كثيرة هي الصيدليات وكذا العيادات الطبية التي تم إنشاؤها واتنشرت بشكل رهيب في السنوات الأخيرة، ما يعكس فاتورة الدواء الذي تستورده الجزائر. ولأن مهنة الطبيب والصيدلي تحتاج إلى شخص مؤهل علميا وذي دراية كبيرة بالأدوية، ونظرا لقلة عدد الصيادلة، تحتم على أصحاب المهنة الاستعانة ببعض الممرضين خارج أوقات عملهم. فهل هي الحاجة للمال أم مجرد سد للفراغ؟ يعمل العديد من الممرضين في الصيدليات خارج وقت الدوام، في شكل منفعة متبادلة، فالممرض يوفر مزيدا من النقود الإضافية، في حين صاحب العيادة أو الصيدلية يضمن السير الحسن لمصلحته في ظل وجود عامل مؤهل في هذا المجال، علما أن مهنة الممرض تقتضي العمل 24 ساعة والاستراحة لمدة يومين. من أجل الإجابة على هذا التساؤل، كان لنا أن نجوب الكثير من محلات الصيادلة وسؤال أصحاب الشأن، وهو أمر فيه نوع من الصعوبة في ظل تكتم معظم الأطباء والممرضين العاملين لديهم عن مهنتهم الحقيقية حياء أوخوفا من كشفهم للراي العام. بداية استطلاعنا كانت من إحدى الصيدليات الواقعة وسط مدينة المدية، دخلناها على أساس أننا زبائن حاملين معنا وصفة طبية وهمية، وقبل تقديمها للصيدلي حاولنا أن نوهمه أننا شاهدناه في مستشفى المدينة، حتى أزج به في الموضوع. حينذاك سألته عن الكثير من الممرضين الذين يشتغلون في أوقات فراغهم في بيع الأدوية لدى الصيادلة الخواص، فرد علينا بصراحة بأن الأمر حاصل منذ أمد بعيد، مضيفا أن الكثير من الممرضين يمتهنون بيع الدواء. وعند سؤالنا عن السبب قال إن الحاجة وعدم كفاية راتبهم الشهري وراء ذلك. إجابة الصيدلي الممرض الصريحة دفعتني إلى سؤاله عن المبلغ الذي يتقاضاه بالإضافة إلى المدة الزمنية التي يعمل فيها، فأجاب أنه يشتغل عند صاحب العمل بصفة غير قانونية نظرا لأنه ممرض بالمستشفى ومصرح به لدى مصالح الضمان الاجتماعي، أما عن الأجرة اليومية التي يتقاضاها فهي تتراوح بين 450 إلى 600 دج حسب المدة الزمنية. استفسرته عن مدى رضاه بهذا المبلغ في الوقت الذي لا يقل الراتب الحقيقي للصيادلة عن 1000 دج يوميا، فرد أنه ونظراؤه من الممرضين يعتبرونها مرضية نظرا لكونها أجرة إضافية وليست أساسية. من جانبه، رابح 51 سنة، صاحب صيدلية، صرح لنا عند سؤاله عن سبب توظيف هذه الفئة، أنه يثق في الممرضين أكثر مما يثق بالمتخرجين الجدد نظرا لخطورة الخطأ في شرح كيفية شرب الأدوية للمريض، نظرا لقلة خبرة الجدد من جهة وتسرعهم في قراءة وصفة الدواء من جهة أخرى، ما يوفر على صاحب الصيدلية الوقت والمال.. غادرنا الصيدلية واتجهنا إلى إحدى العيادات الطبية الخاصة، حيث التقينا كمال، ممرض لدى أحد الاطباء المختصين في العيون. رفض الحديث معنا متحججا بكثرة المرضى وحولنا مباشرة الى الطبيب الذي شرح سبب توظيفه لممرض يعمل في المستشفى، قائلا إنه بحث مليا ووظف الكثير من الأشخاص قبل كمال، إلا أن الجميع لم يكونوا في المستوى المطلوب، بسبب عدم تعاملهم الحسن مع الزبائن من جهة أولجهلهم كيفية التعامل مع الحالات المستعصية، عكس كمال الذي وجد فيه جميع الشروط المناسبة. وقبل خروجي من عند الطبيب تبادر إلى ذهني سؤال عن مدى علمه بمخالفته لقوانين وتشريعات العمل في مجال التوظيف، فاجاب أنه على علم بمخالفته ولكن لم يجد البديل، وإنه مستعد لتنفيذ القانون في حال ما تم ضبطه في وضعية المخالف من قبل مصالح الرقابة. حتى مخابر التحاليل والتصوير الطبي استنجدت بهم لم تقتصر ظاهرة اشتغال الممرضين خارج أوقات عملهم الفعلية في الصيدليات والعيادات الطبية الخاصة فقط، بل تعدت إلى مخابر التحاليل الطبية ومراكز التصوير الطبي. وبالرغم من قلة عدد هذه المخابر بولاية المدية إلا أن معظمها تشتغل في ظل غياب اليد العاملة المؤهلة في هذا المجال. صادفنا بإحدى المخابر الطبية، أمينة، 25 سنة، إحدى الممرضات اللواتي فضلن العمل في وقت استراحتها لدى صاحب هذا المخبر لكسب المزيد من المال، خاصة أنها مقبلة على الزواج هذه الصائفة كما قالت وأنها اضطرت للعمل لشراء جهاز عرسها. تضيف أمينة أنه رغم الزيادة المحسوسة في الأجور إلا انها لم تستطع بأجرها الشهري شراء ما تريده من مصوغات بعد أن بلغ سعر الذهب مستويات قياسية، وهي التى لا تتقاضى سوى 35 ألف دج. أثناء إعدادنا لهذا الاستطلاع، صادفتنا حالات في بعض العيادات والمخابر الطبية وكذا الصيدليات ممن يشتغلن عمالا مؤمنين على عاتقهم بالإضافة إلى تشغيل عمال في إطار جهاز المساعدة على الادماج المهني، واختلفت إجاباتهم، فمنهم من دفعته الحاجة ومنهم من يريد أن يسد وقت فراغه، ومنهم من يساعد زميلا له بدون أجر.. إلا أن معظم الممرضين كانت إجاباتهم تصب في قالب واحد هو زيادة مصروف الجيب، رغم أن هذه الفئة، كغيرها من الفئات، استفادت من زيادات في الاجور ومخلفات مالية بأثر رجعي بداية من جانفي 2008..