يقول معارضون للأمين العام الحالي لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم، إنه صنع الاستثناء في تسير الحزب وتمسكه بمنصب الزعامة فيه، رغم الزوابع التي تسبب فيها منصبه، ليكون بذلك وفقا لهم قد شذ عن القاعدة وصنع الاستثناء في حزب السلطة، الذي تركه مساعدية بسبب التعددية، ثم تنازل عبد الحميد مهري بعد أن رأى خيانة مقربيه له لصالح رغبة السلطة، ووصولا إلى بوعلام بن حمودة متبوعا بعلي بن فليس الذي انسحب بشرف بعد أن تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود لرئاسيات 2004، فيما يرى الموالون لبلخادم أن تمسكه بمنصبه شرعي وكل خلاف يجب أن يعالج في الأطر النظامية للحزب، وليس كل من أصابه وجع رأس بسبب الأمين العام فعلى الأخير أن يستقيل، وإلا فتح باب الفوضى على مصراعيه. ^ لكن في الفترة الأخيرة، وبعد المؤتمر التاسع للحزب، وبشكل أقوى مع تحضير قوائم الحزب لتشريعيات ماي 2012 برزت المعارضة داخل الحزب إلى العلن، وأخذت منحى آخر، حيث مثّلت الدورة الأخير للجنة المركزية شهر جوان المنصرم، بفندق الرياض نقطة انعطاف قوية بين المعارضة والموالاة داخل الحزب، تشتد فيها الحرب حينا وتخف أحيانا أخرى، وفقا لمعطيات الساحة السياسية التي يقرأها كل طرف على أنها إشارة من أصحاب القرار لصالحه. لكن المتفق عليه، أن شخصية الأمين العام الحالي للحزب العتيد عبد العزيز بلخادم أصبحت الحدث بل الحدث كله في الأفلان، وأضحى بلخادم رجل المعارضة والموالاة داخل الجهاز، مما أثر على تحالفات الحزب على مستوى المجالس المحلية والولائية، وغيبه عن مواكبة أحداث سياسية وطنية ولإقليمية. ويبقى وفق منظور الكثير من المتتبعين، أن بلخادم استطاع الصمود طويلا في وجه جميع الزوابع والاحتجاجات التي نظمت من أجل زخزحته عن منصبه. وعلى العكس مما قام به الأمناء السابقون للحزب، تمكن بلخادم من ربح عامل الوقت لصالحه، وتحدى خصومه بإقحام رئيس الجمهورية في النزاع على حد تعبير المعارضين له، مما جعلهم يخرجون ورقة الطموحات الرئاسية لبلخادم في استغلال عكسي لمؤسسة الرئاسة في الصراع بين الطرفين، فهل حدث هذا المر من قبل في توجيه الصراع داخل بيت الحزب العتيد؟ وإذا رجعنا إلى الوراء قليلا، نرى أن الأمين العام الأسبق المرحوم الشريف مساعدية ترك منصب الأمانة العامة، ورضخ لمطالب التغيير التي أقرتها انتفاضة الخامس من أكتوبر 1988، والتي توجت بفتح المجال للتعددية السياسية، ووضع الأفلان في صف واحد والتشكيلات السياسية الأخرى التي أفرزها دستور 1989، وتم عقد المؤتمر السادس للأفلان سنة 1990، أين اقتضت الأوضاع الجديدة تسليم المشعل لقيادة حزبية جديدة، ووقع الاختيار وعلى المرحوم عبد الحميد مهري الذي كان رجل إجماع وزكاه المؤتمرون بالأغلبية الساحقة. ولم يرتبط بقاء عبد الحميد مهري على رأس الأفلان بتعنته أو تسلطه، وإنما بحكمته، التي أزاحته من منصب الأمانة العام عندما أرادت السلطة استرجاع حزبها إلى بيت الطاعة، بواسطة مؤامرة علمية قادها عبد القادر حجار ضد مهري، الذي أراد تحويل الأفلان من حزب إدارة إلى حزب سياسي، وكانت محطة ”سانت إيجيديو” القطرة التي أفاضت الكأس عليه، مما عجّل بانسحاب مهري بشرف، وتعويضه بأحد قادة المؤامرة العلمية بوعلام بن حمودة. وقد عرفت مرحلة تسير بن حمودة للأفلان انسجاما كبيرا بين الحزب والسلطة، وشقيقه في الرضاع السلطوي التجمع الوطني الديمقراطي، فرضتها المرحلة العسيرة التي مرت بها الجزائر آنذاك، ولهذا عرف الأفلان خلال هذه المرحلة تراجعا بالمؤسسات، حيث سيطر الأرندي على البرلمان سنة 1997، أي خلال عهدة الرئيس السابق اليامين زروال. لكن سرعان ما عاد الأفلان إلى الريادة بوصول رئيس الجمهورية المناضل الأفلاني عبد العزيز بوتفليقة، إلى قصر المرادية سنة 1999، حيث كانت مقتضيات هذه المرحلة تفرض ووضع شخصية جديدة على رأس الحزب، وزكي علي بن فليس الذي كان مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة على الأمانة العامة للأفلان. ومع مرور الوقت تغيرت الظروف والمعطيات وانتقلت عينا بن فليس من رئاسة الحكومة إلى كرسي الرئاسة بالمرادية، فحدث الانشقاق وسط الحزب، وتوزع على فريقين، واحد مع بن فليس الذي ترشح لرئاسيات 2004 تحت مظلة الحزب، وعبد العزيز بوتفليقة الذي ترشح حرا للموعد، وانتهت المعركة لصالح بوتفليقة، وجاءت معه نهاية بن فليس من على رأس الأفلان، والتي برز معها عبد العزيز بلخادم رفقة ما سمي آنذاك بالتصحيحيين، والذي يقود الحزب الآن للعهدة الثانية على التوالي، رغم العواصف المتتالية في الحزب. شريفة عابد في آخر خروج إعلامي له قبل دورة اللجنة المركزية بلخادم: ”خصومي يحاولون زرع الفتنة بيني وبين الرئيس بوتفليقة” قال عبد العزيز الخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، إن الحزب العتيد لا يعيش أزمة، بل هناك على حد تعبيره ”محاولة لزرع الفتنة بيني وبين الرئيس بوتفليقة”. ونفى بلخادم، أمس في حوار مع قناة نسمة المغاربية، كل ما يشاع عن أزمات تعرفها جبهة التحرير الوطني، مستبعدا أن يكون الحزب العتيد يعيش أزمة رغم تعالي أصوات من اللجنة المركزية تطالب برحيله من منصب الأمين العام، واتهم في هذا الصدد أشخاصا في المعارضة، دون أن يسميهم، بمعارضتهم لترشح عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية ل2014، وقال في هذا الصدد ”لا يمكن للحزب أن يترك رئيسه إن أراد دخول السباق مرة أخرى ويقف بجانب مرشح من خارج الحزب”. وفي السياق ذاته اتهم بلخادم اللجنة المركزية التي تطالب برحيله ”بأنها تحاول زرع الفتنة بينه وبين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة”. وقال بلخادم الذي تحدد اليوم دورة اللجنة المركزية مصيره على رأس الحزب عن موقفه من إسلاميي الفيس المحل، وبالتحديد علي بلحاج، في رد عن سؤال حول موقفه من تعليق الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة على الحل العسكري لأزمة تيغنتورين لتحرير الرهائن بقوله ”بلحاج رجل حر وله الحق في التعليق على ما يشاء”. وفسر البعض تصريح بلخادم الذي ترأس العديد من الحكومات وشغل منصب وزير الشؤون الخارجية إلى جانب وزير دولة وممثل شخصي للرئيس بوتفليقة كاستمرار لتودده للقاعدة النضالية لجبهة الإنقاذ لمحلة.