أغلب الظن أن المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه لا يوافق “ المفكر العربي” الذي يلطو في أمارة قطر من الإسرائيليين، ويرسم من ملجئه العصي على هؤلاء الأخيرين خططا للثورات الأسلامية التي شاء أو تنبأ كما يدّعي بأنطلاقتها من تونس، على تفاؤله بعطاء هذه الثورات ونتائجها وبواعثها. ينعت ريجيس دوبريه بالعبثية مزاعم وزير الدفاع الفرنسي بان أرسال قوات فرنسية إلى مالي يندرج في سياق “كفاح الإرهاب الدولي”. ويشك في أمر الذين يدورون من بلاد إلى أخرى ومعهم صرّة وضعوا فيها “كل الإرهاب” ومنه أرهاب “السلفية الوهابية التي نطاردها في مالي، ونمالقها في العربية السعودية، ونتنصّر لها في سوريا”. فيتسائل صاحبنا عما إذا كانت الغاية من هذه الالاعيب هي ألأستهزاء والإستخفاف بالناس. وكأنه أراد أن يغمِزَ أيضا، في المفكرين العرب بوجه العام، الذين أسكرتهم الجماعات الجهادية التي يجيشها الأمراء القطريون والسعوديون وتدعمها حكومة فرنسا، فذكّر، لعل الذكرى تنفع، بأن الإشتراكيين الفرنسيين يمتلكون جينتين وراثيتين، تمليان عليهما سياستهم الخارجية. جينة “استعمارية” وجينة “أطلسية”. وهذه الأخيرة تفسر تصاغرهم وتبعيتهم للإدارة الأمريكية. يكشف ريجيس دوبريه في هذا السياق، عن أن الإشتراكيين الفرنسيين أبلغوا في حينه قيادة الحلف الأطلسي، بأنه لو كانت السلطة بايديهم لكان موقفهم مغايرا عن موقف الرئيس الفرنسي الأسبق السيد جاك شيراك، الذي عارض غزو القوات الأمريكية سنة 2003 للعراق) Le Monde Diplomatique mars 2013). وفي المسألة السورية يكاد أن يوجد أجماع في وسائل الإعلام الفرنسية على إذاعة كل ما يسيء للحكومة السورية، من أخبار صحيحة أو ملفقة، اعتمادا على ما يشيع به مكتب للمعارضة السورية يقع في لندن. الغريب أن هذه الوسائل تتوافق أيضا، لولا أختلافات طفيفة، على أظهار جرائم المتمردين وعلى التحذير من الخطورة التي تجسدها بعض فصائلهم. خلاصة القول أن وسائل الإعلام هذه تجد في الأزمة السورية وأنفجارها المروع، مناسبة لاعداد تقارير ليس فقط ضد نظام الحكم، وهذا ما دأبت عليه منذ أن أستولى عليها أصحاب رؤوس الأموال، ولكن ضد المتمردين أيضا. كل شيئ في سوريا مكروه، نظام الحكم والمتمردين ! خطة هدم شاملة ! تجدر الأشارة هنا إلى أن دخول رأس المال إلى مكاتب التحرير وإلى أدمغة الصحافيين، لم يتلازم مع فقدان المنطق. صحيح أن الخبر يُصنع والحقائق تُزور ولكن النتائج تُستخلص منها دائما، بمنطق وصراحة. هذا لا يعني أن الأعلام يروج الأكاذيب بأستمرار. ولكنه يهمل الحقيقة أحيانا، يتعامى عنها، أو يكشف جزءا منها، وأحيانا أخرى يعترف بها كاملة ولكن بعد فوات الأوان. ومهما يكن فأن وسائل الإعلام الفرنسية، على سبيل المثال، لا تلبث طويلا قبل أن تُسقط القناع عن النزعة الإستعمارية كمحفز أساسي للغزو والتدخل العسكري وراء الحدود. يستتبع ذلك أن ما تشهدها سوريا ليس بحسب هذا الإعلام بثورة، بل هو حرب بتغطية من حركة تمرد وليس ثورة. أذ أن المنطق لا يجيز أستخدام مصطلح ثورة وديمقراطية وحرية، عندما يتعلق الأمر بحراك تشارك فيه عناصر غير سورية، ودول أجنبية كمثل الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا وإنكلترا. بالإضافة إلى أمراء النفط في شبة جزيرة العرب. هؤلاء جميعا نقيض للديمقراطية والحرية ولحق الشعوب العربية في الأستقلال وتقرير المصير. تتوجب الملاحظة هنا أن الدول الغربية تبرر حروبها الأمبريالية أمام شعوبها، بضرورة الدفاع عن مصالح هذه الأخيرة التي تلتزم الصمت كمثل وسائل الإعلام. فلا يحين وقت المساءلة والحساب الا بعد أنتهاء الحرب، وعودة الجنود من المهمات في “مناطق النفوذ”! الإعلاميون في الغرب يضعون في نهاية المطاف الأمور في نصابها، ويسمون الأسماء باسمائها، ولا ينكرون عادة أنهم كمثل حكوماتهم، يقيسون بمكيالين ! أنا على يقين أنه لم يبق من يتكلم عن الثورة في سوريا سوى بعض الكتبة اللبنانيين والسوريين، المعجبين بالفلاسفة الجدد في فرنسا الذين أمتطوا وسائل الدعاية ضد المعسكر الاشتراكي إبّان الحرب الباردة، فتحولوا ألى عملاء وألى نجوم في وسائل الإعلام. أما عن أفكارهم الفلسفية فحدث ولا حرج. بالمناسبة نذكر منهم برنار هنري ليفي، مرشد الثورة الليبية، إلى جانب شيخ الإسلام القطري والمفكر العربي القطري الفار من الإسرائيليين، أيضا. “اعترافات قطر حياءً من الفرنسيين” بأنها تساعد الجهاديين في سوريا وساعدتهم في شمال مالي. Le canard enchaîné : 27/02/2013. الصحيفة نفسها، في آذار مارس 2013 “من المؤكد أن الأوروبيين سوف يزودون في حزيران القادم، المتمردين في سوريا بصواريخ مضادة للطائرات”. وبتعبير أدق، جاء في الصحيفة أن الأوروبيين سوف يقرورون في أجتماعهم المقبل في اسطنبول، السماح للحكومات الأوروبية التي ترغب بأعطاء المتمردين أسلحة هجومية، وبأن إدخال هذه الأسلحة سيتم عبر الحدود التركية السورية. أي أن الأوروبيين سيتخذون في حزيران المقبل، نفس القرار الذي وافق عليه وزراء الخارجية العرب في إجتماعهم الأخير في القاهرة، في آذار الجاري. تقول الصحيفة المذكورة أيضا أن من البشائر المنتظرة، وعودا من بعض دول حلف الناتو، كمثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وأنكلترا، بتأهيل المتمردين في سوريا على أستخدام “الهدايا” التي سوف تصلهم. المصداقية والمنطق أيضا، لا يسوّغان في فرنسا توصيف ما يجري في سوريا بالثورة. عود على بدء. يقول ريجيس دوبريه أن المنازعات اللا تقليدية، حيث لا تُعلن الحرب ولا تُعرف مواقع جبهات القتال، تكاد أن تحل مكان الحروب الكلاسيكية المتعارف عليها، بين الدول. لا شك في أن الحرب التي تتعرض لها سوريا هي حرب لا تقليدية. الكونترا في نيكارغوا ينبني عليه أن أصرار البعض على أن الحرب على سوريا هي ثورة عظيمة، رغم أن الفرقاء الذين يتشاركون فيها هم أعداء للشعوب عامة، وللسوريين بوجه خاص، يزيد المراقب قناعة بأن هدف الشركاء، هو إلغاء الكيان الوطني السوري، تمهيدا لإلغاء الدولة الوطنية العربية. أذا تحقق ذلك تحول مواطنو هذه الدول إلى غرباء في بلادهم. رفض المستوطنون، أو كما يقول الجزائريون، المعمرون الفرنسيون، أن يمنحوا الجزائريين حق الانتماء إلى بلادهم الجزائر.. وأخضعوهم كمسلمين، لقانون عنصري هو “قانون الأصلانيين”!