كوخ من الطوب بمليوني سنتيم شهريا في برج باجي مختار سكان تيمياوين يقولون إن الإجراءات الأمنية غير كافية لحراسة الحدود بدأت الحرب المعلنة في شمال مالي ضد جيوب ومعاقل الجماعات المسلحة الإرهابية، تلقي بجحيم مشاكلها ومتاعبها على المناطق الحدودية الجزائرية (برج باجي مختار وتيمياوين وتين زاواتين). وأول ''الغيث'' تدفق موجات اللاجئين الفارين من الحرب، في أعقاب غلق الحدود الجزائرية، والذي حوّل برج باجي مختار إلى قطعة من جهنم، لأن الوضع ينذر بحدوث كارثة اجتماعية، بعد أن أحيل قرابة 09 بالمائة من السكان على البطالة. بينما يجمع أغلب سكان تيمياوين على أن الوضع الأمني بمنطقتهم يزداد خطورة، والتغطية الأمنية للحدود هشة للغاية، لأن الإجراءات المعتمدة غير كافية، ويتوقعون تدفق موجات أكبر من اللاجئين، بينهم جنود ومدنيون ماليون وعناصر للأزواد ومواطنون ماليون. وفي غمرة أجواء الحرب، يطلب العرب التوارف من الجزائر لعب دورها، لأنهم يتوقعون عمليات تصفية عنصرية ضدهم من قبل القوات الإفريقية. فيما يبقى السؤال مطروحا بشأن مئات اللاجئين داخل الحدود المالية، ممن حرموا من المساعدات الإنسانية بعد غلق الحدود. كانت رحلتنا من تمنراست إلى برج باجي مختار على متن سيارة رباعية الدفع، أشبه ما تكون برحلة نحو المجهول، في غمرة تداعيات الحرب الدائرة رحاها في مالي على المناطق الحدودية الجزائرية (برج باجي مختار وتيمياوين وتين زاواتين). طوارئ برج باجي مختار لم تكن وجهة مفضلة، سواء بالنسبة للمغامرين من أصحاب سيارات النقل ممن يشتغلون على خط تمنراست برج باجي مختار، قاطعين عمق الصحراء على مسافة 540 كيلومتر، أو حتى بالنسبة للمواطنين المتوجهين إلى المنطقة، لأن الخوف عسكر بالمناطق الحدودية، خاصة بعد الاعتداء الإرهابي الذي استهدف المنشأة الغازية بقاعدة تيفنتورين بعين أمناس، ولا شيء يشير إلى أن الخوف سيغيّر معسكره بالمناطق الحدودية بشكل خاص ومنطقة الساحل على نحو عام، التي تقاطعت فوقها طموحات جماعات مسلحة إرهابية تنامى دورها مع بارونات تهريب المخدرات والأسلحة، والمافيا القادرة على تبييض الأموال وصناعة الحروب. فبضع ساعات فقط بعد الاعتداء الإرهابي كانت كافية لتغيير كل شيء في تمنراست، فقد دخل الإيقاع الخاص بالإجراءات الأمنية على كل شيء بني فيها وعليها ومن حولها، لأن الولاية برمّتها دخلت في حالة طوارئ، حيث أحكمت الرقابة على كل المنافذ والطرقات، بينها مداخل ومخارج المنطقة، وأخضعت السيارات والشاحنات لعمليات تفتيش بعد أن نصّبت، في ظرف قياسي، حواجز أمنية للدرك وحرس الحدود والشرطة، فيما تم تشديد الرقابة على مداخل ومخارج بعض المؤسسات، كمطار تمنراست، وعدد من المؤسسات الاستراتيجية، تحسبا لدفع أي خطر إرهابي قادم. فعلى بعد 40 كيلومترا عن تمنراست، تم توقيف عربتنا عند حاجز مراقبة لعناصر حرس الحدود في حدود الساعة الرابعة زوالا، حيث تم تفتيش المركبة، وأجبر كامل ركابها ممن كانوا جميعهم من التوارف، على إظهار بطاقات هوياتهم، فيما راحت بعض العناصر تسأل عن سبب زيارة برج باجي مختار، في ظل ما وصفته بالظروف الأمنية الصعبة، ليتم أخيرا تحرير المركبة وتنبيه الجميع إلى ضرورة التزام الحيطة والحذر في الطريق. وبعد ابتعادنا عن الحاجز الأول بنحو عشرة كيلومترات، تم توقيفنا في حاجز أمني ثان لحرس الحدود، أخضعت فيها السيارة وجميع الركاب لعملية تفتيش بعد إظهار بطاقات الهوية. واصلنا الرحلة إلى أن اقتربنا من بلدية سيلت التي تبعد عن تمنراست ب140 كيلومتر، حيث كانت الساعة تشير إلى الساعة السادسة مساء، إذ أمر صاحب المركبة أحد المرافقين له ممن كان يتولى قيادة السيارة، التوقف حتى يتولى هو دور القيادة. إلا أن وحدة للجيش الوطني الشعبي كانت بصدد الخروج من أحد الجبال القريبة من سيلت، ساورها شك في السيارة المتوقفة بالطريق، ما جعل عناصرها ترسل إشارات ضوئية على بعد نحو 500 متر لصاحب السيارة بعدم التحرّك، وهي الوحدة التي كانت مزوّدة بعتاد حربي، كالمدرعات وأسلحة ثقيلة. وحين أحاط عناصرها جيّدا بالسيارة، أمر قائدها صاحب السيارة بمواصلة الرحلة. ليل كل المخاوف هذه الحواجز، في الواقع، زادت من مخاوف ركاب السيارة ممن كانوا جميعهم يتساءلون عما إذا كانت الطريق المؤدية إلى برج باجي مختار آمنة أم محفوفة بمخاطر، ولكن في كل مرة، كان السائق يطمئن الجميع على أنه أحد العارفين بهذا المسلك الذي يقطع عمق الصحراء، إلا أن أحد الركاب ردّ عليه بأن الطريق كان، قبل نحو بضعة أشهر، مسرحا لعملية اعتداء، قامت بها مجموعة من الأشرار ممن ترصدت طريق بعض المسافرين وجرّدتهم من حاجياتهم وأموالهم ولاذت بالفرار. وعلى العموم، فإنه في الوقت الذي كنا نواصل فيه رحلتنا تحت جنح الظلام، كنا نتقاطع، من حين لآخر، مع سيارات وشاحنات قادمة من برج باجي مختار نحو تمنراست، فيما كانت عربات أخرى من حين لآخر تتبعنا. إلا أن ما لاحظناه عند حلول الساعة العاشرة ليلا، هو انقطاع حركة السيارات والشاحنات على مستوى هذا المسلك إلى غاية الساعة السادسة صباحا، ما يعني أن الخوف راح يكبح إرادة سكان المناطق الحدودية في التنقل ليلا، وراحوا يضبطون حساباتهم ويكيّفونها مع المستجدات التي طرأت على المنطقة. ومع ذلك، فإن الخوف لم يكن له أي مفعول على ركاب السيارة، ممن فضلوا المبيت في عمق الصحراء على بعد 60 كيلومترا عن برج باجي مختار، لأن السائق الذي أوقد النار لإعداد وجبة العشاء على نحو ما تقتضيه تقاليد التوارف، تمكن من إبطال مفعول الخوف الذي كان يسكن الجميع. فمع أن مناطق برج باجي مختار وتيمياوين وتين زاواتين تعيش، منذ أسابيع، تداعيات الحرب الدائرة رحاها في مالي، إلا أنه طوال المسافة التي قطعناها في عمق الصحراء لم نصادف أي حاجز لحرس الحدود أو الجيش الوطني الشعبي، ولم نشاهد طلعات جوية لطيران الحرب الجزائري أو حوّامات تستطلع تلك المناطق، ما يطرح بالتالي تساؤلات عن الكيفية التي يتم بها تأمين حدودنا من أي خطر، خاصة أن الشريط الحدودي مع مالي شاسع وغير محروس، على نحو ما هو مفترض أن يكون. فمن يحمي التجار والمواطنين المتنقلين بين برج باجي مختار وتمنراست في حال ما إذا كانوا هدفا لاعتداءات إرهابية وغيرها، لاسيما أن الطريق غير معبّدة وخالية وموحشة. على العموم، فسالك هذا الطريق معرّض لكل الأخطار التي من شأنها أن تقدّم جسمه قربانا للغربان والذئاب، فلا سبيل لإنقاذ نفسك، لأن مجال التغطية الخاص بالهاتف النقال منعدم ولا يدخل الخدمة إلا إذا اقتربت من برج باجي مختار بسبعة إلى عشرة كيلومترات، وهي واحدة من النقاط التي تطرح علامة استفهام أيضا بشأن استراتيجية حماية الحدود وتأمينها. برج باجي مختار تستغيث عند اقترابنا من برج باجي مختار ببضع كيلومترات، في حدود الساعة العاشرة صباحا، شاهدنا طائرتين حربيتين للجيش الوطني الشعبي تقومان بطلعات جوية في المنطقة ترافقهما حوّامات، فيما كانت الحياة بشوارع البرج المتسمة بالغبار عادية، ولو أن الجو العام كان يؤشر إلى أن المنطقة تعيش حالة طوارئ، في غمرة الآراء التي أكد من خلالها مسؤولون في الدائرة والبلدية، وحتى مواطنون، أن المنطقة شهدت، قبل أسابيع، وصول تعزيزات أمنية، تأهبا للرد على أي طارئ على الحدود الجزائرية، بينها طائرات حربية ومروحيات ودبّابات ومدرعات وسيارات رباعية الدفع والمئات من أفراد الجيش الوطني الشعبي. حاولنا اجتياز الحاجز الأمني الذي أقامه عناصر للجيش والدرك، على بعد نحو 15 كيلومترا عن الخليل المالية، لمعرفة الأوضاع السائدة عند نقطة التماس مع الخليل، إلا أنه لم يسمح لنا بالمرور بحجة أن الحدود مغلقة. إلا أن شهود عيان من الجزائريين التجار القادمين من كيدال وغاو فرارا من الحرب، قالوا إن وحدات الجيش الوطني الشعبي انتشرت بمدرعاتها، ونصبت خيمها، وأخذت مواقعها على طول الشريط الحدودي مع الخليل. فعلى مستوى الحاجز الأمني، يتم إخضاع كل العربات والشاحنات والأشخاص لعمليات تفتيش، ولا يسمح للجزائريين الراغبين في التوجه إلى مالي بالخروج، كما لا يسمح للماليين الراغبين في الدخول للتراب الجزائري بالدخول، حتى ولو كانت أوضاعهم الإنسانية حرجة. وموازاة مع أجواء الحرب، بوسع المتجوّل في محيط برج باجي مختار أن يكتشف الوجه الآخر للمنطقة، بعد إقدام السلطات الجزائرية على اتخاذ قرار غلق الحدود. فحيثما ولّيت وجهك، تجد عشرات الشاحنات والعربات مركونة على طرف الطريق، ينتظر أصحابها ممن وجدوا أنفسهم في وضعية أشبه ما تكون بالرهائن، المستجدات التي يمكن أن تبث في صيرورة مستقبلهم. ف''أغلب الشاحنات التي ركنها أصحابها إلى غاية إشعار آخر، أصحابها تجار يشتغلون على خط أدرار، برج باجي مختار، كيدال، غاو وتومبوكتو. ولكن بعد قرار غلق الحدود، وجدوا أنفسهم في وضعية البطالين''، حسب عبد الله الذي يشتغل على خط أدرار غاو من سنة .1991 ويضيف: ''أنا أعتمد في تجارتي على المقايضة، أقدم التمر مقابل المواشي والشاي في غاو. ولكن منذ شهر، توقفت عن الذهاب إلى غاو، لأن الوضع الأمني هناك أصبح مترديا للغاية، ولم يعد يسمح بممارسة التجارة''. فيما كانت شاحنات وعربات أخرى تعود لماليين، محتجزة في مركز للجمارك. وعموما فإن قرار غلق الحدود لم يستسغه لا سكان المناطق الحدودية، ولا الماليون ممن اعتادوا على التنقل بسهولة إلى الأراضي الجزائرية، فحديث العام والخاص في الشارع والمقهى وأماكن النقل والساحات، مرتكز أساسا على الانعكاسات التي ستجنيها المنطقة من هذا القرار، ولا يستبعدون حدوث كارثة اجتماعية إذا ما ظلت الأوضاع على ما هي عليه لمدة شهرين. ''هل تعلم أن 90 بالمائة من سكان المنطقة هم اليوم عاطلون عن العمل، منذ أن تم غلق الحدود، كونهم يعتمدون بالضبط على تربية المواشي والمقايضة بها، وبيع المواد الغذائية، الأواني المنزلية، الأثاث، مواد البناء وغيرها''، يقول طاطي اوسوك، أحد أبناء المنطقة. فيما يشير أبوزو موندي، نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي لبرج باجي مختار، إلى أن أغلب السكان الذين دخلوا مالي بغية البحث عن مراعي لماشيتهم، أجبروا اليوم على العودة إلى التراب الجزائري، رغم انعدام مناطق الرعي ببلادنا. وكانت عملية غلق الحدود نقمة أيضا على المهرّبين ممن اعتادوا تهريب الوقود إلى مدن شمال مالي، حيث كانت محطة التزوّد بالوقود خالية على عروشها، بعد أن كانت قبل نحو شهر تستقبل مئات الشاحنات والعربات عند منتصف النهار. بينما يشير تجار آخرون إلى أن الشاحنات التي تأتي محمّلة بالبضائع والسلع، من رفان وأدرار وتمنراست لبيعها في شمال مالي، لا يسمح لها بدخول التراب المالي، رغم قلة المؤونة لدى سكان الشمال ممن لازالوا مهدّدين بكارثة إنسانية. وزيادة عن الارتدادات التي خلّفتها عملية غلق الحدود، فإن الحرب الدائرة في شمال مالي، والمتمثلة في مواصلة الطيران الحربي الفرنسي غاراته على جيوب ومعاقل الجماعات الإرهابية المسلحة، قد حوّلت برج باجي مختار إلى وجهة مفضلة لموجات اللاجئين الفارين من جحيم الحرب. فإلى غاية الساعة، لاتزال المنطقة تستقبل عددا من العائلات، ولو أن السكان يعترفون بأن الوضع أصبح لا يطاق، حيث نشأت أحياء صفيحية وأخرى من الطوب في ظرف قياسي على مستوى حي الرشوة وحي الفوضى، فيما اشترى لاجئون غامضون قطعا أرضية وشيّدوا فوقها أكواخا تفتقد للإنارة والماء والغاز، فيما وجدت عائلات من أصول جزائرية صدورا رحبة لاحتضانها من قبل أقارب لها. فحيثما تجوّلت في برج باجي مختار، تسمع الآراء التي تتقاطع في قناعة واحدة، وهي أن هذه موجات اللاجئين كانت سببا في تحويل برج باجي مختار إلى قطعة من جهنم من حيث المعيشة، فكوخ من الطوب يفتقد للماء والإنارة تجاوز سعر إيجاره الشهري 2 مليون سنتيم، وليس بوسع أي كان أن يعثر عليه، لأن المنطقة تعرف نوعا من الهمجية الجديدة التي فرضها منطق الحرب في شمال مالي. نخاف من التصفيات العرقية العارفون بمدن شمال مالي، مثل الجزائري أحمد ملوكي الذي لا يزال بعض أقاربه يقيمون ببعض هذه المدن، يقولون إن الانعكاسات الخطيرة والكبيرة للحرب في شمال مالي على المناطق الحدودية الجزائرية، سيبدأ عندما يشرع طيران الحرب الفرنسي في صبّ جحيمه على فلول الجماعات الإرهابية في غاو وتمبوكتو وكيدال، حيث أن 70 بالمائة من سكان شمال مالي هم من الجزائريين العرب التوارف، كانوا قبل أسبوع يطالبون الدولة الجزائرية بتوفير النقل لهم قصد نقل وحماية ممتلكاتهم (الإبل، البقر، الغنم). ويعترف أن أغلب هؤلاء السكان يستعطفون الحكومة الجزائرية أن تمدّ لهم يد المساعدة، لأنهم يخشون وصول القوات البرية الإفريقية إلى مناطقهم، وتقوم بتصفيات عرقية وشخصية ضدهم، على نحو ما قامت به في منطقة كونا، لأن القوات الإفريقية لا تميز بين سكان البدو الرحل والجماعات الإرهابية. وقال إن مثل هذه التصفيات العرقية حدثت في تسعينيات القرن الماضي، حين انتقمت القوات المالية من سكان المنطقة عن طريق الاغتصاب وقتل الحيوانات وسرقة الممتلكات. والتخوف نفسه يعلنه جزائريون قدموا من كيدال، حين يعترفون أنه في حال حدوث تصفيات عرقية، فإن الأزمة ستتعقد أكثر، وتغيب بذلك أي بادرة للتسوية السلمية لها. ويرتقب هؤلاء أن تشهد المناطق الحدودية الجزائرية (برج باجي مختار وتيمياوين وتين زاواتين) عمليات نزوح كبرى للاجئين الفارين من الحرب، خلال الأيام المقبلة، مع أن مؤشرات حدوث كارثة إنسانية بدأت تلوح في الأفق، تتمثل في غياب المساعدات الإنسانية المقدّمة لسكان شمال مالي الفارين، في ظل غلق الجزائر لحدودها، خاصة أن أغلب السكان يعتمدون على السلع المتمثلة في المواد الغذائية التي تأتي من الجزائر. إجراءات أمنية هشة ولم يكن الوضع في تيمياوين، الواقعة على بعد 160 كيلومتر عن برج باجي مختار، أحسن مما هو عليه في هذه الأخيرة. فبقدر ما كانت الحياة تبدو عادية فيها، فإن الأعين تراقب الأعين، وهدوء حذر يطبع المنطقة التي عرفت هي الأخرى تعزيزات أمنية قبل أسابيع، من مروحيات ودبابات ومدرعات ومئات من عناصر الجيش وحرس الحدود، خاصة أن تيمياوين لا تبعد عن الحدود إلا ب18 كيلومترا. فحيثما تحركت في تيمياوين التي لا تزال شوارعها غارقة في الرمال والطابع البدوي، يحدّثك العام والخاص عن الوضع الأمني الهش في المنطقة، بل وبوسعك أن تلمس ذلك في حركة الناس وطريقة انتقالاتهم من منطقة لأخرى. ويعترف موظفون بالبلدية أنه قبل أسبوع، كان قلب تيمياوين مسرحا لعملية اعتداء قامت به عناصر مجهولة يحملون رشاشات كلاشنيكوف ومسدسا، اقتحموا منزل أحد موظفي البريد وقاموا بتفتيشه وبإطلاق عيارات نارية في الهواء، ثم لاذوا بالفرار. وعليه، فإن تيمياوين، حسب مواطنين ''تفتقد، إلى غاية الساعة، لتغطية أمنية كافية، تشيع الطمأنينة في نفوس السكان، بدليل أن الوحدات الموجودة لا تقوم بدوريات، خاصة ليلا، حتى أن الحدود على مسافة 170 كيلومتر مفتوحة على كل المخاطر''. وقد تركت الحرب المعلنة على الجماعات المسلحة الإرهابية بشمال مالي ارتداداتها على تيمياوين، التي تحوّلت إلى نقطة استقطاب للعائلات النازحة. وقال عضو المجلس الشعبي البلدي، يحي باياوي ''نشهد، يوميا، عمليات هروب للاجئين إلى تيمياوين وتين زاواتين رفقة ماشيتهم، قادمين من كيدال على بعد 270 كيلومتر، فيما لجأت عائلات أخرى إلى كراء سيارات رباعية الدفع لدخول التراب الجزائري''. بين هؤلاء النازحين من استقر في قلب تيمياوين بعد أن اشتروا سكنات، على نحو ما فعل رئيس بلدية تساليت، وبينهم من أجّر أخرى واستقر على أطراف المدينة. وما عرفناه هو عدم وجود إحصاءات دقيقة بشأن اللاجئين الذين توافدوا على تيمياوين. الماليون ممنوعون من الدخول ولكن الخطر الذي يهدّد تيمياوين، في غمرة هذا النزوح، هو إصابة الحيوانات القادمة من مالي بأمراض، حسب عضو المجلس البلدي، ما جعل السلطات البلدية تطالب السلطات العليا بإيفاد قافلة طبية، مشكلة من بياطرة وأطباء أخصائيين لتشخيص المرض. ويحرص عناصر حرس الحدود بالمنطقة على تطبيق قرار غلق الحدود، حيث أن الماليين لن يسمح لهم بدخول التراب الجزائري، حتى لو كانوا مطرودين أو مهدّدين بالقتل. أما الجزائريون، فلهم الحق في الدخول، ولكن غير مسموح لهم بالخروج. وقد أحصت بلدية تيمياوين الكثير من الجزائريين ممن فروا من شمال مالي خلال الأيام الماضية إلى تيمياوين، وهم في حالة اجتماعية كارثية، حيث دخلوا ولم يكن لديهم أي شيء يسترزقون منه، ما قاد بعض إخوانهم الجزائريين ليهرعوا لإغاثتهم. وبقدر ما يرتقب أعضاء المجلس الشعبي البلدي لتيمياوين حدوث عمليات لجوء كبرى إلى تيمياوين خلال الأيام المقبلة، فإنهم يعترفون أن البلدية غير محضرة لمواجهة كارثة تدفق اللاجئين عند امتداد القصف إلى مدن غاو وتومبوكتو وكيدال، خاصة من جانب الهلال الأحمر الجزائري، حيث لا توجد لا خيم ولا أدوية ولا أفرشة ولا مواد غذائية. المطلوب من السلطات الجزائرية منع الانتهاكات وصرّح رئيس بلدية تساليت، عثمان بوبكرل، ل''الخبر''، أنه لم يعد هناك أي حافز للبقاء في تساليت، لأن المنطقة تعيش حالة لا استقرار، خاصة بعد الغارات الجوية التي شهدتها غاو في العاشر من الشهر الجاري. ولذلك، يضيف، فإن السلطات الجزائرية لابد أن تسمح للجزائريين، ممن لهم عتاد وسيارات، بالدخول حتى لا يبقوا بطالين. وأوضح بشأن مخاوف سكان شمال مالي من القوات البرية الإفريقية، أن ''هذه القوات عند دخولها لا تعرف المنطقة، وستتصرّف على أساس أن كل من لهم جلد أحمر يتقاسمون نفس الطباع، وهذا ما سيشكل خطرا على سكان التوارف''. ومن أجل ذلك، يقول إنه ''يأمل أن تلعب الجزائر دورها في هذه الحرب، لمنع حدوث انتهاكات وتصفيات عرقية في شمال مالي، خاصة أنها البلد الذي ظل يدافع عن الحلّ السلمي في الشمال''. يذكر أن رئيس بلدية تساليت قد غادر شمال مالي رفقة عدد من أعضاء المجلس البلدي، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس البلدي لمنطقة اقلهوك. وفي غمرة الأجواء الآخذة في التشكل بتيمياوين، تشير مصادر مسؤولة لها صلة بمصالح الأمن، إلى أن حدود شمال مالي مع تيمياوين يسيطر عليها جناح جماعة أنصار الدين الذين يفضلون خيار التفاوض في حلّ الأزمة، وقد تصدّوا عدّة مرّات لحدوث مشاكل على الحدود، لأن زعيمهم، اياد آغ غالي، منحهم تعليمات، تفيد بأنه لا يرغب في خلق مشاكل على حدود تيمياوين، حيث حضر ممثل عنه، وهو محمد أخاريب، في مفاوضات الجزائر التي توّجت بتوقيع اتفاقية بين أنصار الدين والجزائر وحركة الأزواد. لا يملكون هاتفا ومطالبون بالتبليغ ويرى عضو المجلس الشعبي البلدي، يحي باياوي، أن الأسابيع المقبلة قد تشهد موجات من الهجرة، تختلف عن تلك التي عرفتها المناطق الحدودية العام الماضي، سواء من الجنود الماليين أو حركة الأزواد أو من جهة المواطنين، ما يستدعي مراقبة الحدود على مدى 24 ساعة، على أن لا تقتصر عملية الرقابة على الجيش، بقدر ما يجب أن تشمل خلايا خاصة بالمجتمع المدني لمراقبة الحدود، على أن يتم منحهم إعانات مقابل القيام بعملهم. واللافت أنه على مدى طول المسافة التي قطعناها من تيمياوين إلى تمنراست، على مسافة تقارب 600 كيلومتر في عمق الصحراء، لم نصادف أي حاجز مراقبة للجيش أو لحرس الحدود، ولم نشاهد أي دورية لهم، ولا طلعات جوية لطيران الحرب، ولا مراكز مراقبة مؤقتة، ما يقود أيضا إلى طرح علامة استفهام أخرى عن طريقة تأمين وحماية الحدود، خاصة أن المسلك المؤدي إلى تمنراست غير معبّد، وحتى مجال التغطية الخاص بالهاتف النقال غير متوفر. وفي سياق ذلك، عقد المجلس الشعبي لتيمياوين جلسة تعبئة وتحسيس لأعيان المنطقة والمجتمع المدني، بخطورة الأوضاع التي تعيشها المناطق الحدودية الجزائرية، فيما أعطيت تعليمات للسكان المقيمين بالقرب من نقاط التماس مع الحدود، وأغلبيتهم من البدو الرحل، بضرورة التبليغ عن كل شيء تتم ملاحظته، ولو أن ذلك لا يبدو منطقيا، بالنظر إلى أن هؤلاء ليس بوسعهم حتى استعمال الهاتف النقال لأن التغطية غير متوفرة، ولن تدخل مجالها إلا بعد اقترابك من تيمياوين بنحو 7 كيلومترات.