أشم رائحة صفقة في المحاكمة التي جرت أمس بالقاهرة, والتي حكم فيها بالمؤبد على الرئيس مبارك وأخلي سبيل نجليه. توقيت المحاكمة في حد ذاته فيه "إنّ", لأنه جاء أسبوعا قبل الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية, ويكون الحكم بالمؤبد على مبارك جاء لامتصاص الغضب الشعبي, ويكون من إملاء "الريس" نفسه, اختار هو لنفسه المؤبد لأنه بلغ من العمر عتيا, بينما اختار لنجليه الحرية, في صفقة واضحة. لكن هذا لن ينطلي على الشعب المصري, الذي رفض هذا الحكم, خاصة لتبرئة ذمة نجلي مبارك, وهما من وقفا وراء جريمة واقعة الجمل التي راح ضحيتها العشرات من شباب ميدان التحرير. والحكم بالمؤبد على مبارك جاء لغايتين, الأولى وهي إن فاز شفيق في سباق الرئاسيات, وهو الاحتمال الغالب, لن يجد نفسه مجبرا على معالجة هذه القضية, لأنه مهما كان منطوق الحكم, سيتهم شفيق بتبرئة ذمة آل مبارك. والغاية الأخرى, هي لإعادة ثقة المواطن المصري في بقايا النظام حتى يحثهم على التصويت لمرشحه شفيق, اعتقادا منه أن مجرد الحكم على مبارك هو إعلان عن قطيعة مع نظامه. لكن الشعب المصري فهم اللعبة, وعرف أن كلا من الحكم والمحاكمة هو مجرد "فزورة" يراد بها الضحك على ذقن الشعب المصري, لتمرير مرشح العسكر والخروج من مأزق السلطة الذي مازال معلقا منذ استقالة مبارك في 11 فيفري من السنة الماضية. وعندما يقول أيمن نور إنه سيصوت لمرسي, ليس حبا في مرسي وإنما حفاظا على ما تبقى من الثورة, يفهم من هذا أن طبخة النظام "بازت" على حد التعبير المصري, والصفقة التي استفاد منها نجلا مبارك قد لا تعود بنتيجة على السلطة في مصر, لأن الشعب المصري سيصوت لمرسي انتقاما من السلطة, ويا ليت يحافظ أيمن نور وأمثاله عما تبقى من الثورة, لأنه إن فاز مرسي, على هذه الثورة وكل الثورات الأخرى السلام. لكن الحق يقال, إن مبارك مهما كانت دكتاتوريته ومحاولات التوريث التي خططت لها زوجته وقضايا الفساد التي أغرق فيها نجلاه مصر, يبقى أفضل حالا بكثير من نظيره السوري أو حتى القذافي اللذان جنيا على بلديهما, الأول بإعلان حرب قذرة على شعبه وراح يقتل الأطفال مثل الكبار, والثاني عندما عرّض بلاده لاستعمار حقيقي وفتحها على كل المخاطر, وعندما أعلن هو الآخر الحرب على شعبه, في محاولة يائسة للحفاظ على العرش. مبارك على الأقل استقال وسلم مصيره للأمر الواقع, وقبل المحاكمة حتى وإن كانت صورية, ولم يجن على بلاده ولم يدخلها حربا أهلية مثل تلك التي تأكل أوصال ليبيا وسوريا اليوم. على كل, فإن الحكم على مبارك بالمؤبد معناه تحنيط آخر الفراعنة, وكل ما نتمناه لمصر أن لا يجعل أهلها من قبره مستقبلا هرما رابعا في مصر, إن ضاعت فرصة التغيير التاريخية من أيديهم.