إطلاق مصحفين الكترونيين ومصحف الجزائر بالخط المبسوط    برنامج هواوي "بذور للمستقبل" بالجزائر: تكريم 50 طالبا    حفل الجوائز الأولمبية الإفريقية: تكريم الجزائريتين إيمان خليف وكيليا نمور    منع الاحتلال المغربي وفدا حقوقيا دوليا من دخول العيون المحتلة انتهاك "سافر" و"صارخ" للقوانين الدولية    مجمع "صيدال" يطمح لرفع رقم أعماله إلى 35 مليار دج في 2025    حج 2025: انطلاق عملية حجز تذكرة السفر إلى البقاع المقدسة غدا الإثنين    برنامج عدل 3: تحميل الملفات عبر المنصة الرقمية غير مرتبط بأجل محدد    الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": مولودية الجزائر تتعثر أمام اتحاد خنشلة (2-2) وتضيع فرصة تعميق الفارق    كاراتي دو/الرابطة العالمية: الجزائرية سيليا ويكان تحرز الميدالية الذهبية    وزارة الصحة تذكر بضرورة التقيد بالإجراءات المعمول بها في عمليات ختان الأطفال    الدروس المحمدية: إبراز مناقب الشيخ محمد بلقايد ودوره في تربية المريدين    افتتاح ليالي أولاد جلال للفيلم الثوري الجزائري لإحياء عيد النصر    الدفع عبر النقال: التحويلات بين الأفراد ترتفع بأكثر من الضعف في 2024    المؤتمر العالمي للنساء البرلمانيات: الجزائر الجديدة المنتصرة وفية لالتزاماتها بتمكين النساء وترقية حقوقهن    رابطة علماء فلسطين تدين تصاعد انتهاكات الاحتلال الصهيوني في المسجد الأقصى وتدعو لنصرته    الإذاعة الثقافية تنظم ندوة فكرية بمناسبة الذكرى ال 63 لاغتيال الأديب مولود فرعون    التلفزيون الجزائري ينقل جمعة مسجد باريس    دعوة إلى تسهيل حياة ذوي الاحتياجات الخاصة    والي العاصمة يعاين أشغال إعادة تهيئة حديقة وادي السمار    لِرمضان بدون تبذير..    2025 سنة حاسمة للجزائر    غزّة جائعة!    بنو صهيون يقتلون الصحفيين    يوسف بلايلي.. العائد الكبير    تصريح مثير عن صلاح    الملالي: أحلم بالتتويج بلقب مع المنتخب الوطني    توتنهام الانجليزي يدخل سباق ضم ريان آيت نوري    استحداث 5 ثانويات جهوية للرياضيات    "بريد الجزائر" يلتزم بخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة    شؤون دينية: تحديد قيمة زكاة الفطر لهذا العام ب150دج    مديريات لتسيير الصادرات ومرافقة المتعاملين    أهمية إرساء قيم الاخلاق التجارية الاسلامية    مساع لإنصاف فئة ذوي الهمم    حجز 6 أطنان مواد استهلاكية فاسدة    ملتزمون بدعم آليات التضامن والتكفّل بذوي الهمم    باريس تغرق في شبر من ماضيها الأسود    وزير المجاهدين يشرف على إجتماع لمتابعة تحسين وتحديث آليات الإتصال الإداري    أرشيف لأول مرة على التلفزيون الجزائري    الحقن وطب الأسنان لا يفسدان الصيام والمرضع مخيَّرة بين الفداء أو القضاء    تعزيز التعاون الجزائري التونسي في قطاع التضامن    "التاس" تصدر قرارها النهائي غير القابل للطعن    الجوية الجزائرية تذكّر بالزامية اختيار رحلة الحج    وقفة إجلال أمام عزيمة ذوي الاحتياجات الخاصة    ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد : الفنان مبارك دخلة يطرب الجمهور بباقة من اغاني المالوف    لمواكبة التحولات الرقمية.. دعوة إلى عصرنة المركز الوطني للسجل التجاري    هنأ رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.. رئيس الجمهورية يهنئ السيدة حدادي بمناسبة تنصيبها ومباشرة مهامها    حج 2025:اختيار رحلة الحج نهائي وغير قابل للتغيير    شرفة يترأس اجتماعاً    هكذا تحارب المعصية بالصيام..    المسابقة الوطنية في تجويد القرآن "قارئ تلمسان": تكريم الفائزين بالمراتب الأولى    حج 2025: اختيار رحلة الحج نهائي وغير قابل للتغيير    الدكتور بوزيد بومدين يدعو لفتح نقاش علمي تاريخي اجتماعي    "حماس" تدعو للتفاعل مع تقرير لجنة التحقيق المستقلة    إدراج مكتب أعمال دنماركي في القائمة السوداء    "الطيارة الصفراء" تمثّل الجزائر    حفظ الجوارح في الصوم    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    نزول الوحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادة من عاصمة الجزائر 16 / 03 / 1960
أرشيف الخمسينية

تزعم الحكومة الفرنسية أن "المنظمة الخارجية للثورة" أي الحكومة الجزائرية لا تمثل آراء الجماهير الجزائرية في الداخل كما تزعم أن ديغول لم يغير سياسته بشأن تقرير المصير، وهذا مراسل مجلة "لكسبريس" في عاصمة الجزائر يدلي لقراء المجلة بشهادة يمكن اعتبارها ردا على كلا الزعيمن، فهو من ناحية يصف لنا مشاعر الجزائريين إثر تصريحات ديغول الأخيرة ومن ناحية أخرى يبرز لنا التحول الذي أدخل على سياسة تقرير المصير.
"إن الجنرال ديغول أصبح سجينا!"
هذه الجملة ترددت في قصبة العاصمة الجزائرية في أواخر الأسبوع الماضي، لقد تجولت في هذه القصبة ساعات طويلة بين أهاليها الذين يتهارعون إلى قضاء مآربهم واستكمال مشترياتهم قبل غروب الشمس حيث يعود كل واحد منهم إلى بيته لتناول "الشربة" وتدخين السيجارة الأولى، لقد تجولت في أنهج القصبة الضيقة ولكني وجدت من الصعب الاجتماع ببعض الجزائريين في المقاهي التي تفتح أبوابها وتنثر كراسيها عند اقتراب "المغرب" ذلك أن في هذه الساعات لا ترى إلا جموع الأطفال، ولا تسمع إلا صياحهم وهم يتنقلون من مكان إلى آخر ولا يستمعون لتحذيرات وتهديدات الرجال الذين يطاردونهم بدون جدوى كما يطارد الذباب، والواقع أن من يشاهد هؤلاء الصبية يشعر أن الحياة تكمن فيهم وأنهم يمثلون فوق كل شيء سادة المستقبل وأن إرادتهم هي التي ستنفذ وتفوز على كل الحلول المتناقضة، ولكن في انتظار تصاعد الأجيال الجديدة هناك الكهول أي الذين تزيد أعمارهم على العشرين وهناك هؤلاء الكبار الذين يتبادلون نظرياتهم حول مشاكل الساعة مرددين عبارة واحدة "إنه أصبح سجينا!". سجين من؟ بطبيعة الحال سجين العسكريين الفرنسيين الذين استقبلوه في أرض الجزائر وحملوه من مركز إلى آخر في طائرات الهيليكوبتر، إن الجزائريين لم يعودوا يفهمون "ديغولهم" ولا يتصورون أنه تخلى بمحض إرادته عن قضية السلام، إنهم يعتقدون أنه اضطر إلى ذلك بحيث صار يؤكد تسوية تمر بسحق الثوار وأن ذلك سيستغرق سنوات أخرى.
وقد أردت أن أدقق في مدى التأثير الذي أحدثته تصريحات ديغول فسمعت من أحد الوطنيين المعتدلين هذا القول: "إنه يحق للجبهة أن ترقص فرحا، إن تصريحات ديغول بمثابة الإسمنت الذي يصحح من جديد تضامن الشعب الجزائري من المجاهدين، ولا أقصد من هذا القول أن الجماهير الجزائرية كانت بعيدة عن الجبهة ولكني أعني فقط أن سياسة الجنرال ديغول وضعت لأول مرة سياسة الجبهة في مأزق واضطرتها إلى تغيير التكتيك، أي أن كثيرا من الجزائريين أخذوا يلاحظون عجز الجبهة في الخروج من الحرب بينما أظهر ديغول قدرته في 24 جانفي وأعرب عن صدق نيته وعزمه على فرض حله على المتظرفين والجيش، ولكن كل ذلك كنسه ديغول بتصريحاته الأخيرة، وإني أؤكد لك أن الجزائريين يقفون إلى جانب ديغول من أجل العدل والحق والحرية وتقرير المصير ولكنهم لن يقفوا أبدا إلى جانبه من أجل القضاء على الجبهة".
إن وضوح هذا الحديث يبرز على كل حال عنصرا أساسيا في الرأي العام الجزائري وهو أن الجزائريين يناصرون ديغول مادامت سياسته ملائمة لمتقتضيات الوضع الجزائري، ومعنى ذلك أن تحالفهم مع ديغول يقوم على العقل وليس على الولاء الأعمى، وهذا ما يفسر بالضبط أن الجزائريين بالرغم من تفتح قلوبهم للجنرال خلال الأسابيع الماضية أي قبل تصريحاته الأخيرة، بالرغم من ذلك لم يفعلوا شيئا يبرهن على التفاهم حوله وتخليهم عن مواقفهم ومبادئهم.
هذا وأن الجفاء الحالي بين ديغول والجزائريين إذا كان يرجع أولا وبالذات إلى تصريحات رئيس الجمهورية، فإنه يرجع كذلك إلى الأسلوب الذي أبرزت به هذه التصريحات من طرف القيادة العليا في عاصمة الجزائر.
وهنا تجدر الإشارة إلى مظهر أدهش جميع الملاحظين وهو أنه في الوقت الذي قررت فيه الحكومة وضع كل السلطات بين أيدي الموظفين، نجد أن الجيش هو الذي احتكر تنظيم زيارة ديغول إلى الجزائر بحيث لم يطلع على برنامجها حتى مدير الأخبار الجديدة في المندوبية العامة، وقد رأينا هذا الأخير يحضر كالمتفرج البسيط المؤتمرات الصحفية التي يقدمها الناطق باسم الجنرال شال والتي لم يبرز فيها إلا ثلاث جمل من تصريحات ديغول "يجب أن تبقى فرنسا بالجزائر، إن فرنسا مصصمة على البقاء بالجزائر وأنا أتعهد بذلك، إن فرنسا يتعين عليها أن تبقى "وسئل هذا الناطق عن التصريحات الأخرى فرد علينا قائلا: "إن الجنرال ديغول ألحّ على ضرورة الاستمرار في العمليات الحربية التي جب أن تنتهي بانتصار جيوشنا، وشرح لنا أنه لا يمكن القيام بأدنى شيء إلا عندما يتحقق الانتصار في الميدان، وأكد أخيرا أن الثوار إذا وضعوا السلاح فإن الجيش سيلتقطه ولكن نظرا إلى تعنت الثوار فإن الجيش يجب أن يبحث عنه".
وخلاصة القول أن الجيش ضرب صفحا عن كل العبارات التي جدد فيها ديغول تمسكه بسياسة تقرير المصير وسياسة حكم الجزائريين ورفضه لسياسة الإدماج. ولما سئل المتحدث باسم الجيش عن مفهوم عبارة "الجزائر الجزائرية" رد علينا بأن الجيش لا يرى أي معنى ممتاز لهذا العبارة وأنها لم تسترع انتباهه، وهكذا فإن كل ما
يستخلصه الجيش من رحلة الجنرال ديغول هو تطيمنه على مواصلة مهمته إلى أن يتحقق الانتصار التام في الميدان، كما أنه يرفض أن يفكر في المشاكل والمهام الأخرى التي تقع على عاتق فرنسا بوصفها "قوة دولية".
وليس من شك أن المسؤول عن هذا ليس هو الناطق باسم الجنرال شال لأنه ليس في امكانه أن يفعل شيئا في هذا الميدان الهام دون تلقي الأوامر من فوق، والدليل على ذلك أنه بينما كان مدير الأخبار يقول في بلاهة أن تصريحات ديغول ليست موجهة لعامة الناس كان الجيش يستخدم جميع الوسائل لتضحيم تلك التصريحات وتقديمها في الشكل الذي يناسبه بحذف بعضها وتقديم البعض الآخر، والواقع أن هذا الأسلوب من خصائص المكتب الخامس الذي حذف على الورق فحسب.
أما في الواقع فإن ما تفعله مصالح الدعاية هو توجيه تصريحات رئيس الدولة في اتجاه سياستها الخاصة وليس تفسير السياسة الفرنسية كما هي، والملاحظ أن مسؤولية شال عن هذه الوضعية تؤكد النوايا الخفية للقيادة العليا.
بقي الآن أن نعرف هل أن الجنرال ديغول بتصريحاته تلك قضى على الخلاف بين الجيش ونفوذ الدولة والإجابة على هذا السؤال استمدها من عبارات ضابط شاب ليس بالتقدمي ولا بالجمهوري ولكنه ككل الضباط التقليديين الذين أصابهم هلع في 24 جانفي من خطر الانقسام الذي كاد يحل بالجيش فقد قال لي هذا الضابط: "إن الجنرال ديغول لم يسوّ أي شيء إن الهوة بينه وبين الجيش بقيت على ما كانت عليه، فهو يريد أن يواصل الحرب مادامت تخدم سياسته والجيش يريد سياسة تخدم حربه باعتبار أن الحرب هي الهدف الأوحد، ولكن ما حصل بين الإثنين في الوقت الحاضر هو اتفاقهما على استمرار الحرب، ولكن الالتباس ما يزال كاملا بينهما".
أما أنا فإني أعتقد أن المسألة ليست مجرد التباس بينهما ولكنها تحضير لاصطدام جديد بين الجيش والنفوذ لأنه لابد أن يأتي يوم يتهم فيه النفوذ "بالتراجع" بل "بالخيانة".
ذلك أن الجيش في واقع الأمر ليس له إلا هدف واحد: وهو أن تستمر الحرب إلى أن يتحقق الانتصار أو يستسلم الثوار على شرط أن يخدم الوقت هذا الهدف أما الحلول السياسية التي يقع عليها الاختبار في باريس فإنها لا تعني الجيش لاقتناعه بأنه هو صاحب النفوذ في الجزائر وأن وجوده ضروري لكل شيء.
من هنا جاءت مشاعر الرضى على جولة الجنرال ديغول التي يحملها الجيش في مجموعة ذلك أن الجيش يعلم أنه هو صاحب الحل والربط لا في الجزائر فحسب ولكن في فرنسا أيضا مادامت الحرب متواصلة وما دام "وقف القتال" منفذا شكليا كما قال غي مولي، فهل هذه هي نية الجنرال ديغول؟ وهل أن تقرير المصير لم يعترف به إلا من أجل الدعاية الخارجية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.