95 % من الشبان دون عمل وغلق الحدود يحاصر مربي الإبل حذرنا أحد أعيان منطقة الساحل من محاولة تشويه حقيقة المجتمع الصحراوي بنقل صور لا تمت له بصلة انطلاقا من رؤية سطحية، لما يحدث ويجري على الأراضي الجزائرية وتحت الرعاية السامية للقاضي الأول في البلاد، ودعانا إلى إنصاف من ولد في عمق الصحراء و رضع القسوة في حضن البوادي والشعاب وشبّ على فعل الخير، دون أن ينزاح عن العادات والتقاليد التي مكنته من رحابة في الحياة وراحة نفسية بعيدا عن شيء اسمه الضغوطات المعيشية. وورّطنا الرجل الذي يتمتع بثقافة كبيرة ومستوى تعليمي عال مع ضميرنا نروي ما نعتبره نحن صوابا، حيث أصررنا أن هناك استعبادا للبشر ولا يمكن أن نغض الطرف عن قصص الزواج الصادمة و لا حكايات ألف ليلة وليلة، ولكن بطبعة عربية طارڤية بحتة أبطالها أشخاص فاحشو الثراء يتاجرون في المقدسات، ولا أحد يمنعهم عن هذه السنة المبتدعة، مما حاولنا نقل تفاصيل عن مظاهرها الشاذة عن مجتمعنا. صحراويون يحللون زواج المتعة.. وبأغلظ الإيمان لا يفكر الصحراوي في دفن زوجته ولا هي تفكر بذلك بعد طول العمر، ولا يسعيان أبدا إلى تمضية كامل حياتهما معا، أما مفهوم تحمل المسؤوليات العائلية والواجبات الانسانية كزوجين فيكاد يكون غائبا. وينعدم مصطلح التضحيات العاطفية عن كثير من سكان أقصى الحدود، ليحل محله واقع آخر يرضي الطرفان ولا حديث عن شيء اسمه الظلم بينهما. وبساطتهم المبالغ فيها في ممارسة حياتهم أوقعتهم في المحظور وحولتهم إلى مجرمين في حق الدين الاسلامي الحنيف الذي دعا إلى تسهيل أمور المقبلين على الزواج تحسبا لانتشار الرذيلة، وباليمين الغليظ يبيعون ويشترون في الحرمات، ويدفعون بالشرف إلى الهاوية. هم أغلبية من سكان أقصى الحدود الذين يؤمنون بالحرية المطلقة التي تمنع عنهم القيود حتى تلك المرتبطة بالمقدسات.. الزواج عندهم هو علاقة عابرة أو نزوة أحلها الإسلام تنتهي بمجرد انتهاء أسبابها، ويعود المسؤول عنها للبحث عن نزوات أخرى رجلا كان أو امرأة، فكلاهما يحظى بنفس الامتياز والمساواة بينهما تتجسد في هذه البقعة التي تنتمي إلى الجزائر. فالرجل الصحراوي طارڤيا كان أو عربيا يتزوج أكثر من مرة ولا يتقيد بمسؤوليات تجاه عائلته الجديدة، يعيش عند أهل زوجته إلى أن يتبين له طريق آخر يسلكه ويغادر عشه الزوجي، وربما دون رجعة. زوجته هي الأخرى لن تعيش حياتها تترقب عودة زوجها وإنما تغتنم أول فرصة تنالها فتتزوج مع أول من يتقدم إليها وهكذا.. وفي الأخير يتكون جيل جديد من الإخوة ولكن لأكثر من أب وأكثر من عرق ينتمون إلى قبيلة والدتهم. آباء يبيعون بناتهم في رهان لمن يدفع أكثر أرغمها والدها على الزواج من طليق قريبتها، وكانت متعلمة أبت أن ترضخ لهذا القانون العرفي الجائر، لكن محاولاتها في الصمود في وجه والدها باءت بالفشل لإصرار العريس على الفوز بها، وتطلب منه ذلك دفع الكثير من الأموال، واستمر الوضع إلى أن استسلمت أمام إلحاح والدها، والنهاية أنها تزوجت منه وطلقت بعد مدة، ونالت نفس مصير ابنة عمها التي طلقها بعد يوم فقط من قراءة فاتحتهما، وعندما حاولت الاحتجاج عند المصالح القضائية اكتشفت أن زواجها غير معترف به مدنيا.. كما حدثنا أحدهم عن ظاهرة الرهانات المقامة بين الشبان للفوز بصحراوية، وليس منطلقها هو الإعجاب، وإنما التباهي وتأكيد القدرة على الحصول على الفتاة محل الرهان مقارنة بأقرانه، كأنها لعبة تنتهي فاعليتها بمجرد تحقيق رغبة الامتلاك، والقدرة هنا تعني من يملك الأموال لإرضاخ والدها أو ولي أمرها، والأب لا يجد حرجا في بيع ابنته رغم علمه أن الزواج مؤقت. أما العريس فقد تعود على الاستمتاع بأداء دور شاهريار ومعايشة حكايا ألف ليلة وليلة وإنهاء الزواج في اليوم الموالي، أوبعد شهر في أحسن الأحوال، ويبرر سلوكه بكثرة أسفاره.. وكثيرون لا يكترثون بتبعات تصرفاتهم. وبالنسبة للمرأة فهي على دراية بمصيرها وأقل مخاوفها أن يتزوج عليها شريكها لأن الموضوع من المسلمات، والظاهرة منتشرة في المجتمع الصحراوي الذي ينظر بالريبة إلى من يكتفي بزوجة واحدة وكأنه يشكو نقصا في رجولته!. أسياد يُحاكون الجاهليين في استعباد البشر سار خلفها يحمل أغراضها وهي تتجول بين أزقة مدينة برج باجي مختار، وبدا وكأنه ابن لها يساعدها على نقل مقتنياتها لولا الملابس الرثة التي كان يرتديها مقارنة بها، ولم يكن لون البشرة المختلفة سببا في اعتقادنا غير ذلك، لأن احتمال مشابهته لوالده المفترض أن يكون أسود كبيرة جدا، اقتربنا منها وسألناها فكان جوابها مستفزا ويحمل الكثير من العنصرية التي ساءتنا..”هل ترضين أن يكون ابنك هكذا؟”، “لست من يلد أطفالا ذوي البشرة السوداء”، ولم تكن مع ذلك بشرتها بيضاء، واكتشفنا أنه عبد لها ويقوم على خدمتها، وكان يستمع إلى كلامها القاسي دون أن يثير أي ردة فعل، بل أكثر من ذلك كنا قد أخفناه قليلا بأسئلتنا فكان يتشبث بسيدته هروبا منا. كانوا كثرا جدا وينتمون الى قبائل تعرف أنها قبائل مستعبدة أبا عن جد، حدثتنا إحدى النساء أنها منذ نعومة أظفارها وهي تعرف أن عائلتها تملك عبيدا يقومون على خدمتهم. سألناها عن مصيرهم لو أبدوا تمردا عليهم، فأكدت أنها لم يسبق أن رأت أو سمعت شيئا من هذا القبيل، بل أكثر من ذلك فإنهم يأبون التخلي عن أسيادهم حتى ولو طلب منهم المغادرة. وتعتقد المتحدثة أن لا مشكلة في استعباد الناس إذا تمت معاملتهم بالحسنى، والتي تمتد إلى التكفل بهم طوال الحياة. وأعربت عن استيائها ممن يستغل نفوذه لارتكاب مظالم في حقهم، أضافت أن المستعبدين ينتمون إلى قبائل العبيد الموجودة منذ قرون، وهي قبائل لا تملك إلا خدمة أسيادها منتشرة خاصة بين الجزائر ومالي. في حين أوضحت لنا في استفسارنا عن خياراتهم عند الزواج أنهم لا يستطيعون حتى الحلم بابنة السيد، فهم لا يتزوجون إلا بنات جلدتهم. ومع ذلك لمسنا الكثير من الخير عند أحدهم وقد تعهد برعاية هؤلاء وتمكينهم من فرص الحياة بما فيها التعليم، وحرص على رعاية الفتيات إلى حين تزويجهن بتلبية كامل طلباتهن. ولكن على العموم وعلى لسان من حدثناهم، فكثيرون منهم يعيشون مأساة حقيقية وهم يقومون على خدمة البيوت من تنظيف وطهي، وفي كثير من الأحيان لا يتلقون رواتب نظير ذلك ويكتفون بمجرد تزويدهم بالطعام. آلاف الجزائريين منسيون وغياب الوثائق الثبوتية قنبلة موقوتة يدفع الصحراويون ضريبة حريتهم التامة في الزواج والطلاق دون قيد أو شرط، ويتسببون في مشاكل ترافق أولادهم مدى الحياة لأنهم يتعمدون عدم تثبيت عقد الزواج في المصالح المعنية، وذلك بغية تسهيل عملية التخلص من أزواجهم كلما سنحت لهم الفرصة، وعدم التورط في الإجراءات الإدارية والقضائية وتحمل مسؤوليات ذلك. غير أنه مع مرور الوقت يكتشفون حجم الخطأ الذي اقترفوه في حق أبنائهم الذين يعجزون عن الالتحاق بالمدارس. وبلغة الارقام فإن ألف صحراوي منسي يتم تسجيله كل سنة في امتياز وفرته السلطات الجزائرية لتمكين أولئك الذين ولدوا في عمق الصحاري من فرصة التسجيل، وبالتالي التمتع بأوراق ثبوتية. وحسب مصادر قضائية فإن تأكيد هوية طالبي التسجيل في الحالة المدنية تكاد تكون مستحيلة، وأن التحقيقات لا تصل إلى أي نتيجة، ومع ذلك توصلت المصالح المعنية إلى حلول مرضية، حيث يطالب المعني بشهادة التسجيل التي يستخرجها من البلدية بالاستعانة بالشهود، وهي تمكنه رفقة وثائق أخرى من الهوية، كعقد زواج الوالدين التي يمكن توثيقه في الحالة المدنية، شهادة ميلاد الأبوين أو وفاتهما، تصريح شرفي بالاعتراف، شهادة طبية وطلب خطي.. وهذه الوثائق تمنع غير الجزائريين من محاولة الانتساب إليها، وهي أمور لم تكن فيما مضى متوفرة، فكان لزاما اللجوء الى اللجنة الاستثنائية للحالة المدنية التي أوقفت نشاطها قبل سنوات بعدما كانت الفيصل في تحديد هوية السكان، وكانت تتكون من أعيان القبائل، بعض المواطنيين، الدرك الوطني، وكيل الجمهورية ورئيس البلدية. ومع ذلك تبقى الغالبية العظمى من البدو الرحل بعيدة عن هذه الاجراءات، وكثير منهم ولد في غاوة التابعة لدولة مالي، فيستحيل معهم إثبات هوياتهم وهويات أولادهم، خاصة مع غياب الشهود أثناء الولادة في الصحراء، والنتيجة أنهم عاجزون عن الاستفادة من الامتيازات التي خصصتها الدولة لفائدتهم. 100 شخص يقدم طلبا التسجيل شهريا وكشف رئيس المجلس الشعبي البلدي لبرج باجي مختار، سلسيني انجده، أن حوالي 100 شخص يقدم شهريا طلبا التسجيل، و في عام 2012 بلغ عدد المسجلين 2455 مسجل، في وقت يتجاوز عدد سكان البرج 25 ألف شخص، ويبقى الآلاف غير مسجلين ولا يستفيدون من الدعم، وهو الأمر الذي شجعهم على الالتحاق بالمصالح المحلية لتسوية وضعياتهم ونيل حصتهم من الدعم، خاصة أنهم بدو رحل ويعانون مختلف أشكال الكوارث الطبيعية إثر الجفاف، ويتكبدون خسائر جمة عند نفوق إبلهم، خاصة أن الجمل الواحد يبلغ سعره أزيد من 15 مليون سنتيم. وحسب احسن رمضاني، رئيس جمعية الفصيل في تربية الإبل، فإن البدو الرحل تعرضوا لأصعب مشكلة بغلق الحدود وأضحوا أكثر حاجة إلى دعم الدولة، قائلا:”مربو الإبل لا يفهمون الدواعي الأمنية من غلق الحدود، بل يعتقدون أنهم ابتلوا بحصار منعهم من التنقل إلى الأراضي المالية التي يتوفر فيها الرعي”. غلق الحدود جّمد نشاط 50 بالمائة من شبان أقصى الحدود ركن شبان أقصى الحدود إلى البطالة بعدما تم غلق الحدود استنادا إلى متطلبات أمنية باندلاع حرب مالي، واضطر كثيرون إلى التخلي عن عملهم المتمثل في المقايضة، التجارة والتهريب، والقليل منهم رعي الإبل.. واكتفى باستهلاك ما ادخره إلى حين تحسن الاوضاع التي لن تسوى في القريب العاجل بالنظر الى التعقيدات الحاصلة عند الجارة مالي، وأضحى حسب مصادر أمنية قاب قوسين أوأدنى من الإجرام لتوفير ما يسد به رمقه. وكشف رئيس بلدية برج باجي مختار أن 95 بالمئة من شبان البرج بدون عمل، داعيا إلى ضرورة فتح آفاق أخرى يتمكن على أساسها البطال من تأمين متطلباته بعيدا عن التجارة، التي أضحت مستحيلة بالنظر الى الأوضاع الامنية غير المستقرة، ومنها تشجيعهم على الرعي داخل التراب الوطني بدعمهم انطلاقا من عملية التصنيف الرعوي وإنقاذ الثروة الحيوانية المهددة، خاصة أنها تمول منطقة الجنوب كلها، مع العمل على فتح ورشات أو تعاونيات في أكثر من قطاع، بما في ذلك الفلاحة، باستغلال الوفرة المائية بهذه المنطقة وتسهيل عملها بدعمها ماديا، وتجنب مصير التعاونية الفلاحية التي أعلنت تعليق عملها بعد مطالبتها بدفع فاتورة الكهرباء المستعملة لضخ المياه، بعد عام فقط من الشروع في النشاط، وهو ما عجز عنه أصحابها. ونوه رئيس البلدية إلى أن مجالات كثيرة يمكن للانسان الصحراوي استغلالها، ولكنها تتطلب مرافقة الدولة لها، بغض النظر عن المجهودات الجبارة التي تقوم بها، خاصة منها السكن الذي يمثل هاجسا حقيقيا، خاصة أن نزوح جزائريي ليبيا ومالي إلى المنطقة بعد التدهور الأمني بها قلص فرص الكثيرين في تحقيق حلمهم في سكن محترم، وجعلهم يلجؤون الى البناء الفوضوي الذي أضحى بلا منازع أكبر تحد تواجهه السلطات الجزائرية، بالنظر إلى أن المساحة المستغلة أكبر بكثير من المدينة التي من المفروض أنها تمثل منطقة برج باجي مختار.