بقلم: حسن تليلاني * قالت العرب في أحد مأثوراتها: ”شر البلية ما يضحك”، وإن بلاء الاستعمار لهو أعظم البلاء دون شك. ولمواجهة مصيبة الاستعمار وما جره من ويلات على الشعب الجزائري، كان المسرح الفكاهي أحد أهم وسائل المقاومة التي نلاحظها جلية في أعمال رواد المسرح الجزائري أمثال”علالو” و”بشطارزي” و”رشيد قسنطيني” المكنى بشارلي شابلن الجزائر، دون أن ننسى أعمال ”حسان الحسني” الذي اتخذ من شخصية ”بوبڤرة” قناعا لتمرير رسائله الفنية المقاومة، والتي جرت عليه ويلات السجن والتعذيب على يد زبانية الاحتلال. نلاحظ تجليات صور المقاومة الوطنية في هذا المسرح من خلال سعي هؤلاء الرواد إلى تأسيس مسرح جزائري يكون منبرا للحضور الجزائري، في ظل استعمار يدفع بوأد الآخر ودفنه وتغييبه حد العدمية مما يعلل شراسة الصراع في امتلاك هذا المسرح. وإن الإعلان عن وجوده كحقيقة ليست أقل من الإعلان عن الوجود الجزائري في حد ذاته. يتضح دور المسرح الفكاهي الجزائري في مقاومة الاستعمار من خلال الملامح الآتية: أولا: الموضوعات التي عرضها هذا المسرح للجمهور، وهي موضوعات ارتبطت في مضامينها وأهدافها بالإصلاح الاجتماعي ونشر الوعي السياسي، حيث تعد مسرحية ”فاقو” لرشيد قسنطيني من أهم المسرحيات المعبرة عن هذا المجال. ثانيا: توظيف التراث بمختلف أشكاله تعبيرا عن التمسك بالهوية والاعتزاز بالجذور الأصيلة للشعب الجزائري، هذه الجذور التي سعى الاستعمار جاهدا لاقتلاعها ضمن سياسة متكاملة من المسخ والاجتثاث. = ثالثا: استعمال شكل مسرحي يتناسب و طبيعة المقاومة، و هو شكل المسرح الارتجالي، حيث كانت العروض تقدم في الساحات والمقاهي الشعبية والأسواق وحتى في السجون والمعتقلات. رابعا: إضفاء الطابع الجزائري الأصيل على العرض المسرحي من مختلف جوانبه، سواء فيما تعلق باللغة المستعملة في الحوار المسرحي، وهي لغة دارجة شعبية جزائرية قريبة من الفصحى وبعيدة عن الركاكة والابتذال. كما أنها تكاد تخلو من أي كلمات أو عبارات فرنسية، ما يدل على وعي رواد المسرح الفكاهي بقضية الصراع اللغوي، إضافة إلى شكل اللباس وهيئة الممثلين. وفي هذا المجال تعد شخصية ”بوبڤرة” أحسن معبر عن شخصية الإنسان الجزائري الشعبي البسيط الذي يظهر سذاجة ولكنه يخفي ذكاء خارقا، وفي اعتقادي أن هيئة بوبڤرة في ذلك الوقت تحتاج منا إلى قراءة سيميولوجية تمكننا من تحليل كل العلامات الموجودة فيه، بداية بالعصا البدوية الجزائرية، ثم الشوارب الكثة رمز الرجولة، والشاش الجزائري على رأسه، وغيرها من العلامات الدالة على المقاومة في هيئة هذا المسرحي الفكاهي القدير. لقد حاول الاستعمار الفرنسي اجتثاث الذات الجزائرية من جذورها، كما حاول مسخها وإلحاقها بكيانه ، معتمدا في ذلك - من بين الوسائل التي اعتمدها - وسيلة المسرح، حيث شيد المسارح البلدية في عدة مدن جزائرية واتخذها منابر للدعاية السياسية والدينية معظما وجوده ومحقرا الذات الجزائرية، ومن بين العروض التي قدمها المسرح الفرنسي نجد ”قصة حرب مدينة الجزائر”، والتي عرضت احتفالا بمرور قرن على احتلال الجزائر. وبالمقابل فإن مقاومة هذا الاحتلال بالنسبة للجزائريين كانت انطلاقا من سعي الرواد إلى تأسيس مسرح جزائري شعبي ملتزم بقضايا الشعب، وهو يرزح تحت نير الاحتلال. وإن نظرة استقصائية لظروف ميلاد وتطور هذا المسرح الجزائري وما رافقه من صعوبات ورهانات وتحديات بمواجهة إدارة الاحتلال، لتدل بوضوح على تشبع المسرح الجزائري بقيم المقاومة الوطنية.