سهل الداي حسين الذي حكم الجزائر من 1818 إلى 1830 مهمة الإستعمار الفرنسي في احتلال بلادنا.. لأنه لم يكن يستوعب خطورة التحولات الطارئة في موازين القوى الدولية، نتيجة الثورة الصناعية الأوروبية. وأكثر من ذلك تعمد سد أذنيه، حتى لا يسمع النصائح الأخوية التي كانت تأتيه من دار الخلافة العثمانية، والتي اتخذت في الأخير طابع الفتاوى الشرعية والأوامر الصريحة.. لقد أدركت اسطنبول حقيقة الإختلال الكبير في موازين القوى الناجم عن الثورة الصناعية، وأن هذا الإختلال كان على حسابها في أوروبا والبحر المتوسط، وحتى في المحيط المهندي.. فناورت لمواجهة هذا التحول بذكاء، للحفاظ ما أمكن على وحدتها الوطنية والترابية، في ظل السيادة والإستقلال. وحاولت أن تدفع الداي حسين إلى الإقتداء بها، لكنه للأسف كان في شبه غيبوبة سياسية، حتى أنه هدد بقتل أحد رياس البحر، حاول أن يبلغه بطريقة غير مباشرة أن حالة القوات الجزائرية يومئذ لا تسمح لها بالتصدي لعدو في قوة فرنسا (*). كيف بدأ ليل الإستعمال الطويل عشية أقدام الفرنسيين على مهاجمة الجزائر في جوان 1830، كان الداي حسين في شبه عزلة دولية جراء تضافر عاملين: عدم الإطلاع الكافي على التطورات الطارئة في الوضع الدولي الميحط بالجزائر تدني علاقة الجزائر بالخلافة العثمانية نتيجة عدم أخذ الداي تنبيهات وتحذيرات اسطنبول مآخذ الجد، بدأ هذا التنبيه منذ 1817، في شكل دعوات مكررة إلى تجنب القرصنة، لأن الوضع الدولي السائد في محيط البحر المتوسط لم يعد يتقبلها أو يسمح بها. وفي سنة حادث المروحة (1827) أو بعدها بقليل، تلقى الداي رسالة من السلطان العثماني، اعتبر فيها أن القرصنة مخالفة للشريعة الإسلامية، وأمره بالمناسبة أن يكف عن عصيان أوامره، وأن يضع حدا نهائيا للقرصنة. لكن الداي لم يأبه بكل ذلك، بدعوى أن القرصنة هي من أهم موارد الجزائر آنذاك (1) في ظل هذه العزلة عن الوضع الدولي والإمبراطورية العثمانية الحامية كان الداي يبدو على جهل تام بقوة فرنسا الصاعدة آنذاك، كما ستدل على ذلك الأحداث اللاحقة.. كانت فرنسا تخطط لإحتلال الجزائر، وكان الداي يلتقط أصداء التحضير لهذا الإحتلال، لكن سذاجته وغرور مساعديه، والمعلومات المضللة التي كانت ترد عليه كل ذلك جعله لا يكاد يصدق ما يسمح حتى آخر لحظة في سنة 1827، افتعل الفرنسيون ذريعة تبرير عدوانهم المبرمج على الجزائر. وخلاصة ذلك أن مقدم الجالية اليهودية ادعى دينا على الفرنسيين، والتمس من الداي التدخل لدى باريس لتسديده. استدعى الداي القنصل دوفال ليسلمه رسالة إلى ملكه حول هذه القضية، فضلا عن موضوع القالة، حيث قام الفرنسيون بخرق عقد الإمتياز الممنوح لهم لإستغلال المرجان بإقامة تحصينات وتجهيزها بمدافع. رفض الملك الرد على رسالة الداي، وأمر قنصله أن يخبره بالا يراسله مباشرة، وأن عليه أن يمر عن طريق القنصلية مستقبلا! لم يجرؤ القنصل على نقل هذا الرفض إلى الداي، فلما استفسره بعد فترة زعم أنه لم يتلق الجواب بعد.. وبمناسبة عيد الفطر لتلك السنة، جاء القنصل دوفار مهنئا، فسأله الداي مرة أخرى.. فأجابه بحقيقة الأمر وحسب شهادة الشيخ أحمد الشريف الزهار، أن الداي غضب لذلك فضربه بمروحته، وشتمه وشتم ملك فرنسا معه!. كانت هذه الحادثة الشهيرة التي أصبحت ”الذريعة الرسمية” للعدوان على الجزائر في 27 أبريل 1827. طبعا كانت فرنسا جاهزة لرد هذه ”الإهانة”، فأرسلت فورا أسطولها للتحرش بسواحل مدينة الجزائر خاصة، بل فرض حصار دوري عليها.. سارع الداي بإعلان حالة الطوارئ، وأمر الآغا يحي خان بمواجهة الموقف، فأخذ يتفقد الأبراج والحصون الساحلية ويحدها بالسلاح الضروري، وما يستوجب الموقف من حراسة.. لكن في خضم هذه الإستعدادات بدا له أن يعزل الأغا، ويعين مكانه صهره وكيل الحرج (الموانئ وجهاد البحر). ”آغا.. مثل الحمار”..! ويقارن نقيب أشراف الجزائر بين القائدين، فيقول عن الأول ”ويحيى آغا هذا هو أحسن رجال تلك الدولة عقلا ومعرفة” ويقول عن الثاني ”والذي تولى بعده مثله مثل الحمار، لا يعرف إلا الأكل والنكاح”! جاء تغيير يحيى خان غداة حل جيش الإنكشارية (التركي شبه النظامي)، عملا بأوامر السلطان محمود الذي نكب هذه الوحدة من جيش الخلافة سنة 1826، بعد أن كثرت مطالبها ونزواتها، أي أن الجيش النظامي الذي كان عليه أن يستعد لرد العدوان الفرنسي، كان حديث النشأة قليل التجربة والخبرة.. وقد تجلى ذلك في اهتزاز معنوياته، بمجرد طول مدة الترقب والتحفز لمواجهة المعتدين المتربصين. نا هيك أن فئة الحراس مثلا أصبحت تدعم للعدو القادم بالنصر، حتى تستريح من عنائها حسب شهادة النقيب! وسبب هدوء الداي واعتداده، أنه تلقى وعدا من زواوة وأعيان قبائل عربية، بمده بما يحتاج من المتطوعين بلا حسبا! وبلغ من غرور صهره الآغا، أنه ضحك تقريبا من قنصل إمارة نابولي عندما نصحه باتباع خطة دفاعية، تعتمد على السبق بإقامة تحصينات على الروابي القريبة من مدينة الجزائر لحماية الطريق إليها، لا سيما من ن احية سيدي فرج، موقع الإنزال شبه المؤكد للقوات الفرنسية. وقبل عام تقريبا من هذا الإنزال، قام الفرنسيون بفرض حصار على سواحل المدينة، تخللته بعض المناوشات بهدف جس النبض، واكتشاف القدرات شالدفاعية والخطة المعتمدة في ذلك.. حقق الدفاع البحري عن المدينة نجاحا بسيطا في هذه المناوشات، زاد ربما في اعتداد الداي وغرور صهره الآغا. وبعد سنة، ظهرت فعلا طلائع الأسطول الفرنسي مساء الجمعة 11 يونيو 1830، فجأ الرايس أحمد بالجي، وكيل ضريح سيدي فرج ليلا بالخبر إلى الداي لكنه ظل ملازما لهدوئه واعتداده.. وكتب له بابات البلد، يستشيرونه في إعلان النفير العام، فأجابهم: ”استنفروا المواطنين لحراسة الشواطئ التي تقابلهم”! وفي يوم الأحد 13 يونيو، خرج الأغا بأمر من الداي في مهمة استطلاعية على رأس 70 فارسا، قادته إلى غرب سيدي فرج، حيث الحصن الذي بناه وجهزه سلفه الآغا يحي خان. بادر بعض اسكان بإرسال طلقات من البناطق والمدافع من الصحن، لكن الآغا أوقفهم قائلا ”دعو العدو ينزل، لنبعث إلى القبائل ونطبق عليه”! ويقدم لنا نقيب أشراف الجزائر مؤشرات على بساطة الإستعداد الفعلي لمواجهة الحملة الفرنسية القوية، نذكر منها: أن الآغا خرج يوم الإثنين 14 يونيو لمواجهة العدو بنحو ألف جندي لا غير أن عرب المنطقة ”أخذوا يلتقطون” متطوعين للجهاد، من سكان متيجة والقليعة والبليدة.. أن أحمد باي قسنطينة الذي جاء صدفة لتقديم ما عليه من الضرائب السنوية وجده نفسه يشارك إلى جانب الآغا في مناوشات يوم الإثنين، وكتب على ضوء ذلك إلى الداي، يخبره بقوة الحملة الفرنسية ويستأذنه في استقدام جنوده.. وأمام تواضع الإستعداد لصد الحملة الفرنسية القوية، وسوء تقديرها الواضح كان من الطبيعي أن يتحول أول هجوم مضاد يوم 19 يونيو إلى هزيمة بعد اصصدام المهاجمين بضخامة قوات العدو، واكتشاف ضآلتهم إزاءه عددا وعدة وتخطيطا. قلعة الجزائر لم تكن جاهزة! طبق العدو في هجومه الزاحف على عاصمة الإمارة نفس اخطة التي نصح بها قنصل نابولي: احتلال المرتفعات، وإقامة تحصينات وخنادق بها، لصد الهجمات المضادة، والتقدم من ربوة إلى أخرى على نفس النسق. أمام هذا الهجوم الزاحف الكاسح على العاصمة، قرر الداي على عجل تجهيز برج مولاي الحسن بأعلى القصبة.. ويخبرنا الشاهد أن حكام الجزائر يومئذ كانوا يخشون هذه القلعة، لموقعها هذا بالذات، فأهملوها تقريبا.. فرغم أهميتها لم يكن بها غير 10 مدافع صغيرة، ونحو قنطارين من البارود وقرابة 200 كورة قذيفة. لكن العدو أدرك جيدا قيمة الموقع فتقدم منه، وأقام تحصينات قبالته في مرتفع أعلى منه، وصوب نحوه أكثر من 200 مدفع، وأخذ يقصفه من آخر الليل، حتى ما بعد شروق اليوم الموالي.. إلى أن تهدم البرج، واضطر الخزناجي إلى الإنسحاب منه، بعد نسف ما بقي منه. وكان القصف من جهة البحر بمدافع السفن، ويصف الشاهد كثافة هذا القصف بقوله: ”كنت أرى من برج مولاي الحسن الكورينزل مثل المطر الغزير”. تمكن العدو في نهاية الأمر من احتلال هذه القلعة، ”ومن أخذها أخذ المدينة” كما يقول الشاهد. وفي هذا الظرف العصيب، تمكن أعيان الجزائر من الإتصال سرا بقائد الحملة الجنرال دي بورمون، وعرضوا عليه تسليم المدينة.. وفي نفس الوقت أو بعده بقليل، اتصل الداي بدوره، طالبا الأمان لنفسه وأهله وماله.. قبل أن يطلب الأهل البلد الأمان في نفوسهم وأموالهم، مقابل تسلم البلاد بدون قتال.. شاع هذا الخبر بسرعة البرق، فبدأ الجنود في الفرار تحت جنح ظلام نفس اليوم.. وهكذا اسقطت مدينة الجزائر في 5 يوليو 1830، وبدأ مع سقوطها ليل الإستعمار الفرنسي الطويل.. أما الداي حسين الذي أوصل البلاد إلى تلك الوضعية، فقد غادر مدينة الجزائر رفقة زهاء 120 من العسكر الأتراك.. ونزل بعض الوقت في مدينة نابولي (الإيطالية)، ثم استقر بالإسكندرية حيث وافاه الأجل سنة 1838، وهو في 72 من العمر. الرايس حميدو استشهد وهو غاضبا ! كان الرايس حميدو بن علي (الجزائري) من أشهر رياس البحر، واستمر عهده أكثر من 20 سنة. وقد برز وتعاظم شأنهخاصة ما بين 1793 و 1815 سنة استشهاده في السواحل الاسبانية... ويفسر لنا الأستاذ المنور مروش ظروف بروز ونجاح هذ القائد الكبير ، بعدد من العوامل الداخلية والخارجية نذكر منها :1 - الإصلاحات التي قام بها الداي محمد بن عثمان (1766 - 1792) على مستوى الهياكل السياسية والعسكرية بما في ذلك المنشآت البحرية. 2 - استفادة الداي حسن باشا بعده، من الرخاء الناجم عن المداخيل المالية الهامة- بفضل تصدير الحبوب- لدعم وتنويع العتاد الضروري لأسطول القرصنة. 3 - الوضع الدولي الناجم عن الحروب الأوربية - بدءا بحملة نابليون - فضلا عن معاهدات الهدنة المبرمة مع اسبانيا والبرتغال وانجلترا... ففي سنة 1793 مثلا غنم الرايس حميدو خلال شهر ونصف (8 أكتوبر - 23 نوفمبر) 15 سفينة منها 11 سفينة تجارية. وحسب شهادة الشيخ أحمد الشريف الزهار أن سنة 1813 كانت حافلة، فقد ضرب الرايس حميدو شرقا، فعاد ب 20 مركبا يونانيا مشحونا بالحبوب والسلع المختلفة؛ وضرب غربا فعاد ب 20 مركبا أيضا تابعا للسويد والدانمارك، على متنها حمولات من السكرو القهوة خاصة. ويصف لنا نقيب أشرف الجزائر احدى معارك الرايس حميدو، وكيف كان يوظف الحوافز المادية والمعنوية. كانت العملية ( سنة 1800) تستهدف فركاطة برتغالية، فوعد القائد المغاوير الذين يبادرون بالهجوم عليها بمكفأة معلومة، قبل أن يدعو الجميع إلى الصبر والثبات، والتضرع إلى الله ليجود عليهم بنصره. وكانت النتيجة هجوما مظفرا، أدى إلى الإستيلاء على الفركاطة بعد معركة تلاحمية شرسة، قتل فيها العديد من رجالها وأسر البقية منهم... وكان من مساعدي الرايس حميدو في هذه المعركة، مصطفى الرايس وباش رايس دحمان وليد بابا الشريف. وكانت علامة الرايس حميدو راية رسم عليها فرس. كان من الطبيعي أن يثير هذا الرايس الكبير غيرة البعض، وينجم عن ذلك من مكر ودسائس.. تلقى في هذا النسق ضربة أولى من الداي علي باشا وكان يحقد عليه كثيرا، فقرر نفيه إلى دمشق سنة 1808 ، ولحسن الحظ أن هذا الداي لم يعمر في تسله أكثر من 4 أشهر. وجاء بعده الداي الحاج علي باشا، فاستقدم حميدو ورد له اعتباره، ليستأنف جهاده البحري مثلما كان..وقربه إليه، حتى أنه كانوا يوصي وزراءه قائلا :”لا تؤذوني في القبطان حميدو، فإني لا أقبل فيه أي كلام..”، حسب رواية الشريف الزهار. وجاءت ضربة ثانية أشد وطأ من ”وكيل الحرج” (كاتب الدولة للموانئ وجهاد البحر) مسؤوله المباشر... أرسى الرايس حميدوذات يوم من عام 1815 بقاعدة جبل طارق، فعلم هناك أن وفدا من الأمريكان في طريقه إلى الجزائر لطلب الصلح. فقرر العودة ليسبق بأشعار الداي. غير أن الوكيل المذكور استغل عودته ليشكوه إلى هذا الأخير، مدعيا أنه عاد دون انجاز مهمته، عملا برأيه الخاص، وأنه يفعل ما يشاء، غير آبه بأحد! علم الرايس حميدو بأدعاء وكيل الحرج عليه، فكتم غيظه، وسارع باستئذان الداي في السفر من جديد، وأقلع فعلا بعد ثلاثة أيام. وحسب رواية نقيب أشراف الجزائر، أن الرايس حميدو خرج على رأس ثلاث قطع بحرية، وبعد أيام بينما كان بالقرب من الشواطئ الإسبانية، انفصل قليلا عن القطعتين المرافقتين... وما لبث أن وقع في شبه كمين، من تدبير عشرة سفن أمريكية، تمكنت من الإنفراد بمركبه وتطويقه، لتفرض علهي خوض معركة غير متكافئه، خاض الرايس حميدو المعركة فعلا وأخذ يوجه القتال من منصة القيادة.. لكن ما لبث أن أصيب بقذيفة مدفعية قسمت جسده إلى شطرين ... فتقدم إليه نائبه أحمد ولد عمر ( باش رايس)، وألقى به في البحر... ثم وقف مكانه لقيادة المعركة طيلة 5 ساعات أخرى. طبعا تمكن الأمريكان في نهاية المطاف، من اقتحام فركاطة الرايس حميدو، فلما علموا بموته، أخذوا يخبطون بأرجلهم ظهر السفينة من شدة الغيظ ... ويبدو أنهم كانوا ينوون أخذه حيا.. غضب الداي عمر باشا لاستشهاد الرايس حميدو، وحمل وكيل الحرج مسؤولية ذلك فعزله، وتخفيفا من أثر هاتين الضربتين نزل شخصيا إلى باب الجهاد، لتشجيع القباطين معنويا وماديا، بتقديم هدايا ثمينة إليهم. انتفاضة الزاوية التيجانية ونكبتها عين الداي حسين سنة 1818 م خلفا للداي المتوفى علي (خوجة) باشا الذي كان عينه خوجة الخيل (2)؛ وكان قبل ذلك يشغل منصب كاتب مخزن الحبوب. وكان تعيينه بمبادرة من الحاج مصطفى بن الشيخ بن مالك صهر الداي السابق. لاحظ في بداية عهده، أن بعض وزراء العهد السابق يتصرفون بنوع من الإستقلالية وتورطوا في كثير من الفساد والمظالم، فقام بتغيير عدد من كبار ديوانه وحاشيته. ومن منجزاته العمرانية أنه أكمل بناء القصبة، وبنى جامع السفير، فضلا عن ترميم أجزاء من الجامع الكبير. ومن جهة أخرى وسع شبكة المياه في المدينة، بإنجاز ساقية لنقل ماء عين الزبوجة وشراء كميات أخرى... ويفهم من مذكرات الشيخ أحمد الشريف الزهار، أن الداي حسين قام باصلاح نقدي واسع... بدءا ببناء دار السكة في القصبة، وتكليف أمين الدار بمراقبة مصوغ السكان وزنا وعيارا. وأمر بسك عملة السلطاني ( من الذهب) وأجزائه (النصف والربع)، بدل الدينار القديم، كما ضرب دورو الفضة بأجزائه أيضا، وكان نصف الدورو يعرف بريال بجة، أو ” لبوتشو” بلغة العامة. وتيسيرا للمعاملات سك أيضا عملة من نحاس، بدل الدراهم الصغيرة السابقة. وحرص كذلك على تعزيز دفاع مدينة الجزائر، ببناء برج باب البحر. غير أن نقيب أشراف الجزائر يأخذ عليه، أنه أعاد فتح حارة الزنى وأباحها للأتراك، وكان سلفه علي باشا ”قد هدمها، ونفى المومسات الى شرشال” حسب قوله. ومن أحداث عهده الطبيعية والإجتماعية: 1 - زلزال البليدة أواخر شعبان 1241 ه (1825) الذي تسبب في تدمير المدينة، وموت عدد كبير من سكانها..وظل سكان الجزائر تحت وطأة ارتدادات هذا الزلزال، طيلة 18 يوما حسب الشاهد. 2 - انتفاضة الزاوية التيجانية في عين ماضي سنة 1826 م بقيادة محمد التيجيني ابن وخليفة شيخ الطريقة دفين فاس بالمغرب.. فقد خلع طاعة الداي غداة عودته من الحج، وثار معه أعراب ناحية الصحراء وجبال زكور أسوة بحشم غريس بضواحي معسكر. لكن باي وهران تمكن من مواجهة الموقف، والقضاء على هذه الإنتفاضة بقتل صاحبها ، والتمثيل به والمقربين اليه. وكان الباي عثمان قد هاجم عين ماضي في عهد الداي مصطفى، فاضطر شيخ الطريقة للفرار إلى المغرب. ويرى نقيب أشراف الجزائر أن سيرة الداي حسين مع الرعية كانت سيرة حسنة، تتميز ب ” لين الجانب، وسهولة المجاب، والعفو عن الجرائم، والصفح عن الزلات، ورفع المظالم وتفقد أحوال الرعية”. ويقول الشاهد في دينه، أنه ”كان تقيا، محبا للصالحين ومن انتسب إليهم، لكنه كان في نفس الوقت يغتر بأهل البدع، فيحسن اعتقاده فيهم: وعلى عكس الداي، كان عماله في أنحاء البلاد لا يتحرجون من ظلم الرعية وقهرها... حسب نفس الشاهد. وسلاح الخيالة منهم، وكان يحتل المرتبة الثالثة من الناحية البروتوكولية بعد الداي والخزناجي.
(*) طالع الحلقة الأولى في عدد 27 فبراير الأخير (1) المنور مرروش، القرصنة الأساطير والواقع (ج2)، دار القصبة للنشر، الجزائر 2009 (2) كاتب دولة مكلف بشؤون العرب.