لم تثر لحد الآن تصريحات الجنرال ديغول بالجزائر أي تعليق رسمي أو شبيه بالرسمي في الخارج، ذلك أن حلفاءنا مصممون أكثر من أي وقت مضى على تحاشي التدخل في المسائل الداخلية لبلد يعرفون أن رئيسه يشمئز أكبر الإشمئزاز من الذين ينالون من سيادته الوطنية، هذا ومن ناحية المعسكر الشيوعي يظهر أن السوفيات يريدون أن لاتصدر عنهم تصريحات من شأنها أن تفسد الجو الذي تجري فيخ تحضيرات زيارة الم، خروتشيف الى باريس. ولكن كل هذه الاعتبارات لاتمنعنا من الاعتراف بأن تصريحات رئيس الجمهورية الفرنسية أدهشت الأوساط الأجنبية، ذلك أن البريطانيين والأمريكيين حسبوا عن خطأ وصواب في خطاب السيد عباس فرحات الأخير ماينبئ عن نوع من الإعتدال، أوعلى الأقل عن رغبة الثوار الجزائريين في مواصلة المحادثات التي بدأت مع الحكومة الفرنسية عن طريق الأثير ولكن ماراعهم اليوم الا والمحادثة تنقطع فجأة بسبب التحول الذي طرأ على موقف الجنرال ديغول الذي صار يوصي بمواصلة الحرب إلى أن يتحقق الانتصار العسكري بعد أن كان بالأمس يردد أمله في الاهتداء إلى حل عاجل للمشكل الجزائري. إن أغلب الأوساط الأجنبية كانت تعلق أكبر الأمل على جهود الجنرال ديغول لإنهاء الحرب الجزائرية التي ألحقت الأضرار الكبيرة بالحلف الأطلسي، وكانت تعتقد أن تسوية المشكل الجزائري لايمكن أن تتم إلا عن طريق التفاوض مع الجبهة، وهذا الأمل هو الذي أدى بحلفائنا إلى تأييدنا في هيئة الأممالمتحدة مع إبداء بعض التحفظات والاحترازات إزاء الحجج الفرنسية، وهذا الأمل هو الذي يفسر موقف الوفد الأمريكي الذي يساندنا إلى حد ما في مناقشات القضية من طرف الأممالمتحدة. هذا وإن حلفاءنا يعتقدون أن هدف الجنرال ديغول هو إيجاد إمكانيات التفاوض بإجراء بعض التنازلات للثورة الجزائرية من ناحية وبإتحاذ بعض المبادرات التي من شأنها إعداد الرأي العام الفرنسي لفكرة المحادثات. ولكن تصريحات رئيس الدولة أطفأت جميع هذه الآمال ودفعت الأوساط الأجنبية إلى التشكيك في نية الجنرال ديغول في التفاوض مع الجزائريين. وهكذا فإن الأجانب أصبحوا يتساءلون عما إذا لم يكن غرض الجنرال من هذه التصريحات هو فرض نظريته على الثوار الجزائريين بعد أن فرضها على فرنسيي الجزائر. ونحن من جانبنا لانستبعد هذا الرأي ولانرى ماينفيه في كل التصريحات السابقة بما في ذلك تصريحات 16 سبتمببر و29 جانفي. نظرا إلى هذه العوامل كلها ماذا سيجري؟ لاشيء في الظرف الراهنة، ولكن يبدو لنا بالنسبة للمستقبل أن أمريكا التي تبغض استمرار لحرب الجزائرية ستسعى الى التدخل الخفي في هذه المسألة ولاشك أن الحكومة الفرنسية يسرها جدا أن تتدخل أمريكا للضغط على الحكومة الجزائرية وإقناعها بأنه لا أمل لها في مواصلة الحرب وأنه من الأفضل لها أن ترض بالتحادث في شأن وقف القتال، ولكنه من المتوقع أن لايكون التدخل الأمريكي في صالح جانب واحد فقط وأن أمريكا ستسعى إلى إشعار الجنرال ديغول بقلقها من استمرار الحرب. ومما ينبئنا بذلك امتناع الحكومة الأمريكية من تأييدنا تأييدا صريحا في قضايا القواعد الفرنسية بالمغرب وقاعدة بنزرت والقنبلة الذرية ونحن نعتقد أنه كلما ابتعدت حظوظ تسوية سريعة بالجزائر فإن بلادنا ستقع في عزلة متزايدة تبرر بوضح في الجلسة القادمة للأمم المتحدة. ونشرت نفس الصحيفة فصلا آخر عن مراسلها بتونس: "بدهشة وخيبة أمل استقبلت في تونس تصريحات الجنرال ديغول، ومع ذلك فإن الأوساط القريبة من الجبهة أو التابعة لها ترفض لحد الآن التعليق بصفة علنية على هذه التصريحات التي لاتكتسي صبغة رسمية، هذا وأن الجبهة لاتريد أن تعلق على كل واحد من تصريحات الجنرال ديغول، ولكن قادتها لايخفون في المحادثات الشخصية شعورهم الحقيقي، فتبين لنا مثلا أن أقلهم ثقة برئيس الدولة الفرنسية لم يكونوا يتوقعون أن يغير الى هذا الحد سياسته الجزائرية. ولهذا فإنهم يعتبرون أن مبدأ تقرير المصير قد ناله تشويه فظيع بعد أن أعلن ديغول رفضه لأحد الحلول الثلاثة وهو الاستقلال كما يعتبرون أنه لا فائدة حتى من التفاوض في وقف القتال بعد أن أعلن ديغول أن وقف القتال يعني استسلام جنود جيش التحرير. أما التونسيونوالجزائريون القريبون من "البورقيبية" الذين لم يفقدوا الأمل في الوصول إلى تسوية في نطاق تقرير فإنهم هم كذلك يعتبرن أن ديغول وجه ضربة قاضية لتسوية كان قد اقترحها هو نفسه، فهم يقولون "أن تقرير المصير حسب فهم الجنرال ديغول له لم يعد يقوم على أي أساس صحيح". هذا وكيف يمكن الآن للجبهة أن ترض بتوجيه وفد عنها إلى باريس ليصطدم هناك باقتراح الاستسلام بدون قيد ولا شرط. أجل إن هناك من يعتبر في تونس أن الظروف التي صدرت فيها تصريحات ديغول ولكن أغلبية الوطنيين الجزائريين يعتقدون أن ديغول فضح نغسه وأنه لأول مرة تكلم بصراحة تامة، وقد تبين أنه لايرغب في تسوية حقيقية تستند إلى رغائب الشعب الجزائري وإنما هو يريد كأسلافه مواصلة الحرب ويقول الجزائريون "أننا مستعدون لذلك ولنا الوسائل الكافية لمواصلة الكفاح وسيدب إليه الفتور قبل أن يدب إلينا".