يعيش محور الممانعة في منطقة الشرق الأوسط، إيران وسوريا و''حزب الله''، تحديات كبيرة بسبب ما تعيشه سوريا من ثورة تستهدف إسقاط نظام بشار الأسد، الذي يعد حلقة الوصل بين إيران و''حزب الله''. ويرى المراقبون بأن الأحداث التي تعيشها سوريا غير بريئة، لأنها لا تستهدف إسقاط نظام، بل إسقاط أوراق هامة في منطقة ترفع شعار المقاومة ضد أمريكا وإسرائيل.
من دمشق إلى طهران مرورا ببيروت وبغداد قنبلة شيعية في انتظار أمريكا في الشرق الأوسط تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديا جديدا على خلفية الأزمة الإيرانيةالغربية وملف طهران النووي، ولكنها أيضا تعيش على وقع الضغط الممارس على سوريا وحلفائها التقليديين في لبنان، في محاولة لتحجيم الدور الإيراني المتعاظم في المنطقة وامتداداته الواضحة عبر محور طهراندمشق، والتي يمكن أن تفرز ترتيبات قد لا تكون بالضرورة لصالح المخططات الغربية. فالمحور الجديد الذي بدأ يتشكل تدريجيا ويتضمن إيران وسوريا ولبنان ''حزب الله'' وبدرجة أقل العراق، وضع في عرف الأدبيات الاستراتيجية الأمريكية بالخصوص، ضمن مصف الدول المارقة ومحور الشر والداعمة للإرهاب، وكانت عرضة للاحتواء مع قانون ''داماتو''، ومبدأ ''الاحتواء المزدوج''، تصنف من جهة أخرى كدول ممانعة أو مقاومة للترتيبات والاصطفاف الإقليمي والدولي الذي اعتمدته الولاياتالمتحدة وحلفاؤها مع حربي أفغانستان والعراق. وبدا واضحا أن التوجه الإيراني والسوري يرمي إلى تشكيل محور يضمن لهما هامشا واسعا من الحركة، مع تزايد الضغط ومحاولة عزلهما عن المحيط الإقليمي، مع تدعيم شبكة التحالفات القائمة في لبنان مع ''حزب الله''، وتجسيد التقارب الجديد السوري العراقي، مستفيدا من الانسحاب الأمريكي من العراق ، لكسب أوراق ضغط جديدة. فإيران تعتبر سوريا من الناحية العقدية امتدادا لها، ومن الناحية الاستراتيجية عمقا استراتيجيا، إذ كانت البلد العربي الوحيد الذي ساندها في حربها ضد العراق.كما تعتبر لبنان خط المواجهة الأول مع إسرائيل بفعل تواجد ''حزب الله'' الذي عاد إلى الواجهة السياسية والعسكرية من جديد للتلويح بإمكانية فتح عدة جبهات للمواجهة في حالة الإقدام على الاعتداء عسكريا على إيران أو سوريا أو الدولتين معا. وأرست إيران وسوريا تحالفا على مستوى ثنائي اقتصادي وتجاري، ساهم في كسر الحصار المفروض على البلدين. كما بدأت مؤشرات تقارب عراقي سوري كنتاج لحكم الشيعة في العراق ممثلا في حزب الأمة لنوري المالكي والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية للحكيم، بدعم عقدي أيضا من آيات الله علي السيستاني، وبالتالي تتبلور نواة لدائرة شيعية تتوفر على عدد من الأوراق التفاوضية انطلاقا من جنوبأفغانستان، مع تواجد الهازارا وجمهوريات آسيا الوسطى وجنوب العراق ذات الأغلبية الشيعية والبحرين، إضافة إلى جنوب لبنان مع ''حزب الله''. وجاء إعلان طهرانودمشق في 16 فيفري 2005 عن إقامة ''جبهة مشتركة'' كرسالة واضحة عن تقاطع المسارين الإيراني والسوري وامتلاك الطرفين لغطاء ودعم روسي بالخصوص، في مواجهة تحدي الاحتواء الأمريكي المتواجد بقوة في منطقة الخليج عبر القيادة المركزية في قطر والأسطول الخامس الذي يمتلك مقره في عمان ويغطي الإمارات والسعودية والكويت أيضا. ولا يزال مشهد أكبر عملية تفجيرية بلبنان ضد القوات الأمريكية عام 1982 وقبلها قضية الرهائن الأمريكيين، وعملية الإنزال الأمريكي في الصحراء الإيرانية في 1979 شاهدة على مواجهة التيار الشيعي الذي كان أيضا حليفا غير مباشر، خدم المصالح الأمريكية من خلال دعم عملية احتلال العراق والتدخل العسكري في أفغانستان ضد طالبان ''السنّية''، ما يجعل العلاقة بين الطرفين قابلة لكافة الحسابات البراغماتية والمقاربات الواقعية، تفاديا للوصول إلى نزاع صفري يكون فيه الطرفان خاسرين، في ظل تمسك إيران بسياسة الضبابية النووية وامتلاكها لأوراق ضغط متعددة داخل الدائرة الشيعية.
الخبير الاستراتيجي الإيراني أمير الموساوي ل''الخبر'' ''أمريكا تريد الانتقام من ''حزب الله'' وإيران بإسقاط النظام السوري''
محور الممانعة إيران وسوريا و''حزب الله'' وحماس تدعَّم بالعراق
يرى الخبير الاستراتيجي الإيراني، أمير الموساوي، بأن حلف المقاومة في الشرق الأوسط يتعرض لمحاولة كسر، تنفذها أطراف إقليمية ودولية على رأسها الولاياتالمتحدة وإسرائيل، عبر إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا. وشدد على أن هذا المحور، المشكل من إيران وسوريا و''حزب الله'' وحماس، والذي سيتدعم بالعراق، سيقف في وجه هذه المخططات. وأكد الخبير الاستراتيجي، أمير الموساوي، في اتصال هاتفي مع ''الخبر''، أن ''دعم إيران لسوريا في الوقت الحالي دافعه أهداف إقليمية توثقها الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بين الطرفين منذ أكثر من 30 سنة، والتي ترمي لمجابهة التوسع الأمريكي في المنطقة''. وأشار المتحدث إلى وجود تفاهم بين قوى الممانعة، إيران وسوريا و''حزب الله'' وحماس والعراق. وأكد بأن هذه الجبهة قوية وتقوت أكثر بانضمام العراق إليها الذي يعود، حسبه، إلى موقعه الطبيعي والتاريخي بعد الانسحاب الأمريكي من أراضيه، لينضم إلى جبهة الممانعة. واعتبر أن هذه العودة تجلت عبر ''رفض الحكومة العراقية للمخططات التي تستهدف سوريا ورفض الانجراف في متاهات الجامعة العربية''. واعتبر أمير الموساوي، في تحليله للتطورات التي تعيشها سوريا وعلاقتها مع إيران ومحور الممانعة في المنطقة، بأن هناك إرادة انتقام من قبل الولاياتالمتحدة والصهاينة، من إيران و''حزب الله''، عبر كسر حلقة سوريا التي تعتبر الحلقة المهمة بين الجمهورية الإسلامية وحزب نصر الله. كما يرى بأن ما تواجهه سوريا حاليا هي عملية انتقام أمريكية ضد سوريا بسبب سقوط حلفائها في غفلة عنها، ويتعلق الأمر بزين العابدين بن علي ومبارك بعد أن حرج ضدهما الشعب إلى الشارع وساندهم في ذلك الجيش. وبالرغم من الاعتراف بوقوف إيران إلى جانب سوريا من أجل إسقاط المخططات الأمريكية التي تنفذها دول عربية وقوى إقليمية كتركيا، إلا أن محدثنا استبعد أن يكون للموقف الإيراني دور في بقاء النظام السوري وعدم مقدرة الشارع السوري على إسقاط الأسد، على غرار ما وقع في تونس مع زين العابدين بن علي، وفي مصر مع مبارك. وأرجع ذلك إلى وقوف قطاع واسع من الشعب السوري مع النظام الحالي، إلى جانب بقاء الجيش متماسكا ولم تحصل فيه انشقاقات. وفي هذه النقطة، قدر بأن من يطلقون على أنفسهم الجيش الوطني الحر، والذين يزعمون بأنهم انشقوا عن الجيش النظامي، ليسوا إلا عصابات مسلحة مدعومة من قبل تركيا ويتم تضخيمهم إعلاميا. ويرى الخبير الاستراتيجي الإيراني بأن الجامعة العربية تعمل حاليا على تنفيذ المخططات الأمريكية، واستشهد في ذلك بنوع العقوبات التي تصدرها ضد سوريا من قبيل العقوبات الاقتصادية وتجميد العضوية، والتي رأى فيها بأنها غريبة عن أبجديات الجامعة العربية، بل هي أساليب أمريكية خالصة، تنفذها دول عربية من الخليج والأردن، والتي تتحرك حاليا في شكل كتلة. ويضيف في هذا السياق: ''كلنا رأينا كيف هوجمت الجزائر بسبب تشكيكها في القرارات التي أصدرتها الجامعة''.
مدير مرصد الدول العربية في باريسأنطوان بصبوص ل''الخبر'' ''النظام السوري يتآكل ولا يمكن لإيران و''حزب الله'' إنقاذه''
يرى المحلل السياسي اللبناني، أنطوان بصبوص، صاحب كتاب ''التسونامي العربي''، أن النظام السوري بالرغم من الدعم المادي واللوجيستي الذي يحظى به من إيران و''حزب الله'' والدعم السياسي الذي تقدمه له روسيا والصين في مجلس الأمن، إلا أنه يتداعى من الداخل بعد فشل كل أساليب القمع في إنهاء الاحتجاجات الشعبية، وتبرؤ زعماء الطائفة العلوية من بشار الأسد، وإعلان عم الرئيس استعداده لخلافة ابن أخيه، رافضا فكرة أن تكون القوى الخارجية هي من تصنع الثورات العربية. هل الدعم الخارجي للنظام السوري كاف لبقاء بشار الأسد في السلطة؟ النظام السوري بدأ يتداعى من الداخل ولن تستطيع القوى الخارجية حماية نظام الأسد، بالرغم من أن الدعم الأساسي يأتي من إيران و''حزب الله'' في شكل دعم مادي ومالي ولوجيستي واستخباراتي. أما الدعم السياسي والدبلوماسي فيأتي من الصين وروسيا، إلا أن نظام الأسد مع ذلك ينهار من الداخل، في ظل انقسام الجيش السوري ولو بشكل ليس كبيرا، كما أن تجريد الجامعة العربية النظام السوري من شرعيته يفتح الباب أمام التدويل واستعجال إسقاط النظام. ما الذي يثبت تورط إيران و''حزب الله'' في دعم النظام السوري ماليا ولوجيستيا؟ هذا الأمر ثابت وموثق وإيران دعمت نظام الأسد ماديا واستخباراتيا ولوجيستيا، من خلال ضبط كل إشارات الأنترنت والهاتف الخلوي ورصد المعارضة وتعقبها، وشاركت في حماية المواقع الإلكترونية السورية الحساسة، كما أنهم يدعمون النظام السوري بشكل واضح في تصريحاتهم وخطاباتهم. من يسقط الأنظمة في الوطن العربي حاليا، الشعوب أم القوى الأجنبية؟ الشعوب هي من تسقط الأنظمة، وأساس هذه الثورات العربية من الداخل وبإرادة داخلية ومن دون تنسيق، وحتى العالم الخارجي تأخر في دعم الثورة التونسية مثلا، ورأينا أن فرنسا تأخرت 20 يوما عن دعم الثورة التونسية، بل راهنت في البداية على بقاء نظام بن علي في الحكم، ولكن ما يحدث في سوريا ليس تدخلا خارجيا وإنما دعوة الرئيس بشار للتنحي، وهناك مساع لدعم الثوار لم يكشف عنها. فتركيا أصبحت قاعدة خلفية للثوار السوريين، وفيها معسكر للجيش السوري الحر،. ولكن علويي تركيا يفشون ما يجري في الأراضي التركية للجيش السوري، وأعتقد أن المخابرات السورية اخترقت الجيش التركي، فالعلويون في الجيش التركي هم من اختطفوا المقدم هرموش، أحد المنشقين عن الجيش السوري من تركيا وأعادوه إلى سوريا. لكن رغم مرور شهور من الاحتجاجات الشعبية، إلا أن بشار الأسد لا تبدو عليه أية رغبة في الرحيل أو الاستجابة لمطالب المحتجين؟ هناك أمران يدعمان بقاء النظام السوري، الأول متعلق بالجيش الذي هو متماسك إجمالا رغم الانشقاقات في صفوفه، والثاني بقاء مدن كبرى مثل دمشق وحمص خارج الثورة. والسبب أن العاصمة فيها انتشار كثيف لقوات الأمن. أما حلب فتم تكليف العشائر والشبيحة بحفظ الأمن فيها، لكن الأمور ستتدهور أكثر بعد أن تجاوز عدد القتلى 4 آلاف قتيل، حسب مصادر موثوقة. لذلك لن يستطيع النظام السوري الاستمرار رغم رهان إيران و''حزب الله'' على بقاء بشار الأسد في السلطة. ماذا عن دعم الطائفة العلوية للرئيس بشار؟ قبل أيام أعلن الزعماء العلويون، في بيان، تخليهم عن بشار الأسد. وأكدوا، في بيان نشرته جريدة ''الشرق الأوسط''، أن النظام السوري لا يمثل العلويين وإنما يمثل آل الأسد. وهذا يعني أن العلويين بدأوا يبتعدون عن النظام، لأنهم لا يريدون أن يموتوا إلى آخر رجل منهم من أجل بقاء بشار في الحكم. وحتى رفعت الأسد، عم الرئيس، قال إن بشار ''فقد الشرعية ويجب أن يترك السلطة'' وأنه مستعد لخلافة ابن أخيه. وهذا يعطي إشارات للضباط العلويين أنهم قد يحاكمون في المحكمة الجنائية. وتنكر بشار الأسد، في حوار لقناة أمريكية، لإعطائه أوامر للجيش بقمع المتظاهرين يشكل تخوفا لقادة الجيش، فهذا النظام بدأ يتحلل من الداخل. والقمع، رغم وحشيته، لم يستطع إنهاء الاحتجاجات. إذن ما هو السيناريو الذي ينتظر نظام الأسد؟ كل ذلك مرتبط بتعامل بشار الأسد مع الأحداث، فإذا أراد أن يتحمل المسؤولية فبإمكانه التفاوض على موقع له داخل الجمهورية، مثلما فعل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، أما إذا استمر بشار في سياسة قمع المتظاهرين فستنجر عن ذلك حرب أهلية.