عبّرت عرّابة حقوق الحيوان ”بريجيت باردو” عن غضبها مما تناقلته وسائل الإعلام الفرنسية حول فضيحة ”لحم الخيول” مندّدة بالجرائم التي ترتكب في حقّ هذه الكائنات الأليفة والجميلة.. منذ منتصف شهر جانفي تعيش أوربا على وقع هذه الفضيحة التي أسالت الكثير من الحبر، غير أنّ المشكلة ليست في أكل لحم الحصان ذي القيمة الغذائية العالية، فالمحظوظ من طالها، بل إن لبّ المشكلة يكمن في فعل الغشّ، ذلك أنها تقدّم للاستهلاك على أنها لحوم بقَرية.. قبل هذه الفضيحة بأشهر، كانت BB خلال ما عرف بأزمة ”اللحم الحلال” قد أقامت الدنيا ولم تقعدها، بمعيّة كثير من السياسيين المتعاطفين مع قضايا الحيوان الذين اكتشفوا في لحظة ما أن فرنسا تأكل الحلال المذبوح على الطريقة الإسلامية، وليس ”المصروع” من الخنازير والعجول وال.. في المذابح الفرنسية.. طريقة الذبح هذه بما يتخلّلها من إراقة الدم، أثارت أحاسيس النجمة المرهفة ( B.B)، ورأت فيها اعتداء غير إنساني على الروح الحيواني .. أعترف أنني منذ البداية لم أجد تفسيرا مقنعا لفضيحة ”لحم الخيل”، خاصة أن ّكثيرا من الفرنسيين تجرؤوا وعبّروا عن تقبّلهم لفكرة استهلاك هذا النوع من اللحوم من حيث المبدأ، بصرف النظر عن مبدأ الغشّ. أما الغالبية الصامتة منهم فالأكيد أن لا فرق عندهم بين لحم ”الحلّوف” و”العود”.. كل ما كان يحيّرني فعلا هو هل الأمر فعلا يتعلّق بلحم ”الخيل” التي في ذهني، ولا فرق إن كانت عربية أو بربرية أو إنجليزية، لأنها حسب درجة فهمي أغلى وأعزّ من أن تؤكل، ولا أستطيع أن أتصور - مثلا- أن الفرسين اللتين أهداهما رئيس الجمهورية للرئيس الفرنسي ”فرنسوا هولا ند” يمكن أن تتحوّلا إلى شرائح على الأطباق الفرنسية.. الخيل بالنسبة لي هي الفنتازيا، وهي الخيل التي حدّث عنها القرآن ”وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة”، وهي التي قال عنها رسول الله ”الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة”، هي ”عود” الأمير عبدالقادر في قلب العاصمة، وهي التي تعرف المتنبّي ويعرفها، ربّما أستطيع الآن أن أفهم سؤال درويش وخوفه الشعري:”لماذا تركت الحصان وحيدا؟”.. بعيدا عن النظرة الفقهية التي تجيز أكل لحوم الخيل في العموم، لا أتصوّر أن المقدرة الشرائية للجزائريين ستسمح لهم بذلك، هل يمكن أن نتصوّر مثلا شخصا يشتري ”عودا” بأربعين مليون على الأقلّ من أجل وليمة ”مصوّر”.. ربما الوحيد الذي فعلها في التاريخ هو حاتم الطائي، أكرم عربي إلى اليوم، حيث يروي التاريخ أنه ذبح فرسه ليطعم ضيفه، وفي الغالب لم يكن الضيف يعلم إن كان لحم ناقة أو شاة.. حدّثنا الحكماء أن امتلاك فرس زمان كان يعادل امتلاك سيارة ”شبح” اليوم.. لكل شعب عاداته اللحمية، وللناس فيما يأكلون مذاهب، حتّى يمكننا القول ”قل لي أي لحم تأكل أقول لك من أنت؟”. ويتعدى الأمر عالمي الحيوان والإنسان إلى النباتات اللاّحمة، لذلك يجب أن نحذر، فوراء كل لحم فضيحة ؟ وكل شيء قابل للاستهلاك من لحوم الكلاب إلى الضفادع إلى لحوم البغال والحمير.. وحده أبو العلاء المعرّي شكل الاستثناء عبر التاريخ في الامتناع عن أكل كلّ أنواع اللّحوم، وما يصنع منها من وجبات، وما يصدر عن الحيوان من حليب وألبان وأجبان وبيض، فكان أوّل نباتي في العالم.. حين فكّرت في فضيحة لحم الخيل، قلت ربّما يتعلّق الأمر بلحم البغال أوالبرذون، وهو حيوان هجين، أبوه الحمار وأمّه الفرس، لا يتزاوج ولا يلد، أي أنّه نتاج تزاوج ذكر الحمار وأنثى الخيل، ولذلك فإنّ البغل حين يُسأل عمّن هو أبوه؟ يقول: خالي ”العوْد”.. لأنه يخجل بأبيه الحمار.. أعتقد أن البغال أوالبراذين من السلالات المهدّدة بالانقراض، نتيجة العنصرية الجنسية التي يتحمّل مسؤوليتها الإنسان، والتفرقة التي لا تسمح بتزاوج الحمير والخيول.. وهو ما يجب أن تنتبه إليه BB وتنظر إليه بعين الرأفة والمحبة.. لأنه فعلا حيوان جدير بالتعاطف.. أحمد عبدالكريم