كان هَنْرِي مُنْدُوزْ أستاذًا بجامعة الجزائر العاصمة عندما اندلعت الثورة الجزائرية في أول نوفمبر من سنة 1954. ويشهد زملاؤه وطلبته ومن عرفوه من معاصريه، أنه كان أول أستاذ فرنسي اهتم بأوضاع الطلبة الأهالي، سواءً أكانت تلك الأوضاع علمية أو اجتماعية أو حتى سياسية، فإن الأستاذ هَنْرِي مُنْدُوزْ، كان يقف دوما في صف الطلبة الجزائريين فيدعم مواقفهم أو يساعدهم على تخطي عراقيل الإدارة الفرنسية أو يدافع عن حقوقهم الإنسانية، أو حتى تلك الاجتماعية البحتة منها، وحيث كان وبشهادة حتى أعدائه يصرف المال من جيبه لدفع الفقر والضنك عن بعض الطلبة الجزائريين الفقراء. - ما ضاعف قلق الإدارة الفرنسية أكثر هو اتصال الأستاذ هَنْرِي مُنْدُوزْ بالكشافة الإسلامية وجمعيات حقوق الإنسان في الجزائر. ذلك أن هذا الأستاذ الكبير كان قد أصبح، منذ سنة 1950، رمزا مهما للأقلية الأوروبية التي كانت تطالب بمساواة الجزائريين مع الأوروبيين في جميع الميادين بما فيها تلك التي كان المستعمِرون يعتبرونها سياسية أي خطوة على وجودهم في الجزائر. كان الأستاذ هَنْرِي مُنْدُوزْ من أوائل الفرنسيين في جامعة الجزائر من حيث الاهتمام باللغة العربية وتدريسها ومن حيث الاهتمام بالتراث الجزائري، قديمه وحديثه، فقد تعلم اللغة العربية وأتقنها وأصبح يدرسها في المدارس الفرنسية الإسلامية (les lycées franco-musulmans). كما أن أطروحة دكتوراه في الآداب كانت حول "اعترافات القديس الجزائري سَانْ أُوغِسْطِينْ". ما أًنْ حلت سنة 1956، حتى هاجمت الشرطة الفرنسية منزل الأستاذ هَنْرِي مُنْدُوزْ. اعتقل الباحث الكبير مدة شهر، ثم أُطلق سراحه بكفالة، لكن ذلك لم يثن من عزيمته ولم يجعله يغير موقفه. الأستاذ هَنْرِي مُنْدُوزْ حق الجزائريين في الحرية والإستقلال ودعم الثورة الجزائرية بالفكر والمال. وكان من خيرة سفرائها الأوروبيين الذين دافعوا عنها في جميع المحافل الفكرية والسياسية. كان يكتب المقالات القوية التي تشيد بحق الشعب الجزائري، كما كان خطيبا، ومحاميا لا يشق له غبار في الإستماتة من أجل تحرير الجزائريين وجلاء الجيوش الفرنسية عن أرض المليون ونصف المليون شهيد. كرّمت الجزائر المستقلة الأستاذ هَنْرِي مُنْدُوزْ في عدة مناسبات كان آخرها إشرافه على الملتقى الدولي الكبير الذي أقيم بالجزائر وعنابة وسوق أهراس عن الفيلسوف العلامة القديس "سَانْ أُغِسْطِينْ".