هل بدأت فعلا معركة دمشق مثلما تنقله إلينا الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى؟! فمنذ سنة بالضبط سمعنا أخبارا مشابهة عندما بثت الفضائيات ما تدعي أنه حسم لمعركة طرابلس، وبينت الأحداث فيما بعد - مثلما أكده عبد الجليل - أنها مجرد خدعة لإجبار بقايا المساندين للقذافي والمترددين للتخلي عنه. فهل معركة دمشق مرادف آخر لمعركة طرابلس وحتما ستنتهي نهاية مأساوية بالنسبة لبشار ونظامه مهما طال الزمن؟! فمنذ مساء الأحد، والمعارضة السورية تردد على أمواج الاذاعات والتلفزيونات أن معركة الحسم بدأت من أجل "تحرير دمشق". وفعلا "تتوج" المعركة بمقتل رقم صعب في معادلة النظام، وزير الدفاع السوري داوود راجحة، وليس مصادفة أن يكون مقتل وزير الدفاع في هذا التاريخ، فإن المعارضة تكون بهذا الاغتيال، تحتفل على طريقتها بالذكرى ال12 لاعتلاء بشار الأسد عرش سوريا خلفا لوالده حافظ الأسد. من جهتها إسرائيل التي تراقب ما يحدث في سوريا وفي دمشق تحديدا باهتمام زائد، استدعى رئيس هيئة أركان جيشها الجنرال بني غاتيس، اجتماعا طارئا لتقييم الوضع في سوريا، حضره كبار قادة الجيش والاستخبارات، ليس لأن هيلاري كلينتون التي زارت منذ يومين إسرائيل بعد محطة لها في القاهرة، طمأنت الإسرائيليين وقالت لهم إنه على إسرائيل أن تستغل الوضع وتستفيد من الربيع العربي، بل أيضا لأن رئيس المخابرات الإسرائيلي، أفيف كوشافي، شبه ما يجري في سوريا الآن، بما حدث في العراق، وقال إن سوريا تعيش "عرقنة" مفتوحة على كل المخاطر، ولاشك حسبه أن تصبح قاعدة خلفية لعناصر القاعدة والجهاد العالمي. نظام الأسد لن يصمد طويلا بعد الآن، إذا ما قسنا ما يحدث في سوريا بما حدث في ليبيا، وقد تكون هذه الساعات الأخيرة له، لكن لا شيء يؤكد أن الأيام المقبلة على سوريا ستكون بردا وسلاما على البلاد، ورحيل الأسد لم يخفف من أزمة سوريا، التي قد تكون الشرارة التي ستلهب المنطقة، وتنذر بأيام عصيبة على سوريا، مثلما على لبنان وحتما على إسرائيل. فعندما يقول قائد الجيش الحر الذي تبنى مقتل وزير الدفاع السوري، "ترقبوا مفاجآت في سوريا" يوما قبل مقتل الوزير، فهل هذا يعني أن مخطط تحرير البلاد يشمل الجولان أيضا، خاصة وأن الأسد استدعى جيوشه المرابطة على الهضبة المفقودة، لإحكام قبضته على العاصمة التي يبدو أنها بدأت تخرج من سيطرته حارة حارة. فهل السرعة التي عوض بها الأسد وزير دفاعه في نفس الساعات التي أعقبت اغتيال الأول، تعني أن نظام الأسد كان مستعدا لمثل هذه الصدمات، أم أنه ومثلما ادعت بعض الأوساط هو من ضحى بوزير دفاعه لأنه علم أنه سيتخلى عنه ليلتحق بالجيش الحر. مهما كانت حقيقة ما يحدث في سوريا، فإن الأراضي السورية ستكون مرة أخرى مسرحا لصراع القوى الكبرى العالمية، هذا الصراع الذي بدأ يتخذ منحى العنف والصدام لأول مرة في المنطقة منذ انتهاء الحرب الباردة، لأن ما يجري في الوطن العربي من ثورات مزعومة، على الأنظمة التي كانت تدور في فلك المعسكر الشرقي، ما هي إلا نتيجة للحرب الباردة جاءت متأخرة، بعدما انتهى الغرب من تبعات الصراع على منطقة البلقان وأوروبا الشرقية. سوريا عراق أخرى، وستنسينا أحداثها لفترة أخرى، ما يحدث في العراق من مجازر ومن صراع طائفي، قبل أن ننتبه للأمر وندرك أن الخاسر هو المشروع العربي الوطني. والخاسر الأكبر هو الشعوب في المنطقة؟!