لم يختر الشيخ الأكبر ابن عربي صحراء دمشق حبا في شساعتها أو مناخها، وإنما فضلها لخلوها من ”الوشاة” وابتعادها عن العلماء ”المزيفين” ومن تبعهم من الطامعين في نيل ”حظوة” لدى هذا الحاكم أو ذاك ولو على جثث العلم والعلماء... ولو بتحريك الدين وكلام الله!. لا أحد يجهل قساوة مناخ الصحاري وندرة الماء فيها بيد أن ابن عربي اختارها سنة 620 هجرية للتأليف والتعبد.. والهروب من الأعداء كذا فعل الفيلسوف العالمي العظيم عبد الرحمن بن خلدون سنة 1380 ميلادية، حين اختار ”مغارة” في جبل صغير يطل على مدينة ”أفلو” الحالية في صحراء الجزائر، هناك ألف أعظم كتبا ”المقدمة” و”تاريخ العرب والبربر”. من لا يعرف قساوة الحياة ورعبها في ”المغارات” لكن عبد الرحمن بن خلدون اختار ليبتعد عن االجهل والنفاق والوشاية وقتل العلم والعلماء”. ففي إحدى ليالي رمضان الكريم قبل ستة أشهر من انزواء ابن خلدون في تلك المغارة، كان حاكم تلمسان الزياني قد قرر اغتياله عند منتصف الليل! كان ابن خلدون وقتها ”قاضي قضاة” تلمسان، ولو لا لسان الدين بن الخطيب الوزير صديق ابن خلدون لتمت الجريمة الكبرى في جنح ظلام تلمسان الزيانية، أخبر لسان الدين ابن خلدون بالمكيدة وساعده على الهروب من تلمسان إلى أبعد ما يمكن عن الزيانيين وجلاوزتهم! هكذا فر عبد الرحمن ابن خلدون من تلمسان وقرر بعد عشرة أيام من السفر المضني و”إخفاء الوجه والتمويه”، أن يقيم في تلك المغارة غير البعيدة عن أفلو حتى يكتب زبدة ما فكر فيه طوال حياته أي ”عصارة فلسفته”. إن فضّل ابن عربي الإنزواء في الصحراء للتأليف والكتابة، فهذا يعني أن هناك ”خللا مرعبا أو عطبا رهيبا” وسط دعاة الفقه والثقافة العربيتين. إن اختار ابن خلدون مغارة كسكن ومكتب تأليف” فهذا دليل عى أن ”الجو الثقافي والسياسي” في الأوساط الفقهية والثقافية كان قتالا ومجرما، بكل ما تحمله هتان الكلمتان من دقة مرعبة. للأسف مازال هذا الجو العفن يمص دماء علماء المسلمين ويضرب العلم النير بسيوف مسمومة تتجاوز جرائمها ظلاما ”المغارات” و”قساوة” مناخ الصحاري. .. يتبع