أعلن المجلس الدستوري يوم الثلاثاء، عن النتائج النهائية للعمليات الانتخابية لتجديد نصف أعضاء مجلس الأمة التي جرت يوم 29 ديسمبر 2012، في ال 48 ولاية، وذلك في اجتماع له تحت رئاسة رئيسه السيد الطيب بلعيز والذي خصّص لتثبيت انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة من عدمه. المجلس الذي أكد النتائج النهائية حسب -ما أورده البيان يوم الثلاثاء- جاء بعد دراسة النتائج المدونة في محضر فرز الأصوات والوثائق المرفقة والمودعة لدى كتابة ضبط المجلس الدستوري، بعد المداولة قانونا وتصحيح الأخطاء المادية الموجودة، حسب بيان المجلس دائما.. وأشار المجلس أيضا لعدد الناخبين المسجلين في 48 ولاية الذي أكدهم ب 26.895 ناخب، والتي تحصل فيها حزبا التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني على أغلبية المقاعد الخاصة بانتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة.. فأحرز التجمع الوطني الديمقراطي تثبيتا للنتائج الأولية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية والجماعات المحلية على 24 عضوا متبوعا بحزب جبهة التحرير الوطني ب 17 عضوا. كما أوضح نفس المصدر، بأن الأحرار قد احتلوا المرتبة الثالثة بثلاثة (3) مقاعد، متبوعين بالجبهة الوطنية الجزائرية وجبهة القوى الاشتراكية وحركة مجتمع السلم بمقعدين لكل واحد منها، في حين تحصل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والحركة الشعبية الجزائرية وجبهة المستقبل وعهد 54 على مقعد لكل واحد منهم في هذا المجلس.. وبذلك يصبح الأرندي، رغم تفوقه، القوة السياسية الثانية بعد جبهة التحرير الوطني، التي تبقى بقدمائها في المجلس القوة السياسية الأولى ب 39 مقعدا. النقطة الأولى الملاحظة على هذه الانتخابات هو أن المنتخبين ال 48 كلهم رجال ولا توجد ولا امرأة واحدة بينهم، وكأن مجلس الأمة ليس من ضمن الخارطة الإنتخابية التي نصّ عليها القانون العضوي الخاص بدمج النساء في المجالس المنتخبة، وهو الأمر الذي يثير الاهتمام والتساؤل في نفس الوقت، فالاهتمام بمصداقية هذه المداولات، لم تبرز في بيان المجلس الدستوري الذي لم يشر إلى غياب الثلث النسوي الذي نص عليه القانون، لا من بعيد ولا من قريب، بل لم يقدم حتى تأسفه على ذلك الخرق، فهل كان ذلك عرضا، أم أنه أمر خارج عن نطاق صلاحياته..؟ النقطة الثانية المثيرة للاهتمام، هي أن الحزبين الكبيرين الذين صاغا بأغلبيتهما في البرلمان السابق القانون العضوي الخاص بالمشاركة السياسية للنساء، لم يقوما بالعمل الواجب عمله في ترشيح النساء أو حتى الدفاع عن ترشيحن بالشكل الذي يطبقان فيه القانون الساري، لتجسيد هذه المسئولية الانتخابية، رغم أننا قد رأينا ترشح أكثر من 31 ألف امرأة في المجالس المحلية.. مما يعني أن هناك نوعا من الانتقام من الانتخابات البرلمانية وبالتحديد نوعا من الندم والحسرة على 147 منصب نيابي كانت قد افتكت من طرف النساء، والتي لم يكن لها أن تفتك لولا القانون العضوي ولولا مسؤولية سياسية إصلاحية فرضها رئيس الجمهورية نفسه، والتي كانت نتاج نضالات طويلة للجمعيات النسائية بصفة خاصة ومطالب مشروعة فرضتها قدرات المرأة الجزائرية في الميدان بصفة عامة، وأيضا نتيجة لالتزام الدولة الجزائرية بالمعاهدات الدولية التي صادقت عليها. النقطة الثالثة، إنما تطرح تساؤلات مهمة جدا على الطبقة السياسية الجزائرية، وتدفع للتساؤل عن مدى فهم هذه الطبقة للتعديلات الدستورية لعام 2008، ولماهية القانون الساري المفعول الذي صادق أغلبيتهم عليه، كما تطرح خطورة المصالح الشخصية، التي أثبتت أنها يمكن أن تكسر حزبا قد يعرف بالكبر، أو حتى تلغيه من الخريطة، وهي نفس المصالح من يتحكم في عملية الترشح لبعض مناضليه.. هو واقع هش إذن يثبت يوما بعد يوم تأثير العمل الانتخابي المبني على الحسابات الذاتية والمصالح الآنية على بنية الأحزاب ومبادئ تسييرها، والعجز الفادح في كيفية توحيد توجهاتها السياسية حتى ضمن إطار الحزب الواحد. أما النقطة الرابعة والأخيرة، فهي تلك التي تحيلنا مرة أخرى على صلاحيات رئيس الجمهورية، ومدى إمكانية صمود إصلاحاته تلك أمام هذه الفوضى السياسية والحزبية، وما مدى إمكانية إصلاح تلك الحقيقة الممثلة الآن في فراغ تمثيلي قانوني للنساء جد واضح..؟ أم هل سيقع عليه العبء الأكبر بتحمل مسئوليته السياسية لتغطية هذا الفراغ القانوني، فيأخذ على عاتقه في ثلثه الرئاسي تعويض ذلك الفراغ، وبذلك يمكنه أن يحفظ ماء وجه الجزائر التي أخلفت في تطبيق القانون العضوي لتحقيق تمثيل نسوي قانوني في مجلس الأمة.. وأن يجعل معجزة النساء في البرلمان تجربة عالمية وليست حالة يتيمة قد لا تتكرر حتى لو كان وراءها معولا سياسيا وقانونيا يفترض الخضوع له بل واحترامه من جميع الجزائريين مهما كانت مناصبهم ومسئولياتهم.