يأخذك العجب، كل العجب حين تلاحظ مدى حرص جامعة الدول العربية وإمارات مجلس التعاون الخليجي بوجه خاص، على سورية وشعبها وعلى ضرورة إحلال الديمقراطية السياسية فيها. يرتجع ذلك أمام الذاكرة مداورة هذه الجامعة للأزمات والأحداث التي تعصف في المنطقة العربية، منذ أن تولاها الملوك والأمراء، وتحديدا منذ أن عادت هذ ه الجامعة إلى مقرها في القاهرة في أيلول 1990 الذي هجرته إلى تونس احتجاجا على توقيع الرئيس المصري أنور السادات باسم مصر في 26 آذار 1979، على ”معاهدة سلام منفردة” مع إسرائيل، خلافا لما كان قد أتفق عليه في قمم عربية سابقة. آنذاك تراجعت جامعة الدول العربية عن عقوبات فرضتها ضد الحكومة المصرية التي ”طبّعت” علاقاتها بإسرائيل، اشتملت على تعليق العضوية وسحب السفراء والمقاطعة الاقتصادية التجارية والمالية. ولكن من المرجح أن ما قبل 1990 ليس كما بعده. إذ أن انتهاء الحرب العراقية الإيرانية سنة 1988، كشف عن تصدع في الحلف الذي كان قائما أثناءها بين العراق من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي والدول الغربية من جهة ثانية. اتخذ أوجها عديدة، منها حملات إعلامية لتأليب الرأي العام الدولي ضد الحكومة العراقية تحت حجة أنها أستخدمت أثناء الحرب أسلحة محرمة دوليا، فضلا عن سعيها الدؤوب لتصنيع أسلحة نووية. ومن المعروف أن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تصاعد الإحتقان ثم إلى إحتلال الكويت من قبل القوات العراقية في نهاية تموز 1990. أي بالتزامن تقريبا، مع عودة جامعة الدول العربية إلى مقرها في القاهرة. وكان الرئيس السادات قد رحل عن هذه الدنيا في سنة 1981 وحل مكانه السيد مبارك الذي تميز كما هو معلوم بإصغائه إلى صناع القرار في أسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية. واعتمادا على النهج الذي سلكته جامعة الدول العربية منذ سنة1990 وحتى تاريخ اقتحامها الساحة السورية في 2011 بصورة تثير الحيرة والدهشة، يمكن القول والقطع بأن أداءها أقتصر على نقل رغبات الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها في أوروبا إلى نظم الحكم العربية، وحثها على الاستجابة لتلك الرغبات. أي بكلام أكثر وضوحا لم تعد هذه الجامعة من حيث الشكل والمضمون تمثل هيئة تضم حكام العرب غايتها التنسيق بينهم والبحث عن حلول للخروج من المشكلات التي تعترضهم، بل صارت جهازا ملحقا بالمؤسسات الدولية التي توظفها الولاياتالمتحدةالأمريكية كركائز لنفوذها على العالم أو بألاحرى لسلطتها المعولمة. تتولّد أو تستولد،الأزمات في المجتمعات العربية التي تخلفت وتأخرت، فتقوم جامعة الدول العربية بحمل ملفاتها إلى لجان ومجالس دولية غربية. وللدلالة على ذلك يكفي أستحضار طبيعة المهمة التي نيطت بها من خلال مؤتمر مدريد وإتفاقية أوسلو ومبادرة السلام العربية وغزو العراق وحرب تموز 2006 في لبنان و”الرصاص المسكوب” على قطاع غزة، ناهيك عن مؤتمر حوار الاديان وكتلة ”دول الاعتدال” إلى ما هنالك من فعاليات نتج عنها أنقلاب كامل في المفاهيم إذ صار ”تطبيع” العلاقات مع إسرائيل هو القاعدة. فإن التزم بها نظام الحكم وقى نفسه من حصارات الغرب ومن عقوبات الدول العربية الأخرى. لم يَعْهَد الإنسان العربي جامعة الدول العربية كفيلة ومكلفة بمؤونته أو وصية عليه وراعية له. فهي تمثل الحكام. وأغلب هؤلاء لا يمثلون الناس في البلاد التي يمسكون السلطة فيها. ينبني عليه أن ادعاء هذه الجامعة الوكالة عن شعب هو ادعاء باطل. ولكن لا مفر هنا من السؤال عن العوامل التي أكسبت هذه الجامعة القوة المعنوية التي باتت تتمتع بها في المحافل الدولية، لا سيما وأن نفوذ كل إمارة من إمارات الخليج النفطية صار فيها أكبر من نفوذ مصر والعراق وسورية والجزائر مجتمعة. لا جدال في القول أن جامعة الدول العربية اضطلعت بدور بارز في تدويل أزمات وقضايا العرب. والشواهد على ذلك مستبينة من الصومال إلى العراق وفلسطين والسودان وليبيا. أما الجهود التي تبذلها، في الراهن من أجل تدويل الأزمة السورية، فهي في الحقيقة محاولة حاسمة ونهائية، لو كتب النجاح فيها لفازت قيادتها الحالية ممثلة بمجلس التعاون الخليجي بتوكيل وإعانة من الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الاوروبية لممارسة السلطة لصالحها على بلاد العرب من المشرق إلى المغرب. لم يعتدْ الإنسان العربي أيضا على رؤية الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وبريطانيا في مجلس الأمن الدولي تُدين الاعتداءات الإسرائيلية ضد شعب عربي، مثلما تُجمع هذه الدول اليوم على المطالبة بإسقاط نظام الحكم في سوريا، ”تضامنا مع الشعب السوري”، تلبية لاستدعاء جامعة الدول العربية لها تحت حجة الحفاظ على المدنيين تارة أوتكرارا لما فعله حلف الناتو لإرساء الديمقراطية في ليبيا أو في العراق تارة أخرى. وأغلب الظن، سواء نجحت جامعة الدول العربية في تدويل الأزمة السورية، أو تعثرت أو لم تنجح، أنها ستعمل على تدويل الأزمة اللبنانية. بمعنى أنه من المرجح أن تحملَ مسألة السلاح والمقاومة في جنوب لبنان إلى مجلس الأمن. لذا فأن أخشى ما يخشى هو أن تقع المواجهة بين حزب الله من جهة وخصومه من جهة ثانية. هذا ما تنذر به، في اعتقادي، زيارات الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية إلى بيروت، وما يتنامى ويتناهى إلى العلم والسمع عن لقاءات في إقليم كردستان العراقي بين ممثلين عن معارضين سوريين في الخارج من جهة وعن ميليشيات لبنانية من جهة ثانية. عندما كان المستعمرون يخافون من قيام الدولة الوطنية فضلوا حكم الطغاة فقدموا لهم الدعم وأطلقوا أيديهم في القمع والتجهيل والإفقار. أما في زمن العولمة فلا خوف من ضحايا الاستبداد والاحتلال والإقصاء، لأنهم نسوا الوطن. صار الطغاة هم دعاة جمع الأموال ضد التوزيع العادل للثروات، الذين لا وطن لهم ؟ وأثرياء العرب هم أمراء النفط، فهل تكون الكلمة الأخيرة لهم؟ خليل قانصو