مبادرات الحل السلمي لا ترضي معظم الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السورية، وفي مقدمتها قطر والسعودية اللتان تصران على تأجيج الصراع في سوريا بين النظام والمعارضة عبر تمويل المعارضة ومدها بالأسلحة، بينما لم يرد أي تعليق من طرف رئيس الوزراء التركي، طيب أردوغان، على المبادرة التي اقترحتها هيئة التنسيق خلال مؤتمرها الأخير ”المفاجئ” الذي عقدته في العاصمة السورية دمشق رغم ما لتركيا من دور هام في المشهد السوري. كشف المؤتمر الوطني الذي دعت إليه العديد من فصائل المعارضة السورية في مقدمتهما هيئة التنسيق الوطني، العديد من الثغرات الدولية حول نوايا الدول وتحديدا السعودية وقطر وتركيا التي يعتبرون الأكثر تأثيرا في المشهد السوري منذ ما يقارب العامين، وسط احتدام المعارك في المدن السورية وسقوط آلاف القتلى من المدنين والمسلحين، فالصمت الذي خيم على مسئولي تلك الدول حول مبادرات الحل السلمي التي اقترحها مؤتمر هئية التنسيق، عكس حقيقة رغبة المجتمع الدول في عدم حل الأزمة السورية بشكل سلمي. فحتى الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي من المقرر أن تبدأ أول جلساتها اليوم، لم تشر إلى مبادرة الحل السلمي وتوقفت عن عند دراسة مبادرات ”مؤتمر أصدقاء سوريا” التي تصفها هيئة التنسيق بأنها مبادرات منحازة وتحمل أجندات خاصة، ولا تخدم وحدة سوريا كما قال هيثم المناع رئيس هيئة التنسيق الذي تعذر عليه الحضور شخصيا للمشاركة في مؤتمر دمشق: ”مؤتمر أصدقاء سورية يمثل قطب معين وهو يخدم أطرافا خاصة ولهذا السبب تمت مقاطعته من قبل الهيئة لعدة مرات وتأكيد المجتمع الدولي على حل الأزمة السورية عبر مبادرة أصدقاء سوريا يهدف إلى هدم سوريا، وتهدم البلد والجيش والدولة لأن قتل مجند بسيط فقط لكونه ينتمي للجيش النظامي أمر غير مقبول”. ولم يتجاهل مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في دمشق مسألة رحيل ”نظام الأسد” عن الحكم، وهو الطلب الذي تشكل المعارضة السورية بمختلف أطيافها إجماعا حوله، ولكن مبادرة المؤتمر الوطني الذي دعت له فصائل المعارضة السورية في المؤتمر الوطني لإنقاذ سورية المنعقد في دمشق، أكدت على ضرورة أن يكون الحل عن سلميا وليس عبر التدخل الأجنبي أو تسليح المعارضة الذي يؤدي إلى إراقة مزيدا من دماء الشعب السوري كل يوم. وأكد المؤتمر على ضرورة مبادرة المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي وذلك عبر التأكيد على ضرورة عقد مؤتمر دولي حول سورية لبحث سبل البدء بمرحلة انتقالية تضمن الانتقال لنظام ديمقراطي تعددي، على أن تكون فكرة رحيل النظام بكافة رموزه ومرتكزاته هي ركيزة المبادرة، كما جاء في نص البيان الختامي للمعارضة الذي صدر أمس الأول: ”إن إسقاط النظام بكافة رموزه ومرتكزاته بما يعني ويضمن بناء الدولة الديمقراطية المدنية والتأكيد على النضال السلمي كاستراتيجية ناجحة لتحقيق أهداف الثورة”. وأمام هذا المنعرج الجديد الذي قررت هيئة التنسيق الوطني السورية المعارضة الدخول إليه لبحث حل مختلف للأزمة، ينقسم المجتمع الدولي حول خيار التدخل العسكري وقد تراجع إلى حد كبير تحت تأثير الفيتو الروسي والصيني، بينما لم تحجم تركيا عن التلويح بورقة فرض منطقة حضر جوي في سورية فيما لا تزال السعودية وقطر تحديدا تتمسكان بالحل العسكري وتمضيان باتجاه تسليح وتدريب وتمويل المعارضة السورية المسلحة، كما تشير إلى ذلك التقارير الأمنية والاستخبارتية وحتى الإعلامية الميدانية التي تكشف ”الدور السلبي” الذي لا تزال تلعبه تلك الدول لعرقلة الحلول السلمية رغم ارتفاع عدد القتلى إلى حوالي ربع مليون مواطن سوري وارتفاع عدد المهجرين أيضا إلى حوالي نصف مليون سوري، لا يزالون يواجهون المصير المجهول بعد تدمير العديد من المدن السورية بسبب الحرب والقصف الجوي الذي يقوم الجيش السوري لتطهير المدن ممن يصفهم ب”الإرهابيين”. من جهة ثانية تعتبر مبادرة هيئة التنسيق خطوة تنافسية ضد ”المجلس الوطني السوري” الذي يعتبر الجناح الأبرز في المعارضة السورية، وهو يرى في المبادرة التى طرحها الرئيس محمد مرسي بشأن اللجنة الرباعية لإيجاد حل للأزمة السورية، والتى تضم كلا من السعودية وإيران وتركيا رغم ما تعانيه المعادلات الإقليمية من خلل واضح وكبير وعدم توازن فعلي لبلورة حلول للأزمة المشتعلة منذ أكثر من 18 شهرا.