لم يكن الخيال والإبداع الفني سبيلا لإيقاظ مشاعر وأحاسيس الفنان التشكيلي عمر قارة، بل الفطرة التي تولدت لديه جعلته يعيش لحظة أمل في الواقع ممزوج بالعطاء الفني الفريد، والذي جعل من تصوره في لحظة انسجام مع الألوان يعطيه مجالا واسعا لتطوير أحاسيس مرهفة ممزوجة بالخيال اللامحدود لتصور فكرة اندمجت في مزايا فطرية فجعلت منه فنانا خاصا يموج من حوله عشق الإبداع، حيث امتزجت أعماله التشكيلية بالواقع فكانت تقنية الرسم بالحبر الصيني ميزة لوحاته التي يشارك بها حاليا بمعرض الفنون ”عائشة الحداد” بالعاصمة، والذي أطلق عليه اسم ”يمى ذهبية”، تكريما لوالدته التي أتمت 86 سنة، حيث اعتبر أن هذا المعرض اعترافا بعطاء ”أمه”... عطاء الفنان لا ينطوي في تحديد نظرة محددة لمختلف الإبداعات التي ينجزها، كيف تحددون مفهوم مختلف الأعمال التشكيلية التي شاركتم بها في المعرض الفني المقام حاليا في رواق عائشة الحداد؟ حقيقة النظرة العميقة التي تحملها مختلف أعمالي التي أشارك بها في مختلف المعارض تغوص في مختلجاتها في أعماق الفكر غير المحدود، خاصة وأنني أعتمد أساسا على تقنية الرسم بالحبر الصيني لأنه الأقرب إلى تصوري الإبداعي، كما أعتبر أن هذه التقنية الأقرب للتعبير بحكم اللونين الأسود والأبيض الذي يختص به هذا الطابع التقني في الرسم، عن ذاتي كما حاولت من خلال 30 لوحة التي شاركت بها أن أقدم عربون محبة وعرفان لأمي التي أتمت ال 87 سنة، أدعوا الله أن يمدد من عمرها. هل لنا أن نتعرف على سيرتك الفنية وما هي أهم المحطات التي شكلت منعرجا حاسما في مشوارك التشكيلي؟ تخرجت من المدرسة العليا للفنون الجميلة كما قدمت عدة أعمال وشاركت في تظاهرات فنية كثيرة قادتني إلى مختلف البلدان الأوربية منها على الخصوص فرنسا، البرتغال، الاتحاد السوفياتي، بلغاريا وبولونيا. حاولت من خلال معظم أعمالي أن أقدم صورة حقيقية للواقع المعاش دون إهمال الجانب الحسي وهو الأمر الذي أظهرته خلال هذا المعرض المقام حاليا والتي تحمل عناوين مختلفة كلوحة ”لاماما”، ”القمر”، ”التفكير العميق”، ”الإعصار”، ”الحياة الجميلة”، ”تأنيب الضمير”، ”القصة”، ”الريف”، ”المكان المبهم” وغيرها من اللوحات. كيف ترون واقع الفنان التشكيلي في بلادنا؟ وهل نستطيع أن نقول إن تصادم الظروف الاجتماعية كان وراء تراجع الفن التشكيلي وحال دون اهتمام الناس بهذا الفن؟ ما يعانيه الفنان الجزائري في الوقت الحالي هو ابتعاد وجهات النظر فيما بينهم وأصبح كل واحد منهم يبحث عن المصلحة الخاصة متناسيا الرسالة النبيلة التي يحملها وهذا في حد ذاته انهزام شديد للفكر الفني، فالفنان يجب أن يكون في رحلة دائمة عن الإبداع وما يستطيع أن يقدمه للجمهور المتعطش للفن الجميل ناهيك عن المشاكل التي يعانيها الفن التشكيلي في الجزائر منها انعدام قاعات العرض والأروقة الفنية، ما جعل الفنان يعيش في حالة إحباط شديدة فقاعة ”محمد راسم” بالعاصمة مخصصة فقط لعرض أعمال الفنانين التشكيليين الأجانب وتكاد تكون محرمة علينا نحن المبدعين الجزائريين وأصحبنا ملزمين بالإبداع الشخصي والبحث دائما عن الإمكانيات المناسبة للعرض، كما أدعوا الوزارة الوصية لوضع حد لهذه المهزلة التي يعيشها الفنان الجزائري وتوفير قاعات للعرض تكون في متناول الفنانين. كيف يستطيع الفنان أن يغير من وضعية المجتمع من خلال الأعمال التي يقدمها؟ يجب أن يكون للفنان ثقافة العطاء مع الآخرين. قدّمت عدة أعمال تناولت بصفة خاصة المشاكل التي يعاني منها الشباب الجزائري منها ”الحرڤة”، ”البطالة”، ”المخدرات” وغيرها من المواضيع الاجتماعية، ولاقت بسحر الإبداع رواجا وإقبالا كبيرا ولكن المشكل الأساسي الذي يبقى يعاني منه الفنان هو عدم قدرة المتذوق للفن أن يقتني لوحة فنية بحكم غلاء ثمنها، فبيع لوحة فنية بسعر 15 ألف دج أو 25 ألف دج هو في اللامعقول بالنسبة للبعض. تختلف المفاهيم في تحديد هوية أي عمل إبداعي للفنان، أين تكمن الأداة الفنية في أعمال الفنان عمر قارة؟ قد تكون الأداة واضحة المعالم وقد تكون أيضا غائبة عن المفهوم لكن المغزى من كل هذا هو البحث عن نقاط الغموض التي تختفي في أي عمل فني وهذا هو العمل الإبداعي الحقيقي لأن الغموض دائما يحدث الفطرة في أي عمل فني بالإضافة إلى جمالية العمل على اختلاف أنماطه. ماهي الرسالة التي توجهونها إلى الفنانين والعاشقين للفن التشكيلي بشكل خاص؟ ما يمكن أن أقوله هو ضرورة تضامن الفنانين وتبادل الخبرات، فعمالقة الفن التشكيلي شكلوا في الماضي حلقة موحدة استطاعوا أن يضيفوا الكثير من تصوراتهم الإبداعية وهذا ما نلمسه خلال تأملنا لأعمال الفنان التشكيلي ”اسياخم محمد”، ”راسم حكار” وغيرهم الذين تركوا بصماتهم على الساحة الفنية، كما تضافرت جهود هؤلاء العمالقة من خلال تبادل الأفكار والخبرات وكانت أعمالهم إعصارا كبيرا في تاريخ الفن التشكيلي الجزائري وحتى العالمي.