانيها السامية، في ظلّ الإفراط في تفجير آلاف الأطنان من المفرقعات ناهيك عن الأضرار الجسدية التي يتعرض لها المواطنون كل عام، وقد تمكنت مصالح الجمارك بميناء الجزائر في الأيام القليلة الماضية من حجز حاويتين تضمان 2000 علبة كرتون من الحجم الكبير من المفرقعات، وصرح صاحبها أنها عبارة عن أغطية، وقدرت الغرامة المالية بأكثر من 7 ملايير سنتيم. وأفادت مصادر جمركية مسؤولة أن مصالح الجمارك بميناء الجزائر، تمكنت من إحباط محاولة إغراق السوق بكمية كبيرة من المفرقعات كانت مخبأة داخل حاويتين، صرح صاحبها بأنها عبارة عن أغطية، حيث لجأ الى وضع 128 علبة كرتون من الحجم الكبير تضم الأغطية للتمويه وتضليل فرق التفتيش عن علب المفرقعات المهربة من مختلف الأنواع والأحجام تحسبا لحلول المولد النبوي الشريف. ومكن التفتيش الدقيق من ضبط الحاويتين القادمتين من الصين الشعبية ومرسيليا بفرنسا فتم فتح تحقيق، حيث تم استيراد هذه المواد المتفجرة المحظورة بسجل تجاري صدر بالعاصمة وهي المرة الأولى، على خلفية أن السجلات التجارية في العمليات السابقة التي أحبطتها مصالح جمارك ميناء الجزائر كانت بأسماء مستعارة أو بأسماء مستوردين من العلمة بسطيف.