أحاول في كل مرة أن أشيح ببصري جانبا حتى لا أرى المجازر الشنيعة في سوريا، تلك المجازر التي تعيد إلى ذهني الصور التي كنا نصحوا عليها كل صباح سنوات الإرهاب الأعمى التي ابتلينا بها، لكن في كل مرة لا أنجح. فالحرب في سوريا تعرض علينا نفسها، وإن لم ينجح طرفاها من المعارضة أو النظام أن يفرضا علينا منطقهما، فنحن نقف على نفس المسافة من النظام السوري ومن المعارضة التي تركت نفسها ألعوبة في أيدي مشايخ الخليج، ومخابر أمريكا وأوروبا. ما يحز في أنفسنا أن هناك شعبا طيبا وجد نفسه بين فكي كماشة، يقتل بنيران الجيش من جهة، ويقتل بنيران المعارضة التي اخترقتها مجموعات إسلامية وأخرى لا هوية لها، ولا مهمة غير إحلال الدمار بمدن وقرى سوريا، وإطالة حرب الاستنزاف في هذا البلد عقابا له على رفضه التطبيع مع إسرئيل وعلى توجهه القومي. صرنا نعرف أسماء المدن السورية (درايا، درعا، اعزاز وبابا عمرو) وأسماء شوارعها وحاراتها التي لا تشبه حواري مسلسل باب الحارة الجميلة. فسوريا لم تعد حارة شامية، يفوح من حدائقها الياسمين وعطر القهوة الممزوج بحب الهال في أمسيات دمشق الحضارة. وصرنا نعرف أسماء شبابها وأطفالها عندما تغدر بهم رصاصات طائشة وأخرى أحكمت ميليشياتها تصويبها. هكذا صارت الحياة في سوريا في هذا الصيف الذي لا يختلف عن صائفة 2006 في لبنان إلا أن القاتل والشهيد اليوم سوريان، بسلاح سوري من هنا، وبسلاح أمريكي بتمويل خليجي من هناك. لا تصدقوا ما يردده الإعلام والساسة الغربيون بأن هناك أصدقاء للشعب السوري يريدون مساعدته على التخلص من نظام بشار، فليس للشعب السوري أصدقاء، لهم فقط أعداء أشد بأسا عليهم من بشار ونظامه، فهم عندما يسلحون المعارضة يعرفون أن الذي سيقتل سوري، وأن القاتل سوري، وأن المنشآت والمباني التي تهدم في دمشق وحلب ودرعا وفي كل المدن السورية، هي منشآت سورية، يتحمل الشعب السوري وحده الخسارة، ويتحمل أيضا مشاق إعادة بنائها عندما يتوقف الجنون، الذي لن يتوقف. هناك فقط أعداء للشعب السوري، أعداء بدءا من المملكة السعودية ومرورا بقطر التي أثبتت تقارير إعلامية أنها اشترت بأزيد من 33 مليار دولار سلاحا أمريكيا دعما لثورات الربيع العربي المزعومة، وانتهاء بأوروبا وأمريكا التي وجدت لنفسها في عز الأزمة الاقتصادية التي تعصف بها، سوقا لسلاحها، في بلدان الربيع العربي، فتضاعفت مداخيلها ثلاث مرات في السنة الماضية، ومن مصلحتها اليوم أن تستمر أزمة سوريا لتستهلك المزيد من البارود الأمريكي. لكن أكبر دمار ألحق بسوريا، هو ما ستخلفه العداوات بين شعبها باسم الطائفية، فالأزمة السورية عصفت أيضا بالبنية الاجتماعية السورية وجعلت نصف الشعب عدوا لنصفه الآخر، كراهية لن يكون من السهل محوها. كل هذا ونظام بشار لم يسقط، بل سوريا هي التي سقطت، وسوريا هي من تفككت. فماذا ستربح المعارضة التي يعدها الجميع بالانتصار إذا ما دمرت سوريا وسويت بالأرض؟!