تعد »الدوارة والبوزلوف« من الأكلات المفضلة لدى الجزائريين منذ القدم رغم ما تتطلبانه من عناء في تنظيفهما، ولكن في وقتنا هذا أصبحت بعض السيدات يستغنين عنهما إما لصعوبة تنظيفهما وإما لبعض الشكليات كونهن يعافين أكلها، أما »الهيدورة« فبعد أن كانت تستعمل للزينة أصبحت ترمى. لطالما كانت »الهيدورة« في زمن آبائنا وأجدادنا معيارا في اختيار الكبش، وذلك حسب حجم الصوف الذي يغطي تلك «الهيدورة»، إذ تحرص الأمهات على تنظيفها لتكون فراشا أو لجز صوفها لصنع الأفرشة والأغطية و حتى الملابس الصوفية ولكن اليوم المعايير تغيرت وباتت الكثير من السيدات يفضلن رمي تلك «الهيدورة»، إقتربنا من بعض السيدات لنعرف ما إن كن لازلن يحتفظن بتقليد غسل «الهيدورة» تقول ضاوية 52 سنة: «رغم كبر سني ومتاعب الحياة التي أنهكتني ، لكن لاأزال أغسل الهيدورة ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن أتنازل عن هذا التقليد». أما سهام 27 سنة، فترى أن فتاة اليوم لا تهتم بهذه الأشياء، فهي لا تحتاج إلى «الهيدورة»، لأنها تفرش الأرض بالزرابي والأفرشة من مختلف الأحجام والألوان التي تباع في الأسواق وهي التي تتبع الموضة في اختيارها، وما قد يصلح لهذا العام لا يصلح للعام المقبل. نسيمة 30 سنة، زوجة وعاملة، تقول في مسألة «الهيدورة»: «لا أظن أن ثمة من لازال يحتفظ «بالهيدورة» في وقتنا هذا، فالكل يشتكي الحساسية من كل ما هو مصنوع من الصوف، فما بالك بالصوف بحد ذاتها»، في حين تقول فتيحة أن لا مثيل عن صوف «الهيدورة»، ونصحتنا بطريقة تمكننا من الحصول عليها بسرعة، حيث توضع «الهيدورة» في كيس بلاستيكي لمدة معينة وبعد فترة يصبح نزع صوفها سهلا بمجرد شده. »الزليف والدوارة» ترمى أو تصدق المهم ألا تنظف تحدثنا إلى بعض النسوة لنستفسر عن حقيقة تخلي بعضهن عن عادات عيد الأضحى، حيث تخلصت عديد الأسر من عناء تنظيف «الدوارة» و»تشواط البوزلوف» لدرجة أن منهم من قال أنه لم يأخذ من الكبش، إلا اللحم والكبد، والباقي كله إما يصدق أو يرمى مادام أن لا أحد يأكل تلك الأحشاء. نسيمة التي حدثتنا من قبل، قالت أنها قد وجدت حلا آخر تقول: «لا أنكر أنني أحب أكل الدوارة والبوزلوف، وزوجي كذلك، غير أنها تأخذ وقتا كبيرا في التنظيف والطهي ولكنني لا أستطيع رميها وإنما أتصدق بها لأهلي أو جيراني». نوال 35 سنة، هي الأخرى تقول أنها لا تقوى على تنظيف «البوزلوف» خصوصا أن لا أحد من أهل بيتها يأكل هذا الطبق، فتفضل التصدق به، في حين تقول وردة، 20 سنة، أنها تتجنب تنظيف البوزلوف والدوارة، معتبرة ذلك عملا شاقا قد يؤثر على جمال يديها، أما حياة، 24 سنة، فقالت أنها لا تحب شم الرائحة «التشواط» التي تعم كل البيت، بل وتؤدي إلى تصاعد الدخان إلى سقف البيت الذي يصبح لونه يميل إلى السواد خصوصا أن البيت ضيق ولا يوجد مكان آخر للقيام بالمهمة غير المطبخ. جمال، يقول أن زوجته تكره تنظيفهما، لذا فهو لا يذبح، خاصة وأنهما متزوجان حديثا ولا أطفال لهما، يضيف جمال في يوم العيد نذهب إلى بيت أهلي لنتمتع بما تحضره أمي من «بكبوكة» و»بوزلوف» . الضاوية، هي أحدى النساء التي لاتزال متمسكة بعادات أجدادنا في الإحتفال بعيد الأضحى، تقول أن عائلتها كانت جد متمسكة بالعادات والتقاليد، فمن الأساسيات طهي طبق البوزلوف في اليوم الأول من العيد بالإضافة إلى الدوارة، وهي الآن تحرص على تحضير أكلة العصبان رغم أنها متعبة، لكن لابد من وجودها، خاصة وأن كل أبنائها يحضرون لتناولها ماداموا محرومين من ذلك مع زوجاتهم، تضيف: «كل واحد منهم ينحر في بيته، ولكنهم يأتون لتناول هذه الأكلات عندي، لكون زوجاتهم لا يطهين هذه الأكلات وإذا حضرنها فلا تعجبهم»، تتذكر عندما كانت إحدى زوجات إبنها تسكن معها تقول «كانت تتهرب من التنظيف بحجة أنها تعاف أحشاء الكبش، وكل زوجات إبني لا يفلحن في التنظيف، فأبنائي من ينظفون، أنا أعلم هذا جيدا». ومن لم يقاوم لذة أطباق العيد فعليه دفع الثمن وفي الوقت الذي تعاف فيه البعض عملية التنظيف، إتخذته أخريات مهنة تكسبن منها بعض النقود، ليندة تقول أنها تعودت إعطاء كل من «الدوارة والبوزلوف» لجارتها لتنظفهما مقابل 1000 دينار، خاصة أن زوجها لا يصبر على البوزلوف، وتقول أنه لا يراعي تعبها بين العمل وتربية الأولاد «بل يسترجع ذكرياته وهو يتحسر على الأيام التي كان يمر عليه العيد وهو يقضيه ببيت جدته التي كانت تشوط البوزلوف، وأمه التي تنظف الدوارة، في حين يحضر أبوه الكبدة المشوية في جو عائلي حميمي». أحياء تتحول إلى مذابح تحولت العديد من أحياء العاصمة إلى مذابح جماعية، حيث لم يفوت بعض الجزارين أو كل من يعرف أصول الذبح فرصة الربح، فبعد أن كان الجميع يتعاونون على ذبح كباش كل الجيران، صار كل واحد يذبح كبشا أو إثنين، ومن لا يعرف فعليه جلب جزار حسب ما أكده بعض المواطنين. ومن جهة أخرى، شهدت بعض الأحياء العاصمية طوابير أمام محلات الجزارين في ثاني أيام العيد بغرض تقطيع كبش العيد بعد ما أخذوا موعدا مسبقا، تقول غنية: «زوجي لا يعرف كيف يذبح ولا حتى كيف يقطع الكبش، لذا أفضل جلب من يحترف ذلك».وبعد أن كانت الأسرة تجتمع حول كبش العيد في جو عائلي حميمي تراجعت هذه المظاهر في بعض الأسر، فمن محلات بيع كل ما هو تقليدي إلى نساء تمتهن تنظيف الدوارة والبوزلوف، في وقت تكتفي فيه بعض الفتيات بالنظر من بعيد إلى تحضيرات اليوم الأول من العيد ويكتفين بالأكل فقط عوض التعلم، فأي نكهة ستبقى للعيد؟.