مخالفة واضحة لقانون الانتخابات واستعمال لوسائل الدولة دشنت الساحة السياسية حملتها ب44 تشكيلة حزبية و38 قائمة كان من المنتظر أن تنشط الساحة بمقترحاتها، أي كان يمكن أن يكون للبلاد أكثر من 40 برنامجا سياسيا ومشروع مجتمع في مختلف المجالات، غير أن الوجوه والخطابات التي دخلت بها الأحزاب حملتها جعلتها تفتقر حتى إلى أساليب الإقناع التي تقود المواطن إلى صناديق الاقتراع. معظم الأحزاب تعتمد في خطاباتها السياسية على تكرار خطابات السلطة، فبعد أن منعت وزارة الداخلية استغلال صور رئيس الجمهورية في الحملة عمدت الأحزاب إلى استغلال خطاب بوتفليقة وبرنامجه، فيما تستند أحزاب أخرى إلى الإرث المشترك للجزائريين، مثل الدين وثورة التحرير. فكل الأحزاب تدعي أنها تستند إلى مبادئ أول نوفمبر 54 والشريعة الإسلامية وكأن الشعب يسكن ويأكل ويبني حياته بهذه المبادئ، فكل التشكيلات السياسية التي تخوض سباق التشريعيات إما أنها تكرر خطاب السلطة أو تلجأ إلى نقدها دون تقديم بدائل ومقترحات واضحة لمشاريع المجتمع، ما دفع الشارع الجزائري إلى إعلان القطيعة مع كل الأحزاب على اختلاف مشاربها وشن حملة عدائية ضد الملصقات واللافتات المعلقة في الشوارع على قلتها. في اليوم الثالث للحملة الانتخابية، بدت شوارع العاصمة كأنها غير معنية بسباق التشريعيات، فالمواطنون منصرفون لأشغالهم اليومية بروتين متوارث دون الاكتراث كثيرا بما يدور من لغط سياسي لم يعد أحد يكترث إليه، بدأنا استطلاعنا من حي باب الوادي الشعبي الذي لطالما لبس وجها خاصا في المواعيد الانتخابية الحاسمة، الأمطار تغسل الشوارع كأنها تنتقم من جفاف سنوات لكنها لم تمنع شباب هذا الحي التاريخي الذي يختزل كل ظواهر المجتمع الجزائري، من نصب طاولاتهم على الأرصفة والمناداة على سلعهم المختلفة، في هذا الحي الذي طالما انطلقت منه الأصوات واحتضن التجمعات الشعبية بدءاخارج الحملة الانتخابية ببعض الملصقات القليلة التي لم يكد يمر على تعليقها إلا بضع ساعات حتى قام شباب الحي بإزالتها. ما رأيك في الحملة الانتخابية؟ سؤال تجرأنا وطرحناه على مجموعة الشباب المتجمعين حول إحدى طاولات ألعاب الأطفال وهم يحاولون الاحتماء من الأمطار، كان السؤال كافيا لتنفجر جماعة الشباب بالضحك في وجوهنا وكأنهم يستنكرون هذا السؤال الغبي. أحدهم أخذ الكلمة وقال إلى حد الآن لا يوجد أي حزب أقنعني ببرنامجه أو خطابه. وقال شاب آخر "كل واحد يحوس على مصلحتو أختي لا أحد يفكر فينا نحن"، فيما أضاف ثالث "المصاغر يحتاجو خدمة وسكنة والسياسة خليناها لأصحابها". من باب الوادي إلى ساحة أول ماي إلى بن عكنون، إلى القبة وباقي مناطق العاصمة، كانت الأجواء متشابهة، الشارع غير معني وغير مهتم بما تقوله الأحزاب التي بدأت في شحن بطارياتها في السباق نحو البرلمان. إحدى النساء ممن طرحنا عليهن السؤال قالت "الشارع الجزائري اليوم مهتم بأسعار البطاطا ومنشغل بالبحث عن لقمة عيشه لأنه اقتنع أخيرا أن الأحزاب التي لا تتذكره إلا في المواعيد الانتخابية من أجل الفوز بأصواته". رجل آخر قال إن الأحزاب لا تبحث إلا عن مصالحها بعد أن صار البرلمان والنيابة طريق للثراء. مخالفة لقانون الانتخابات واستعمال لوسائل الدولة برغم القوانين التي سطرتها اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات لخوض الحملة، أبرزها منع استعمال اللغة الأجنبية في مخاطبة الناخبين، وعدم استعمال وسائل الدولة في الحملة الانتخابية، وتجنب استعمال الثوابت الوطنية في الخطاب السياسي، إلا أن الواقع سجل عدة تجاوزات مثل استعمال اللغة الفرنسية في مخاطبة الهيئة الناخبة كما فعل عمارة بن يونس في إحدى تجمعاته، وكما فعل عبد الله جاب الله الذي قدم في إحدى تجمعاته خطابا يدعي فيه أن حركته ستسعى لتقديم مشروع قائم على الشريعة الإسلامية المبعدة من التشريع لصالح القانون الوضعي، كما سجلت الحملة أيضا استعمال وسائل الدولة لصالح مرشح معين وهي الخطوة التي قام بها وزير الأشغال العمومية عمر غول المرشح عن قائمة الجزائر الخضراء الذي استغل الطريق السيار شرق - غرب في ملصقاته الإشهارية، وبعدما لجأ إلى تدشين نفق بوزڤزة عشية انطلاق الحملة. من جهة أخرى كشفت قوائم بعض الأحزاب أكثر من اسم من نفس العائلة فجاب الله رشح زوجته وصهره وقائمة الحزب الوطني للتضامن والتنمية للعاصمة حملت اسمين من نفس العائلة أيضا. من بين الظواهر التي أفرزتها الحملة للتشريعيات أيضا، العودة لاستعمال المقاهي لحشد أصوات الناخبين فقد لجأ جيلالي سفيان رئيس حزب "جيل جديد" في خرجاته الميدانية إلى عقد تجمعات في مقاهي الأحياء الشعبية لشرح برنامجه للناخبين. الصحفي أحمد بن صبان من جهته يعول على المقاهي للوصول إلى البرلمان. المقاهي التي كانت من قبل فضاءات ثقافية كثيرا ما لعبت دورا كبيرا خاصة في فترة حرب التحرير حيث احتضنت المقاهي الحركة الوطنية والنضال السياسي، حتى أن بعض هذه المقاهي اشتهرت كفضاءات ثقافية وسياسية مثل "اللوتس"، طونطونفيل والاجتهاد بالعاصمة ونجمة بقسنطينة؛ حيث كانت هذه الأماكن لا تصنع فقط الرأي العام لكنها تسوق القيم وتساهم في توزيع الأدوار الاجتماعية وحتى في حل مشاكل الناس وعقد الصفقات والزواج والطلاق والبيع والشراء قبل أن تصبح في زمن الانفتاح والعولمة مقاهي "اشرب واهرب" أين صارت مجرد فضاء لاحتساء مشروب ما قبل أن تعيد لها حملة التشريعيات بعض أدوارها المفقودة. جاب الله مغرور، غول ما زال وزيرا ولويزة حنون تدعو للقطيعة بإلقاء نظرة على الملصقات الإشهارية للأحزاب والتشكيلات السياسية التي دخلت حملة التشريعيات، نستنتج شيئا واحد ا هو أن أحزابنا لا تتقن بعد الماركتينغ السياسي، فالملصقات لا تحمل أي فنيات في التسويق السياسي، سواء من ناحية تقديم الأسماء والشعارات أو اختيار الألوان. فقائمة جبهة التحرير الوطني بالعاصمة لا تحمل أي تصميم خاص واكتفت بعرض صور المرشحين بطريقة الصور المعدة لبطاقات الهوية، لا تثير فضول المواطنين أما صور عمر غول المرشح في قائمة الجزائر الخضراء فإنها توحي بأن صاحبها لا يقيم نفسه كمرشح للبحث عن أصوات الناخبين، لكن كوزير بعد أن عمد إلى استغلال صور الطريق السيار في ملصقاته التي غابت عنها الأسماء الأخرى. أما الشيخ جاب الله الذي فضل أن ينزل لحشد الدعم للحزب بنفسه عوض ترك الأمر لممثليه، ففضل أيضا أن يقدم صورته منفردة دون إدراجها ضمن القوائم، وقد ظهرت صورة جاب الله التي حاول فيها أن يجسد عبرها الأصالة والمعاصرة بجمعه بين القبعة وربطة العنق تظهر شيخ جبهة العدالة والتنمية كخيار غير قابل للمناقشة. أما ملصقة حزب العمال التي أظهرت لويزة حنون وخلفها الشارع حاملة شعارا غير مفهوم بحيث ظهرت عبارة "للقطيعة" بخط كبير ومتموقع بمسافة عن الشعار الآخر "انتخب حزب العمال" بحيث يفهم أن لويزة تدعو لمقاطعة الانتخابات.