''هل تعبرّ الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية عن الهوية المحلية؟'' هي الإشكالية الأساسية التي حاول الإجابة عنها أساتذة جامعيون وكتاب في اليوم الدراسي الذي نظمه أول أمس المجلس الأعلى للغة العربية بفندق الأروية الذهبية تحت عنوان ''الرواية بين ضفتي المتوسط''. وفي هذا السياق، أكد الأستاذ عبد الله العشي في مداخلة بعنوان ''هوية واحدة وروايتان، أية علاقة؟''، أن الحديث عن الهوية في الرواية الجزائرية قد تأخر كثيرا، وأن التعبير عن هوية واحدة بلغات متعددة، يصيبها بالتمزق، وأن اللغة الفرنسية ليست غنيمة حرب ولا يمكن أن تعبرّ عن الهوية باعتبار أنها ليست لغة الجزائريين، وأضاف الأستاذ أن اللغة تشكل بعدا أساسيا من أبعاد الهوية، وتنتمي إلى خصوصيات المجتمع الدينية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية، متسائلا في الصدد نفسه ''كيف أفكر بلغة واكتب بلغة أخرى؟''، وبالمقابل أكد الأستاذ أن الحديث عن الهوية جاء متأخرا في زمن أصبح فيه الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والتعليم والعولمة. من جهته، أشار الأستاذ الطاهر رواينية في محاضرة ''مقاربة في الخطاب الروائي الجزائري'' أن الكتابة بلغة أجنبية لا يمكن أن تعبر عن إثنية دولة أخرى، معتبرا أن استعمال اللغة الفرنسية في عهد الاستعمار أملته ظروف معينة بحكم أن اللغة العربية كانت مقصاة حينها، وتساءل ''لماذا استمر الجزائريون في الكتابة باللغة الفرنسية بعد الاستقلال؟'' وأضاف ''لماذا توقف مالك حداد عن الكتابة بعد الاستقلال لأنه كما قال لا يستطيع أن يكتب بلغة الأم، بينما واصل محمد ديب الكتابة قائلا انه لا ينتمي إلى الأدب الفرنسي؟''. واعتبر رواينية أن اختيار كتاب آخرين للكتابة باللغتين العربية والفرنسية، يعود إلى هاجسهم في الوصول إلى جمالية مزدوجة والمرور إلى الآخر، إلا أن هذا يؤدي -حسب المتحدث- إلى الوصول إلى خطاب ثنائي يؤدي إلى اهتزاز استقرار الهوية، مؤكدا في السياق نفسه أنه من خلال تجربته في دراسة كتابة المغاربة باللغة الفرنسية، استنتج أنهم يكتبون العربية باللغة الفرنسية. أما الأستاذ إبراهيم سعدي فقد أشار في مداخلته ''الرواية الفرانكفونية بوصفها نصا متعدد الثقافات''، إلى أنّ اللغة ليست المكوّن الثقافي الوحيد والأهم الذي يعنينا داخل النص السردي، وأن البعد الثقافي الخصوصي للفضاء يبقى قائما ولو كتب بلغة الآخر وشخوص الأحداث أيضا تعبر عن الهوية، باعتبار أنّ النص السردي ينتمي إلى ثقافة مجتمعه، حتى ولو كتب بلغة الآخر. وأكد سعدي أن النص الجزائري الفرانكفوني هو نص إبداعي تلتقي فيه العديد من الثقافات، أهمها الثقافة العربية الإسلامية والأمازيغية متمثلة في شخوص والمعتقدات والحياة اليومية والفضاء الجغرافي إلى جانب ثقافة مجتمع الآخر المتمثل في لغة الكتابة. في إطار آخر، تناول الأستاذ عبد العزيز بوباكير مسألة التلقي الروسي للأدب الجزائري باللغتين فقال أن النقاد الروس لم يفرّقوا بين الأدب الجزائري المكتوب بالعربية والأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية واعتبرهما فرعين من ظاهرة واحدة رغم اختلاف اللغة والوسائل الفنية وكذا وسيلة للإسهام في كفاح الشعب الجزائري من أجل الاستقلال وبناء مجتمع جديد. وأضاف بوباكير أنّ النقاد الروس اعتبروا أن الأدب الجزائري لا يضم أعمال الكتاب ذوي الأصل الفرنسي أو أدب المتجزئين أمثال كامو وروبلس رغم اعتبار هؤلاء الجزائر موطنا لهم وموضوع إلهامهم، كما استنتجوا أن المظاهر الخارجية للأدب الجزائري المعبرّ بالفرنسية وتشابهه الشكلي مع الأدب الغربي لا ينزع عنه مسألة تعبيره عن القضايا الوطنية وأدائه للمهمة التاريخية المتمثلة في تحوله إلى صوت للشعب الجزائري أثناء نضاله المناهض للاستعمار. وأشار بوباكير إلى أن البحوث الروسية في الأدب الجزائري مستمرة إلى يومنا هذا وقد اتخذت في الآونة الأخيرة طابع التخصص والتعمق أكثر في مسائل جوهرية في سيرورة تطور هذا الأدب مثل التناسب بين التقليد والتجديد والتاريخ لهذا الأدب ودراسته من الناحية التصنيفية ومقارنته بالآداب الأخرى (المغاربية والإفريقية) وتحليله كأدب موجه للنخبة وأدب موجه للجماهير. من جهتها، تحدثت نصيرة عشي عن ''الهوية في الرواية الجزائرية''، فقالت أنّ اللغة تمثل جزء من الهوية مثل العرق والدين مضيفة أن هناك دول تتعامل بلغات متعددة كسويسرا وبلجيكا، واستعمال الكتاب الجزائريين للغة الفرنسية كان إما اختياريا أو أنها فرضت عليهم، مشيرة إلى أنه في البداية كان استعمالهم لهذه اللغة بسبب حتمية الاستعمار، بيد أن الفئة الثانية التي استعملت هذه اللغة في كتاباتها كانت بطريقة اختيارية وبالضبط في مرحلة الإرهاب، وقالت أنه كلما حدثت أزمة تاريخية في الجزائر، كلما كان هناك هروب من الوطن إلى لغة أخرى وبالضبط إلى اللغة الفرنسية. وعن واقع الترجمة في الرواية الجزائرية، تحدث الأستاذ محمد تحريشي في مداخلة بعنوان ''يسمينة خضراء مترجما، خرفان المولى نموذجا''، فقال أن الترجمة ليست سهلة باعتبار أن هناك ثلاثة مستويات للغة العربية وهي لغة البيت ولغة الشارع ولغة المدرسة، مضيفا أن محمد ساري وجد صعوبات في ترجمة رواية ''خرفان المولى'' لياسمينة خضراء، ''لأنه من الصعب تجسيد ترجمة بالمكافئ وبالأخص عندما يتعلق الأمر بالحكم والأمثال والتراكيب اللغوية اللسانية الخاصة بكل لغة''. ومن جهتها، سلّطت آمنة بلعلى الضوء في مداخلتها ''الهوية الثالثة في الرواية التاريخية''، على روايتين وهما ''الأمير'' لواسيني الأعرج باللغة العربية و''ثاغطست القديس أغسطين بالجزائر'' لمصطفى كبير عمي باللغة الفرنسية، وقالت المحاضرة أن الهوية الثالثة في رواية واسيني تتمثل في الحوار بين الحضارات والأديان بينما تمثل في رواية مصطفى كبير، خصوصيات الثقافة، بالمقابل تحدثت الأستاذة نورة بعيو عن موضوع ''الماهية والهوية في الرواية الجزائرية''، فقالت أن هناك العديد من الروايات أثبتت أن أصحابها وان هم في صميم الفكر العولمي إلا أنهم متميزون جدا في هذه الإبداعات، حيث ثمة علامات تحول دون إخراج هؤلاء الكتاب من دائرة انتمائهم إلى المجتمع الجزائري بهوية مستقلة ومحددة المعالم مثل روايات الطاهر وطار، جيلالي خلاص، أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج.