أنظار السياسيين الفرنسيين والجزائريين متوجهة، اليوم، إلى قصر الأمم بنادي الصنوبر للاطلاع، أخيرا، على العبارات التي سيستعملها فرانسوا هولاند في خطابه أمام نواب الغرفتين البرلمانيتين، لتحقيق هدفه المتمثل في إعطاء ''انطلاقة جديدة للعلاقات الجزائرية الفرنسية''. خفّ الجدل هنا في الجزائر لدى أنصار تجريم الاستعمار ومن يعتبرون ذلك مجرد سجل تجاري، كلما اقترب موعد الزيارة التي بدأت أمس. وفي المقابل ازدادت أكثر في باريس النداءات التي تشجع هولاند على إدانة الاستعمار صراحة. ما يوحي بأن الرئيس الفرنسي يخفي مفاجأة ما سيكشف عنها اليوم، أو في حالة أخرى تكون هذه الزيارة تتويجا لاتفاق مسبق على كل النقاط العالقة بين البلدين. وما سيقوله هولاند في نادي الصنوبر أو في تلمسان لن يغير شيئا من هذا الاتفاق. الصحافة الفرنسية تجمع على أن هولاند سيركز في خطابه على حقيقة الأفعال المرتكبة طيلة الحقبة الاستعمارية في الجزائر. وفي هذا السياق، ذكرت ''لوفيغارو'' بوعود المترشح فرانسوا هولاند حين زار الجزائر سنة 2010، وقالت إنه ''وعد بقول الحقيقة حول الماضي الاستعماري وعن حرب الجزائر، ووعد أيضا بتقديم اعتذارات''. لكن تسريبات الإليزي عن مضمون الخطاب كانت حذرة وتراوحت بين ''عدم تجاهل ملف الذاكرة'' واستبعاد مصطلح ''التوبة'' الذي يوظفه اليمين كورقة ضغط كلما كان موضوع الاستعمار حديث الساعة. وبعدما فشلت معاهدة الصداقة التي كان يسعى جاك شيراك لتوقيعها مع الرئيس بوتفليقة ومبادرة الشراكة المميزة لساركوزي، يصف الناطق باسم الإليزي الاتفاق المرتقب توقيعه بين الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وفرانسوا هولاند ب''مجرد وثيقة'' تحمل عنوان ''تصريح الجزائر المشترك''، لكنه تصريح يريده الرئيسان ''دعامة وخارطة طريق للعلاقات الجزائرية الفرنسية الجديدة''، حسب نفس المتحدث. أما المؤرخ بانجمان ستورا، الذي يرافق هولاند إلى الجزائر، فيتحدث عن ''المصالحة''. وقال: ''كدنا ننجح في هذا مع جاك شيراك وكانت ''سنة الجزائر في فرنسا'' ناجحة إلى حد بعيد، ثم توترت العلاقات مجددا بين البلدين...''. ولم يقل ستورا ولا أي شخصية فرنسية أخرى ولا جزائرية ما الذي سيمنع من عودة العلاقات الثنائية إلى التوتر، رغم التعاطف الكبير الذي يحظى به هولاند حاليا في الجزائر. الأكيد أن معاهدة أو أي وثيقة تحمل اتفاقا مكتوبا حول مجموعة من المبادئ والإجراءات، هي وحدها الكفيلة بالحفاظ على دفء هذه العلاقات، مهما حدث من جدل سياسي بين الضفتين في المستقبل. لكن عبارة ''مجرد وثيقة'' التي استخدمها الناطق باسم الإليزي بخصوص تصريح الجزائر، دليل على أن هذا الأخير لن يكون له أي مفعول تنفيذي يجبر الطرفين على احترامه في كل الحالات مستقبلا. ويتضح من خلال كل هذه التسريبات والآراء المقربة من هولاند وطريقة التعامل الرسمي عندنا مع الزيارة، أن مجيء هولاند إلى الجزائر في حد ذاته مؤشر على عودة المياه إلى مجاريها بين البلدين ظرفيا. علما أنها تأتي بعد أخذ ورد طويلين بخصوص موعدها، وبعد تأجيل زيارة ثانية للرئيس بوتفليقة إلى فرنسا بدعوة من ساركوزي... في انتظار تطورات أخرى في العلاقات الجزائرية الفرنسية في مناسبات قادمة.