هولاند: "لست وسيطا بين الرباطوالجزائر" تميزت زيارات رؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة إلى الجزائر المتوالية منذ أن وطأت أقدام أول حاكم لقصر الإليزيه أرض البلاد سبعينات القرن الماضي، بسياقات زمنية ”متشنجة” أحيانا وأخرى في صالح الجزائر مثلما هو الحال الآن، حيث تفضل الإبقاء على ”عامل الثبات” والبقاء في موقع ”الضعيف” في التفاوض مع الطرف الفرنسي. لم تخل الظروف الزمنية المحيطة منذ زيارة أول رئيس فرنسي بعد الاستقلال من اللغط الإعلامي والجدل السياسي من الضفتين، كالذي أثارته بعد تولي فرانسوا هولاند الحكم، فمن عهد الراحل هواري بومدين إلى الشاذلي بن جديد، وأخيرا عبد العزيز بوتفليقة، صاحبته ”براغماتية” فرنسية في التعاطي مع ”المستعمرة القديمة” في مقابل ”تصالحية” الجزائر الجوفاء، والتي كانت إلى وقت قريب تتفاوض من موقع ”ضعيف جدا” مع باريس لتنتقل اليوم بدرجة إلى موقع ”ضعيف”، فرغم المتغيرات الحاصلة لصالح الجزائر ..من يحتاج إلى من الآن؟. وبالعودة إلى الوراء، إلى الزيارة التاريخية التي جاءت بعد ”مخاض عسير”، حيث استقبل فيها بومدين الرئيس الفرنسي السباق جيسكار ديستان، في مطار الدارالبيضاء سابقا في العاشر من شهر أفريل عام 1975، أين مكث الرئيس الفرنسي في الجزائر مدة ثلاثة أيام، إذ اقترح تعاونا طويل المدى مع فرنسا، واعترفا بجرائمها في حق الجزائريين إلا أن مؤرخين كشفوا ما جاء على لسان جيسكار الذي قال للسفير الفرنسي في الجزائر آنذاك ”ماذا يريد هؤلاء الأوباش؟”، وهو ما كان أحد أسباب فشل الزيارة وتجميد العلاقات الجزائرية الفرنسية، بينما نقل الصحفي الفرنسي الذي أجرى أكثر من 50 ساعة حوارات مع بومدين أنه لما دعا جيسكار إلى قلب الصفحة رد عليه الرئيس ”قلب الصفحة لا يعني تمزيقها”. كما سبقتها دعوات في عام 1967 من شارل ديغول إلى بومدين من أجل زيارة عمل إلى فرنسا، لكنه رفض ولما جاء الرئيس جورج بومبيدو جدد الدعوة لكن مرت العلاقات الجزائرية-الفرنسية بأزمة حادة، عقب قرار تأميم المحروقات في 24 فيفري 1971. ورحل بومدين وفي حلقه ”غصة” من عنجهية الفرنسيين إلى أن خلفه الراحل الشاذلي بن جديد، الذي سجل في عهده زيارات ”الغزل” والتودد للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران بدءا من 30 نوفمبر1981 إلى الجزائر، وتوجت في الثانية منها في أكتوبر 1984 بالتوقيع على عدد من اتفاقيات الغاز، وآخر زيارة له بعد أحداث 88 بأشهر أين بدأت البلاد تدخل في نفق مظلم سبقه انهيار جزئي للاقتصاد الوطني على خلفية تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية وانهيار المعسكر الشرقي الذي كان النظام آنذاك يتكئ عليه. وفي عام 2003 في عهد الرئيس الحالي رافق الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك إلى الجزائر وفد وصف ب”الكبير” يضم خمسة وزراء، وهي الزيارة التي تعد الثانية في غضون أقل من عامين بعد تلك الخاطفة التي قام بها العام 2001 مباشرة بعد ”طوفان باب الوادي” كما وصفها في حينه متتبعون الزيارة ب”التاريخية” كونها تأتي في سياق دولي أفرزته تداعيات ما بعد 11سبتمبر، وما نجم عنها من ترتيب توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب الدولي كما بالنسبة للجزائر الخروج بمسعى ”المصالحة الوطنية” من العزلة الدولية، وعلى إثر الاستقرار الأمني كانت تعول كثيرا على هذه الزيارة لحمل الطرف الفرنسي على ”مزيد الاستثمار في السوق الجزائرية والاهتمام أكثر بالسوق الجزائرية والاستثمار فيها في مجالات كثيرة”. وفي حقبة من خلفه نيكولا ساركوزي فقد شهدت العلاقات الفرنسية مع الجزائر حملة استفزازية لم تشفع له أول زيارة في العام 2007 من حلحتها، حيث تزامنت والاحتفال باحتفالات الذكرى الخامسة والأربعين لعيد الاستقلال، كما أن الجزائر كانت مقبلة على الإصلاحات في المنظومة التشريعية، وهي مستعدة إلى المساهمة في تأسيس اتحاد للدول المصدرة للغاز. ومع ذلك ظلت الجزائر إلى غاية زيارة هولاند الأسبوع الماضي تحتل المرتبة الأولى في تعاملاتها التجارية مع باريس، مع بداية العملاق الصيني والولايات المتحدةالأمريكية في زحزحة الاستثمارات الفرنسية في البلاد وهي تعاني من أزمة مالية خانقة، ورغم هذه الحاجة الشديدة إلى التموقع وسط أكثر من وفود 50 دولة ”حجت” خلال الأشهر الأخيرة من بينهم رؤساء ووزراء دول إلا أن موقع ”قوة” الجزائر لم تنتهزه كالعادة لفرض شروطها التفاوضية، فيما يخص مسائل التاريخ والهجرة غيرها وتبقى في زاوية ”ضعف”، والمهم أنها ارتقت من الضعف الشديد إلى الضعف في انتظار ارتقاء أحسن. أمين لونيسي قال إن الرئيس بوتفليقة شرح له أسباب غلق الحدود هولاند: ”لست وسيطا بين الرباطوالجزائر” نفى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أمس الأول، من تلسمان أن تكون لديه نية إقحام باريس في ملف العلاقات الجزائرية المغربية، قائلا: ”أنا لست وسيطا والرئيس بوتفليقة شرح لي أسباب استمرار غلق الحدود”، ليشيد بإصلاحات وإنجازات بوتفليقة وفي مقدمتها المصالحة الوطنية الذي أعادت الأمن للجزائر، ليصف زيارته بالناجحة جدا. أكد الرئيس الفرنسي أنه غير مؤهل للتدخل في العلاقات الجزائرية المغربية، مضيفا في رده عن سؤال صحفي إن كانت في أجندة زيارته للجزائر وخاصة ولاية تلمسان الحدودية التدخل لفتح الحدود الجزائرية المغربية، قال ”أنا لست وسيطا.. لم يكلفني بذلك أحد، وليس من صلاحياتي كرئيس فرنسي فعل ذلك”، مشيرا إلى أن الرئيس بوتفليقة شرح له خلفيات موقف الجزائر من مسألة استمرار غلق الحدود البرية بين البلدين بقرار بادرت به الرباط. أما بخصوص ملف الصحراء الغربية عبّر هولاند عن تأييد بلاده لكل قرارات الأممالمتحدة لحل القضية، ولا شيء غير قرارات الأممالمتحدة”، مضيفا ”يتعين علينا العمل على تنفيذ جميع قرارات الأممالمتحدة في هذا الملف”. ووصف هولاند من تلمسان في ندوة صحفية بفندق ماريوت على مدار 50 دقيقة، زيارته الأولى للجزائر بالناجحة جدا، من خلال العقد الموثق، ومن خلال الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين البلدين، كاشفا عن زيارة مرتقبة لنظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لباريس جانفي المقبل. ومن النتائج الأولية لخرجة المسؤول في الإليزيه للجزائر، قال ”الثقة وتوفير المناخ للعمل المتبادل والمتكامل بين البلدين أولى نتائج زيارتي”. وعن سر اختياره لتلسمان دون غيرها من ولايات الجزائر، رد الرئيس الفرنسي ”اخترت تلسمان لأنها عاصمة الحضارات والثقافات، ولها مكانة خاصة أيضا في قلب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة”، مشيدا في ذات السياق بإنجازات الرئيس بوتفليقة، خاصا بالذكر ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أعاد إلى الجزائر الأمن والاستقرار وهو المشروع الذي قال إن باريس تدعمه، وقال وبهذا الصدد ”أوجه من هنا رسالة للفرنسيين أن الجزائر آمنة وهي ليس في حالة لا أمن التي عرفناها عنها في السنوات الماضية، وما كان يسوق من صور هنا وهناك”، وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تحرص فيه الخارجية الفرنسية دائما على تحذير رعاياها من زيارة الجزائر. وأفاد الرئيس هولاند، في الندوة بحضور كبار مسؤولي الحكومة الفرنسية في مقدمتهم الدفاع الداخلية والهجرة، بالإضافة إلى الخارجية، أنه تطرق مع الرئيس بوتفليقة إلى أهم القضايا الدولية والإقليمية التي تعرفها الساحة الدولية، منها ملف مكافحة الإرهاب بالساحل، مؤكدا بهذا الخصوص ”تطابق وجهات النظر بين فرنساوالجزائر في الملف المالي من خلال دعم المفاوضات لتحقيق المصالحة مع جميع الأطراف التي تدين الإرهاب”، مؤكدا أن الأمر لا يتعارض وسياسية الجزائر التي كانت سباقة إلى إدانة الإرهاب في كل مناطق العالم، لامسا في ذلك خبرة بوتفليقة الدبلوماسية. أما فيما يتعلق بالملف السوري، قال الرئيس هولاند، إن الجزائر وباريس تدعمان جهود المبعوث الأممي والعربي لسوريا الأخضر الإبراهيمي، وتنتظر منه حلولا سياسية ناجعة لإنهاء معاناة السوريين. مبعوث الفجر إلى تلسمان: رشيد. ح قال لطلبة جامعة تلمسان إن مستقبلكم هنا ببلادكم.. هولاند: ”أنتم محظوظون لأن آباءكم حاربوا من أجل الحرية” قال الرئيس فرانسوا هولاند، مخاطبا طلبة جامعة أبي بكر بلقايد، إن مستقبل الشباب الجزائري خاصة النخبة هنا بالجزائر متعهدا بالعمل على تحسين استقبال الطلبة الجزائريين بالجامعات الفرنسية. لمّح الرئيس الفرنسي في خطاب على شرف الأسرة الجامعية بتلسمان إلى أن بلاده لم تعد قادرة على استقبال قوافل المهاجرين الجزائريين بمن فيهم الطلبة، حيث أفاد في هذا الصدد ”أنتم أيها الشباب مستقبلكم هنا في الجزائر”، مضيفا أن ”الشباب والطلبة الفرنسيين يعرفون نفس الظروف التي تعرفونها أنتم بالجزائر”، داعيا الشباب من جيل الاستقلال إلى الافتخار والاعتزاز لأنهم أبناء محاربين من أجل الحرية. وأفاد الرئيس هولاند أنه يمكن لفرنسا أن تقدم الدعم بطريقتين للنخبة الجماعية الجزائرية، وذلك ”عن طريق تكثيف التبادلات بين جامعات البلدين وبتطوير التعاون العلمي والجامعي”. ويكمن الجانب الثاني في ”إمكانية الاستقبال بفرنسا لمتربصين شباب”، الذين يأتون من أجل تحسين مستواهم خلال فترة محددة، مشيرا إلى أن سلطات بلاده ألغت مؤخرا تعليمة تحدد من الإقامة للدراسة للطلبة الجزائريين الشباب. وأشار الرئيس الفرنسي أيضا إلى أهمية تعزيز الشراكة في مجال التعليم العالي بين الجامعات الفرنسية والجزائرية، ورفع كل العراقيل التي كانت تعيق هذه الشراكة من خلال البحث سويا عن الصيغ المناسبة لتطوير هذه القطاعات، خاصة وأن الجزائر أول شريك لفرنسا في المجال الثقافي. وأوضح الرئيس الفرنسي عقب تسليمه الدكتوراه الفخرية من جامعة بلقايد في تلمسان أن ”الشراكة التي وقعها مع الرئيس بوتفليقة هي قبل كل شيء عقد للشباب، وهو ما سيتم عبر التكوين والجامعة”. يذكر أن الرئيس الفرنسي استقبل، أمس، من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مطار مصالي الحاج بتلمسان وحظي باستقبال شعبي حار على طول شارع العقيد لطفي وباب وهران.