تغيرت الكثير من مظاهر عيد الأضحى لدى العائلات الجزائرية، إلا أنها لم تطغى على تلك المعتقدات القديمة التي تربطها الأساطير بيوم عيد الأضحى، والتي مازالت محط اهتمام وممارسة من طرف فئة من الجزائريين، وإن قلت فإنها تحتفظ دائما بخصوصية الموروث الشعبي لكل منطقة من البلاد. يحظى عيد الأضحى بأهمية كبيرة في المجتمع الجزائري باعتباره مناسبة دينية هامة يجتهد فيها الكبار والصغار من أجل أداء الفريضة والظفر بالأجر الكبير، واغتنام فضائل هذا اليوم المبارك. وإن اختلفت معالم الفرح والسرور في مختلف أرجاء الوطن إلا أن هناك عادات وتقاليد تطبع هذا اليوم وتمنحه الجنسية الجزائرية بامتياز، غير أنه في الكثير من الحالات وانصياعا لعادات بالية قد يخرج بعض الأشخاص عن السياق الديني لهذه المناسبة، بممارستهم بعض الطقوس التي لا تمت بصلة ليوم النحر في القرآن والسنة النبوية، حيث لاتزال الكثير من العائلات الجزائرية تتمسّك ببعض العادات الغريبة المتعلقة بأضحية العيد، منها الامتناع عن أكل الكثير من أعضاء الكبش كالكلية، اللسان، القلب وغيرها. ورغم انتشارها تبقى هذه العادات ترتبط ارتباطا شديدا بالخرافات والأعراف لدى علماء الاجتماع، علماء النفس وعلماء الدين، باعتبارها لا تمت بأي صلة بالواقع أوتعاليم الدين الحنيف. الكبش بدون حناء "لايجوز" لن تتجلى مظاهر الفرحة بالأضحية قبيل يوم النحر إلا بالحنة، حيث تقوم جدات أوأمهات بوضع الحناء على جبين الخروف وتربط له شرائط زهرية اللون كنوع من الترحاب من أجل إدخال السعادة على قلوب الأطفال أكثر من غيرهم. ورغم أن هذه العادة قديمة جدا إلا أن تقريبا كل ولايات الوطن تشترك فيها، فتجد صبيحة العيد كل الكباش وكأنها مطبوعة بختم الحنة. وحول السبب تقول السيدة خديجة إن وضع حنة هو فأل خير ويدل على الفرح والبهجة، حتى أنها تحولت إلى ضرورة حتمية عند كل العائلات، والكبش بدون حناء مشهد لا تنبغي مشاهدته في يوم عيد الأضحى، حتى يظن المشاهد ليوم النحر في مختلف المناطق الجزائرية أن الكبش بلا حناء في الجزائر لا يجوز. البدء بالجهة اليمنى لتعم البركة يحرص جزائريون خلال عملية النحر بالبدء بالرجل الأيمن للكبش، فهو يعلم منذ قطعه من الأضحية حتى تبدأ به تحضير البوزلوف على النار. وحول هذه العادة يقول السيد جمال:"نبدأ بالجهة اليمنى حتى يبارك لنا الله في هذه الأضحية ونبلغ أجر هذا الواجب الديني المقدس. كما أضافت السيدة نجاة من العاصمة، في نفس السياق، أنه من الواجب أن تسبق بالجهة اليمنى عملا بتعاليم ديننا الحنيف التي دائما تؤكد على الجهة اليمنى في كل الأعمال، خاصة أن أضحية العيد هي أحد أهم الشعائر الدينية المقدسة التي لا يجب التهاون في التعامل معها، حتى إذا تعلق الأمر بهذه الأمور التي قد يعتبرها البعض بسيطة. من جهة أخرى تضيف السيدة خدوجة، أن البداية من اليمين تساهم في إضفاء الشرعية والبركة على الأضحية التي يتوجب التصديق بها بما يرضي الله. "الهيدورة" ديكور وواقي من حب الشباب ماتزال الكثير من ربات البيوت الجزائريات تصر على ضرورة الاحتفاظ ب"هيدورة" الأضحية، رغم أنها لم تعد تستعمل في ديكور المنازل على غرار ما كانت عليه منذ سنوات، حين كانت عنصرا أساسيا في ديكور البيوت العاصمية، وإن أصبحت الكثيرات تتهرب من مشقة غسلها إلا أنها لاتزال تحظى بمعزة خاصة عند الكثيرات، على غرار الخالة خيرة التي تعتبر أنه لا طعم للعيد من غيرها. كما أنه من المفروض، حسب عادات قديمة، أن تقوم الكنة بغسلها في أول عيد لها حتى تظهر شطارتها لبيت أهل الزوج، إلى جانب ما يعرف ب"طلاقة العرايس" التي تتولى العروس تنظيفها بجدارة حتى تحظى بالإعجاب. وحسب الأسطورة فهذا الأمر تسبب في طلاق الكثيرات، في حين تفضل أخريات اقتلاع الصوف من الهيدورة والاحتفاظ بها لإعداد أحد مستلزمات العروس. في حين، حسب السيدة عقيلة من الغرب الجزائري، فهناك أسطورة تقول إنه إذا كانت عندك سبع ''هيادر'' امسحي وجهك بكل واحدة على حدة، وإذا كانت واحدة فقط، فافعلي ذلك سبع مرات''. والغريب في الأمر أن هذه السيدة حائزة على شهادة جامعية، كي تتجنب الفتاة أو تقضي على ''حب الشباب'' ويصبح وجهها أملسا ناعما كباطن ''الهيدورة'' كما قالت. وتضيف إن أمها وخالاتها كنّ يداومن على فعل ذلك مما جعلهن يتقين شر ''حب الشباب'' منذ الصغر. دم الأضحية لطرد شبح العنوسة والعقم للفتيات قصة أخرى مع أضحية العيد، فالكثير منهن يترقبن هذا اليوم بفارغ الصبر حتى يحظين بفرصة الظفر بعريس، حيث أن دم الأضحية سبيل الخلاص من كابوس العنوسة. وحسب رواية الحاجة وريدة، فإنه يتم مسح سكين ذبح الأضحية على يد الفتاة التي تأخرت في الزواج لتضع قطرة منه على جبهتها وتبقى بها يوما كاملا، مضيفة أنها جربتها على كل بناة دشرتهن بتيزي وزو وكانت نتيجتها فعالة في كل المرات. كما تعمد النساء المتزوجات ممن لم ينجبن بمسح الدم على بطونهن شرط أن لا يكون من الأضحية التي ستأكل منها، وبذلك فقد تحول دم الأضحية إلى دواء فعال تركض الكثيرات للحصول عليه ولو من عند الجيران. اللسان علاج للبعض ورمز للكذب والنفاق عند البعض الآخر تقربت "الفجر" من بعض العائلات التي لاتزال تتمسك بهذه العادات، حيث أكد محمد، من تيزي وزو، أنهم لازالوا يتمسكون بعادة عدم أكل لسان أضحية العيد باعتباره محرما طبقا لما توارثوه عن الأجداد، و يعتبرون المخالف لهذه العادة خارجا عن قانون العرف، معتبرين أكل اللسان رمزا للكذب والنّفاق، لما سمع في القدم عن شيخ بإحدى القرى كان كثير الكذب والنّفاق واشتهر أيضا بإشعال الفتن بين العروش آنذاك، وكان لسانه سببا في وفاته بانتقام أهل القرية منه، ومنذ ذلك الحين اعتبر اللّسان رمزا للكذب. وقد تتعدد الأعراف المتعلقة بلسان الأضحية، خصوصا كما هو الحال بالنسبة للعائلات التي لها طفل صغير تأخر في الكلام، يقومون بجمع سبع قطع من لسان كبش العيد من عند الجيران وطهيها لإطعام الطفل بها، وكأن ذلك يساهم في التعجيل بنطقه. وغير بعيد عن تلك العادات المتعلّقة بالأطفال، فإن كثير من العائلات تمنع الأطفال من أكل كليتي أضحية العيد، معتقدين أن أكلها قد يؤدي بالطفل إلى الخوف عند كبره، وحتى وإن أكلت فلها عاداتها في الأكل، حيث يوضع الطفل في وضعية يأكل الكلية تحت رجل خاله أو عمه. بالإضافة إلى هذه العادات لاتزال عادة عدم أكل الصبيان لقلب كبش العيد ظنا منهم أنهم قد يصابون بمرض القلب في سن مبكرة.. "البوزلوف'' نذير شؤم والرقبة رمز للرجولة والفحولة كثيرة هي العائلات التي لاتزال تشدّد في تمسكها بخرافات ويطبقونها على العرسان، خاصة منها رقبة الكبش التي تخصص للعريس الجديد ليكون أكثر حرصا على رجولته تجاه زوجته، باعتبارها - حسب الكثيرين - رمزا للرجولة والفحولة، وكذا اللسان الذي ارتبطت به الكثير من الحكم فيمنع على الفتاة أكله في الكثير من المناطق. فبالعاصمة مثلا، تمنع الفتاة العزباء من أكل اللسان وذلك لتتحكم في لسانها بعد الزواج وعدم الإكثار في الكلام مع زوجها وأهله، ما قد يسبب لها عدة مشاكل. وكثيرة هي القصص المرتبطة بلسان الكبش، فهناك عائلات تمنع العروس الجديدة من أكل اللسان بحجة أنها قد تلد أطفالا بكما أو منافقين أو يحترفون الكذب في المستقبل. كما يمنع على الفتاة العزباء أوالعروس الجديدة من أكل ''زعكة'' الكبش كي لا تقوم بطرد زوجها من بيته بعد الزّواج. وغير بعيد عن ذلك تعتبر عادة شواء ''البوزلوف'' في عيد الأضحى من المكروهات لدى الكثير من العائلات الجزائرية باعتباره رمزا للتعاسة الزوجية، وأن المقدمة من العازبات على شواء رأس الكبش، فحياتها تكون مليئة بالمشاكل العويصة التي يصعب التحكم فيها وتؤدي حتما إلى الطلاق، كما هو حال عضو ''الطحال'' من أضحية العيد الذي تمنع المرأة الحامل منعا باتا من أكله، باعتباره يتسبّب في فقدان الجنين في مراحله الأولى. ولذا تتجنّب المرأة المتزوجة أكل الطحال للمحافظة على الجنين. خزعبلات تضيع أجر أضحية العيد من جهته، دعا أستاذ العلوم الشرعية نصر الدين خالف، الأسر الجزائرية إلى التعقل والعدول عن ممارسة مثل هذه الخزعبلات التي تؤثر في عقيدة المسلم، وتضيع عليه أجر يوم كهذا. كما نهى عن نقل مثل هذه الخرافات إلى الجيل الجديد التي يحتاج إلى التشبع بالعادات الإسلامية وليس الأساطير الشعبية التي تبعدهم عن روحانيات هذا اليوم المبارك عند الله، خاصة إذا تعلق الأمر بتنبؤات بالمستقبل والشفاء من الأمراض، محذرا في الوقوع في الشرك بالله الذي قد لا ينتبه إليه الكثيرون، مؤكدا على ضرورة التوعية من طرف الأئمة في المساجد من أجل القضاء على مثل هذه الظواهر السلبية.