الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية و الامبريالية الأميركية كتاب جديد لمؤلفه الدكتور غازي حسين صدر مؤخراً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، و يتألف من أربعة أبواب وعدة فصول تعالج كيفية بروز مصطلح الشرق الأوسط على أيدي تيودور هرتزل وزعماء الحركة الصهيونية وتبني الولاياتالمتحدة الأميركية للفكرة وللمخطط الذي وضعته إسرائيل للمنطقة العربية و الإسلامية. الفصل الرابع : الفصل الخامس: المساعي الأمريكية لإقامة النظام الشرق أوسطي في هذا الفصل يواصل الدكتور حسين غزي في إبراز المساعي الأمريكية لإقامة النظام الشرق الأوسطي حيث يقول إنه ظهرت إبان الحرب العالمية الثانية أهمية ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط الجيواستراتيجية والنفطية سواء في الحرب أم في السلم، لذلك أخذت الدول الاستعمارية الثلاث بريطانيا وفرنساوالولاياتالمتحدة بالتعاون مع الصهيونية العالمية وبعض المسؤولين العرب لإخراج النظام الإقليمي الشرق أوسطي إلى حيِّز الوجود. وقامت الولاياتالمتحدة بالدور الأساسي لإرساء معالمه، بالتنسيق والتعاون الكاملين مع بريطانيا وفرنسا، وشرعوا بمساعدة وتقوية الكيان الصهيوني عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. فوسّعت الولاياتالمتحدة مبدأ ترومان عام 1949 ليشمل بموجب النقطة الرابعة فيه تقديم المساعدات الزراعية والمادية إلى بعض دول المنطقة. واشتركت في توقيع البيان الثلاثي في 25 أيار 1950 الذي يتضمن تعهد الدول الاستعمارية الثلاث المحافظة على أمن الكيان الصهيوني وإقامة العلاقات بينه وبين بعض الدول العربية، ومنع الدول العربية من الحصول على السلاح للدفاع عن بلدانهم. وحاولت الإدارة الأمريكية أن تقيم قيادة رباعية لمنطقة الشرق الأوسط من فرنسا وبريطانيا وتركيا ومصر. وحاولت بعد قيام ثورة 23 تموز في مصر إقامة ''الحلف الإسلامي'' على أساس ديني من بعض الدول العربية وبعض دول الجوار المسلمة. وسعى ألن دالاس وزير الخارجية الأمريكية في زيارته للمنطقة عام 1953 احتواء الثورة المصرية عن طريق المساعدات الاقتصادية وربط تمويل السد العالي في مصر بإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني وقطع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي. وعلى أثر تأميم مصر لشركة قناة السويس أشعلت ''إسرائيل'' حرب السويس العدوانية بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا عام .1956 وأعلن الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور ما عرف بمبدأ إيزنهاور أي نظرية الفراغ عام 1957 للحلول محل بريطانيا وفرنسا وتضمن: استعداد الولاياتالمتحدة للتدخل العسكري المباشر لدعم دول المنطقة ضد الخطر الشيوعي (المزعوم). تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية للدول التي توافق عليه. وأنزلت قواتها في لبنان، بينما أنزلت بريطانيا قواتها في الأردن عام .1958 ووسع الرئيس إزينهاور نظرية الفراغ رداً على الوحدة بين سورية ومصر. ونجحت الولاياتالمتحدةالأمريكية بإخراج مصر من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني بتوقيع أنور السادات لاتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وهكذا تكون إدارة الرئيس كارتر التي أجبرت السادات وأغرته على توقيع الاتفاقيات قد حققت الحلم الذي راود بن غوريون والقادة الصهاينة بإخراج مصر من حظيرة الصراع، للاستفراد بالأطراف العربية الواحد تلو الآخر. وسكتت عن احتلال العدو للشريط الحدودي في جنوبي لبنان وإقامة دويلة العميل سعد حداد عام ,1978 والتي قضت عليها المقاومة اللبنانية في أيار 2000 وحرّرت جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي البغيض. وضعت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بعد توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد مخططاً للشرق الأوسط تحت عنوان: ''التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط'' وكانت الوكالة الأمريكية قد كلّفت ثماني عشرة مؤسسة أمريكية حكومية وغير حكومية لوضع هذا المخطط، وتمخض عن التقرير الذي أعلنته الوكالة الأفكار التالية: سيكون الدور الأمريكي حاسماً في مجال التعاون الإقليمي، وعلى الولاياتالمتحدة أن تلعب دور الوسيط. تقوم فكرة التعاون الإقليمي على أساس شرق أوسطي وليس على أساس عربي. إيجاد مؤسسات جديدة تتجاوز الجامعة العربية، لكي تسمح باستيعاب ''إسرائيل'' وانخراطها في النظام الإقليمي الجديد. إعطاء أهمية لدور الأكاديميين ورجال الأعمال في بداية التعاون الإقليمي وتطويره. ويعالج المخطط الأمريكي آفاق التعاون بين ''إسرائيل'' ومصر وسورية والأردن ولبنان والسعودية والضفة الغربية وقطاع غزة، ويتطرّق إلى الموارد المشتركة مثل نهر الأردن، والبحر الميت وخليج العقبة، وإلى مشكلة الصحاري والزراعة والتعاون العلمي والتكنولوجي ويوصي التقرير الأمريكي في مجال النقل بربط خطوط المواصلات بشكل يعمل على تعزيز التجارة والسياحة، والبحث عن المياه الجوفية في سيناء، وبيع مياه النيل ''لإسرائيل'' وتحلية مياه البحر. ويطالب التقرير بإقامة مشروعات صناعية مشتركة بين ''إسرائيل، وجيرانها، ويؤكد على الدور الذي يجب أن تلعبه الولاياتالمتحدة في المرحلة الأولى من البدء في تنفيذه. تُولي الولاياتالمتحدةالأمريكية اهتماماً كبيراً للمنطقة العربية لخدمة مصالحها الاقتصادية والهيمنة على النفط العربي والمحافظة على تفوّق ''إسرائيل'' على جميع البلدان العربية، لذا اقترح البروفيسور الأمريكي روبرت تاكر أنه ''لمنع أمريكا من أن تنزف حتى الموت من جرّاء نفط الشرق الأوسط عليها فرض السيطرة الأمريكية الفعلية على المنطقة الممتدّة من الكويت نزولاً على طول الإقليم الساحلي للمملكة العربية السعودية حتى قطر. ودعا الجنرال الكسندر هيج، وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته لعدّة بلدان شرق أوسطية في نيسان ,1981 إلى إنشاء حزام أمني في المنطقة يضمّ عدداً من الدول من باكستان إلى مصر، ويستوعب السعودية و''إسرائيل''، وتحدّث هيج عن مخططه للشرق الأوسط أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحاجة إلى جمع تركيا وباكستان و''إسرائيل'' وعدد من الدول العربية في حلف مشترك. وتعمل الولاياتالمتحدة لخدمة مصالحها في المنطقة على: تأمين السيطرة الأمريكية على منابع النفط وممرّاته وأمواله عن طريق القواعد العسكرية الدائمة. المحافظة على تفوّق ''إسرائيل'' العسكري على جميع البلدان العربية. نزع السلاح غير التقليدي من أيدي العرب والحد من التسلح للدول العربية غير الخليجية. التوصل إلى تسوية للصراع العربي ال''إسرائيل''ي. إلغاء المقاطعة العربية. بيع كميات كبيرة من الأسلحة للدول العربية في الخليج لتحسين وضع الاقتصاد الأمريكية. توسيع تواجدها العسكري في المنطقة. إقامة النظام الإقليمي والسوق الشرق أوسطية. وهنا يوضح الدكتور تأكيد المحلّل الأمريكي أنطون لويس ''أن السلام هو الفرصة لبناء ''إسرائيل'' أكثر أمناً وازدهاراً، وهذا هو جوهر الموقف الأمريكي إنقاذ ''إسرائيل'' رغم أنفها. من جهة أخرى يقول ''لقد خلقت أزمة الكويت في آب 1990 نزاعاً عربياً عربياً على حساب صراع المصير والوجود مع العدو الصهيوني، وأدّت حرب تحرير الكويت إلى تعزيز وترسيخ وتعاظم الوجود العسكري الأمريكي الدائم في الكويت وقطر والبحرين، وزادت من تأثير السياسة الأمريكية في دول الخليج والاعتماد على الولاياتالمتحدة للمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة وشملت نتائجها السلبية الجامعة العربية وغياب دورها الفاعل وانتعش نمو وتطوّر التعاون الإقليمي مع الكيان الصهيوني''. أخذت المخططات الإسرائيلية والأمريكية تتحقّق بعد حرب الخليج الثانية ونتائجها المدمّرة على النظام العربي بانعقاد مؤتمر مدريد 30 / 10 / 1991 وبدء المفاوضات الثنائية ومتعدّدة الأطراف. وقام التصوّر الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط في الكلمة التي ألقاها الرئيس بوش الأب في افتتاح مؤتمر مدريد على تبني الأفكار الإسرائيلية حيث قال عن السلام ما يلي: ''فهو ليس إنهاء حالة الحرب في الشرق الأوسط فحسب وإبدالها بحالة عدم اعتداء، إن هذا ليس كافياً ولن يدوم لكننا نسعى للسلام الحقيقي: المعاهدات، الأمن، العلاقات الديبلوماسية، العلاقات الاقتصادية، التجارة، الاستثمار، التبادل الثقافي وحتى السياحة. وضعت مجموعة الدراسات الاستراتيجية في معهد واشنطن للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تقريراً تحت عنوان ''مواصلة البحث عن السلام'' جاء فيه: ''نهاية الحرب الباردة أوجدت فرصة واحدة للسير في اتجاه إقامة تسوية سلمية شاملة بين العرب و''إسرائيل'' والمصالح الأمريكية لا تزال مرتبطة بشكل حيوي بتلك المنطقة المضطربة، والاتفاقات العربية الإسرائيلية، يمكن أن تساعد على حماية تلك المصالح وتوسيعها، بجمع ''إسرائيل'' وجيرانها العرب والدول العربية في الخليج والمغرب لمناقشة المسائل الإقليمية، وتقدّم المفاوضات متعدّدة الأطراف فرصة لتطوير الرؤية العامة للسلام وخلق ثقة ملموسة ببناء الإجراءات لتوفير الأمن..''. ويعتقد عدد من الخبراء الأمريكيين أن بعض البلدان العربية تحاول إقامة نوع من العلاقة بينها وبين ''إسرائيل'' حيث قال الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، روبرت ستفالو ''إن بعض الدول العربية تريد في هذه المرحلة إدخال ''إسرائيل'' كلاعب رئيسي مباشر، وعلى المكشوف في لعبة توازن القوى والخلافات فيما بينها، وإن ما نراه ليس سوى مقدمة لموجة سيشهدها الشرق الأوسط الجديد تتمثل في قيام الدول العربية ببناء تحالفات بمستويات مختلفة بينها وبين ''إسرائيل'' تستخدمها هذه الدول لمساعدتها في صراعاتها وخلافاتها التقليدية والمعاصرة بين بعضها وبعضها الآخر. ويرجع روبرت ستفالو هذه الظاهرة الجديدة إلى حقيقتين: الأولى: أن ''إسرائيل'' هي القوة العسكرية المهينة في المنطقة والقادرة على ترجيح ميزان قوى بين دولة عربية ضد أخرى. الثانية: أن الكثير من الدول العربية تدرك أن مفتاحها إلى واشنطن موجود في أحيان كثيرة في ''إسرائيل''، وبالتالي على تلك الدول أن تحسن علاقاتها مع ''إسرائيل'' ما أمكن لتضمن علاقة سلسة مع واشنطن، القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم. ووضع البروفيسور الأمريكي برنارد لويس مخططاً للشرق الأوسط نشرته مجلة ''فورين افيرز'' الأمريكية في خريف 1992 تحت عنوان ''إعادة النظر في الشرق الأوسط''، انطلق فيه من التخلي الرسمي عن حلم القومية العربية والمتعلّق بالوحدة وبدولة عربية موحدة أو حتى بكتلة سياسية متماسكة. ورسم شرق أوسط جديد تصل حدوده الجغرافية إلى الجمهوريات الإسلامية المستقلة حديثاً، ويقول باحتمال إلغاء دور العرب في التاريخ الجديد للمنطقة لمصلحة قوى إقليمية أخرى وفي طليعتها ''إسرائيل'' وتركيا. إن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تتماشى جنباً إلى جنب مع الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث تعتبر الدولتان أن المنطقة مجال حيوي للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وتعملان معاً على تصفية قضية فلسطين على حساب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين فيها، وإخضاع الوطن العربي للهيمنتين الأمريكية والإسرائيلية. وقاد اعتماد الاستراتيجيتين على القوة العسكرية إلى حروب ''إسرائيل'' العدوانية والتوسعية واستغلال نتائج الحروب العدوانية، وحرب الخليج الثانية للتحرّك نحو التسوية بالشروط الإسرائيلية والرعاية الأمريكية لإجبار العرب على القبول بالأساطير والخرافات والمزاعم والأكاذيب الصهيونية. وتبنّت الولاياتالمتحدة الموقف الإسرائيلي من النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية والبدء في التعاون الإقليمي قبل التوصّل إلى تسوية سياسية وحتى عدم ربط ذلك بالتقدّم في المفاوضات الثنائية، وصدر في حزيران 1993 تقرير مجموعة هارفارد الإسرائيلية الفلسطينية الأردنية تحت عنوان: ''ضمان السلام في الشرق الأوسط، مشروع حول اقتصاد الفترة الانتقالية. وينطلق التقرير من التركيز على العلاقات الاقتصادية بين سلطة الحكم الذاتي (المفترضة) وبين ''إسرائيل'' والأردن، وإقامة منطقة حرّة بين الأطراف، ومشروعات إقليمية لدمج الاقتصادات الثلاثة. ويتضمن التقرير انضمام مصر وسورية ولبنان إلى منطقة التجارة الحرّة، وأجمع على نقطتين هما: الأولى: حرية انتقال السلع والتبادل الحر. والثانية: هيمنة اقتصاد السوق على اقتصادات الأطراف الثلاثة. ويأخذ التقرير مصالح ''إسرائيل'' بعين الاعتبار، ويدعو إلى إنشاء بنك إقليمي باسم ''بنك الشرق الأوسط للتعاون والتنمية''. وقد تبنّى الرئيس الأمريكي بوش الأب في خطبته الافتتاحية في مؤتمر مدريد المخطط ''الإسرائيلي'' للتسوية والمفهوم ''الإسرائيلي'' للسلام. وأجبرت الولاياتالمتحدة الدول العربية على الدخول، في المفاوضات متعدّدة الأطراف وعقد القمم والمؤتمرات الاقتصادية وإلغاء المقاطعة العربية من الدرجتين الثانية والثالثة. فالولاياتالمتحدة واليهودية العالمية تعملان على دمج المنطقة العربية في الكيان الصهيوني، وليس دمج الكيان الصهيوني بالمنطقة العربية لتثبيته ككيان استيطاني كولونيالي، وعنصري على حساب الأرض والحقوق الوطنية، والقومية والدينية للعرب والمسلمين، وجعله المركز والقائد المهيمن على المنطقة، لنهب مواردها وثرواتها، والمحافظة على تجزئتها وتخلّفها واستمرار تبعيتها للإمبريالية والصهيونية، فالشرق أوسطية ليست مدخلاً للسلام والاستقرار والازدهار والبحبوحة الاقتصادية وإنما تكريس للاغتصاب والاستيطان، يفرضها القوي المنتصر على المهزوم بتسويق أمريكي، وتهديدات ''إسرائيلية'' بشن الحرب على سورية ولبنان واعتداءات مستمرة على الشعبين الفلسطيني واللبناني. تبنّت الولاياتالمتحدة المخططات والمشاريع الإسرائيلية لمستقبل المنطقة العربية ودمجتها في استراتيجيتها الكونية، وعملت ولا تزال تعمل على خدمة مصالحها في المنطقة عن طريق ''إسرائيل'' كأداة عسكرية والمحافظة على تفوقها العسكري، وتأمين السيطرة على منابع النفط وممراته وأسعاره وأمواله، والعمل على التوصل إلى تسوية للصراع العربي الصهيوني، وإقامة النظام الإقليمي الجديد والسوق الشرق أوسطية. ويمكن القول إنه لا يوجد سياسة أميركية تجاه البلدان العربية وإنما سياسة إسرائيلية تتبناها الولاياتالمتحدة الأميركية. الدكتور : حسين غازي