بعض الأطراف أرادت استغلال أحداث تيزي وزو لكن السلطة كانت حكيمة في تجنب الكارثة يقدم القيادي في الأفالان أحمد بورزام شهادته عن أحداث الربيع الأمازيغي كما عاشها هو عندما كان محافظا سياسيا للحزب بولاية تيزي وزو، حيث يقول بورزام إن السلطة لم تمنع مولود معمري من إلقاء محاضرته بجامعة تيزي وزو بل طالبت بتأجيلها فقط عندما علمت أن مظاهرات كانت ستجوب شوارع المدينة عقب المحاضرة مباشرة. نافيا في ذات الوقت أن تكون أحداث 1980 قد خلفت ضحايا. سيد بورزام، كنت محافظا سياسيا في تيزي وزو مطلع الثمانينيات هل لك أن تضعنا في الصورة عن أحداث 1980؟ عندما اندلعت أحداث الربيع الأمازيغي كنت أترأس مجلس التنسيق الولائي بصفتي أمينا للمحافظة وكان الظرف آنذاك يختلف عما هو عليه اليوم، وكانت تلك المرحلة مختلفة تماما بظروفها أمنيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. في مطلع الثمانينات كانت سياسة الدولة لها خصوصيات في تسيير شؤونها وكان مجلس التنسيق الولائي والمشكل من أمين المحافظة رئيسا وعضوية الوالي وقائد القطاع العسكري ورئيس المجلس الشعبي الولائي والأمناء العامين للمنظمات الجماهيرية الخاصة هو الذي يسهر على تنفيذ سياسية الدولة. لكن صلاحيات مكتب ومجلس التنسيق الولائي لا تتعدى مهمة تسيير القضايا الاجتماعية والاقتصادية، أما كل ما يخص الهزات الأمنية والحركات التي تمس الأمن والسلم الاجتماعي وتأمين الجبهة الاجتماعية والطابع السياسي فقد كانت من صلاحيات القيادات العليا في البلاد. وقبل اندلاع أحداث 1980 كنا في مرات عدة قد نبهنا إلى تفاعلات القضية التي بدأت تظهر في الميدان وكان يقال لنا في كل مرة إنكم مكلفون بتطبيق قوانين وسياسية الدولة في جميع الميادين. فعندما تطرح مشاكل ذات حساسيات سياسية وأمنية كنا نكتفي جميعا بنقل الوقائع إلى السلطات العليا للبلاد وهي التي تتكفل بدراستها، يعني أننا كنا مأمورين. ولا أقول هنا أن الدولة ارتكبت أخطاء بل بالعكس وفق متطلبات وسياق المرحلة، وبحكم المعطيات التي كانت موجودة آنذاك فإن الدولة تعاطت مع الأحداث بإيجابية واستطاعت أن توصلها إلى بر الأمان. لأن الكثير من الناس يجهلون أن أحداث جامعة مولود معمري تطورت بسرعة وأخذت مناح عدة للعنف، وأصبحت تحركها أياد من الداخل والخارج. وبغض النظر عن شرعية المطالب التي رفعت حينها فإن الدولة جندت كل الإرادات الخيرة من شخصيات وقيادات وطنية استطاعت أن تجنب البلاد كارثة حقيقية. ففي تقديري الشخصي كانت سياسة الدولة آنذاك حكيمة في تخطي تلك المحنة بدون سقوط ضحايا. هل يعني هذا أن مجلس التنسيق الولائي لم يكن مسؤولا عن الأحداث؟ مكتب التنسيق لم يكن على علم بكثير من تفاصيل الأحداث لأنها تعني القمة والذي سيرها حينها هو المجلس الأعلى للأمن بمسؤولية وقيادة كل من الشاذلي بن جديد وقاصدي مرباح، وقد تعاطوا بحكمة مع الحدث وكانوا يؤكدون أنهم لا يريدون أن يصل الجيش إلى الاحتكاك بالشارع. مثلا لم نكن نعرف تفاصيل قضية الثلاثين التي صارت فيما بعد تعرف بقضية 24 حتى جاءنا تلكس يؤكد أن هناك 24 شخصية يجب القبض عليها، وفعلا قبضنا عليهم وأخذوا إلى سجن البرواڤية وتم فيما بعد إطلاق سراحهم، وقد استعانت السلطة لاحقا بشخصيات من المنطقة للتوسط بينها وبين المتظاهرين وحل المشكلة أمثال معزوزي وآيت مسعودان. ما هي نوعية المطالب التي رفعها المتظاهرون يومها؟ التفاعلات والتداعيات كانت قديمة لأن الشعارات التي رفعها المواطنون كانت تؤكد أن المشكل يعود إلى الميثاق الوطني في 1976 عندما طرحت الأمازيغية كلغة في المنظومة التربوية من قبل المعارضين لتكريس العربية لغة رسمية وحيدة في البلاد، وربما تعود القضية إلى ما قبل الميثاق الوطني إلى أزمة حزب الشعب في 1947 ولكن السلطة لم تجد لها حلا راديكاليا إلى أن انفجرت المشاكل في أحداث 1980. ألا ترى أنه لو سمحت السلطة آنذاك لمولود معمري بإلقاء محاضرته لما انفجرت الأحداث؟ ثم لماذا منعتم محاضرة كانت ثقافية بالأساس؟ المحاضرة كانت القطرة التي أفاضت الكأس، لأننا كنا قد سمعنا عن تحركات من قبل في الجامعة تفيد بأن مظاهرات كانت ستندلع مباشرة عقب المحاضرة، الأمر الذي دفع بالسلطات إلى طلب تأجيل المحاضرة وليس منعها، وكان الهدف من طلب تأجيل المحاضرة لمدة أسبوع أو عشرة أيام هو تبين أهداف المظاهرة المنتظرة. وعندما وصلنا أمر تأجيل المحاضرة من قبل السلطات العليا عقدنا اجتماعا مباشرة ضم قائد القطاع العسكري والقيادات الأمنية والوالي والمحافظ السياسي وقد خولنا للوالي مسؤولية تطبيق قرار الدولة لأنه ممثل السلطة التنفيذية. اتصل الوالي بالأستاذ مولود معمري وأخبره بحيثيات قرار السلطات وطلب منه تأجيل المحاضرة، وحسب الوالي فإن مولود معمري أخبره أنه لن يأتي إلى الجامعة، لكن في الغد عندما اتصل الوالي ببيت معمري أخبرته زوجته أنه في طريقه إلى الجامعة فاستقبله الوالي في مكتبه وضيفه على قهوة وتحدث معه في هذا الشأن، فبدا معمري متفهما للأمر وقال للوالي إنه سيذهب فقط إلى الجامعة ليعتذر للطلبة فرافقته السلطات المحلية بما في ذلك الوالي والقيادات الأمنية. وعندما وصل معمري إلى الجامعة لا أدري بالضبط ماذا حدث لأنني لم أكن حاضرا. وهناك من يقول إن معمري قال للطلبة إنني منعت من إلقاء المحاضرة وهناك من يقول إن معمري قال للطلبة إنني أعول عليكم في مواصلة النضال من أجل الثقافة الأمازيغية وغادر الجامعة. ومباشرة بعد ذلك اندلعت المظاهرات بشعاراتها ولافتاتها مما يعني أنها كانت محضرة سلفا ومطالبها لا شك في مشروعيتها لكن طبيعة النظام السياسي آنذاك لم يكن ليسمح بها. كيف تم بعد ذلك اقتحام الجامعة؟ وهل فعلا وقعت مواجهات مع المتظاهرين؟ استمرت الأحداث قرابة شهر كامل، وانتقلت من الجامعة إلى الثانويات ومراكز التكوين المهني، وحتى المدارس الابتدائية وبعض المؤسسات الاقتصادية وتجاوزت حدود ولاية تيزي وزو إلى المدن والمناطق المجاورة قبل أن تنتقل إلى خارج الولاية. وكان يومها وزير التعليم العالي عبد الحق برارحي قاد مفاوضات مع الطلبة حيث توقفت الدراسة في الجامعة لمدة شهر وشلت جميع الأنشطة التعليمية فيها. وفي هذه الأثناء كانت الدولة تستعمل الوساطات للتفاوض مع المتظاهرين لكنها تفادت قدر الإمكان المواجهات المباشرة، لكن المتظاهرين كانوا متمسكين بمطالبهم واشترطوا الاعتراف بالأمازيغية قبل مباشرة أي حوار مع ممثلي السلطة لهذا أخذت السلطات العليا قرارا باقتحام الجامعة وإعادتها إلى نشاطاتها الأصلية. وقد بلغنا بالقرار في منتصف الليلة قبل يوم من تنفيذ الأمر. قلت سابقا إن السلطات استعانت بشخصيات من المنطقة لحل الإشكال. لكن، لماذا حيد آيت أحمد عن هذا المسعى رغم وزنه في المنطقة؟ ربما لأن الأفافاس كحزب قائم بذاته كان متهما في نظر البعض بالضلوع في الأحداث لأن بعض الفاعلين في مسار الأحداث كانوا مناضلين أو متعاطفين مع الأفافاس، وكان هذا الأخير من الأحزاب الأولى التي تبنت هذه القضية. ومن يدري ربما السلطة اتصلت بآيت أحمد في السر وفشل المسعى. البعض اتهم الأكاديمية البربرية في باريس بمحاولة استغلال أحداث تيزي وزو. هل كانت لديكم معلومات تؤكد هذا؟ الدولة لم تعطنا معلومات دقيقة في هذا الصدد، لكن ما عرفناه من أحد الأشخاص - لن أذكر اسمه - لما سئل مرة: ما هو رأيك في أحداث تيزي وزو؟ أجاب قائلا: ”الكاميرا في باريس والشاشة في تيزي وزو”. وقد عثر لاحقا على بعض المناشير التي وزعت خلال الأحداث طبعت في باريس. يتحدث البعض أيضا عن قمع المتحدثين باللغة الأمازيغية أو المنادين بها من قبل نظام بومدين لدرجة أن كل من يسمع يتحدث عن الأمازيغية يتم توقيفه والتحقيق معه إلى أي درجة هذه المعلومات صحيحة؟ مثل هذه التصرفات لم أعرفها وقد عملت مع مولود قاسم نايت بلقاسم الذي كان يتحدث بالأمازيغية وقد دافع عنها وكان بومدين يثق فيه كثيرا، ولم تكن اللغة تطرح إشكالا في هذا الاتجاه. أنا شخصيا كنت في فترة بومدين في ماي 1975 أول أمين وطني للاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية وفي تلك الفترة كانت تيارات عدة في الأمانة والمجلس الوطني والجامعة بما في ذلك إخواننا من الذين يتحدثون بالأمازيغية في الاجتماعات الرسمية والنقاشات التي تعرفها الجمعية العامة للاتحاد ولم يسبق أن تم توقيف أحد ما بسبب لغته. مصطفى بن خمو أحد شهود أحداث 1980 آيت أحمد تخلى عنا، الباكس رفضنا وبوضياف انقسم حزبه بسبب الخلاف حول الأمازيغية كنا نخاف من الحديث بالأمازيغية حتى داخل بيوتنا - بعض من عرقلوا عملنا يرفعون اليوم شعار النضال من أجل الأمازيغية يؤكد الباحث والمناضل مصطفى بن خمو أن أحداث الربيع الأمازيغي التي عرفتها تيزي وزو في أفريل 1980 كانت امتدادا طبيعيا لإقصاء الهوية والثقافة الأمازيغية من المشهد السياسي والثقافي الوطني، حيث أكد في لقاء مع ”الفجر” أنه منذ أن كان طالبا في ثانوية الأمير عبد القادر بالعاصمة، وهو الطفل العائد من المهجر مباشرة بعد الاستقلال، اكتشف أن خطاب المحيط كان دائما عدائيا تجاه الأطفال أمثاله من الذين لا يحسنون العربية. وكان بعضهم يقول له دائما ”عد إلى بلادك”، ومنذ ذلك اليوم دخل دهاليز البحث والتنقيب حتى صار أحد المتخصصين القلائل في التاريخ واللغة الأمازيغة، فألف عديد الكتب ووضع قواميس باللغة الأمازيغة، إلى جانب كونه من أوائل المناضلين الذين انخرطوا في سبيل الدفاع عن حق دسترة الأمازيغية ومنحها مكانتها في وطنها. فكان أحد شهود أحداث 1980. قال مصطفى بن خمو إن المطالبة بحق الأمازيغية في الفضاء العام الثقافي والتربوي والسياسي لم يكن وليد 1980، لكنه يمتد إلى فترة حزب الشعب، وتواصل بعد الاستقلال بعد أن أجلت الثورة حسم الكثير من الخلافات والقضايا المصيرية في البلاد. وهنا يؤكد المتحدث أن الكثير من رموز النضال الأمازيغي تم تحييدها أو تصفيتهم لهذا السبب ومنهم ليماش، عمارة آيت حمودة، السي علي بناي مبارك آيت منڤلات وحسين آيت أحمد وغيرهم. كما تم تشويه كل من يرفع شعار النضال من أجل اللغة والثقافة الأمازيغية ويتهم بكونه عميل وابن فرنسا وغيرها من التهم. كان هو وبعض رفاقه من تلاميذ مولود معمري الذي بدء بتدريس الأمازيغية في جامعة الجزائر المركزية، وكانت يومها المقاهي وملاعب كرة القدم الأماكن المفضلة لتمرير الرسائل والنقاش، حيث كان فريق شبيبة القبائل الفريق الذي أجتمع حوله كل مناضلي المسألة البربرية وكشف بن خمو أنه ورفاقه كانوا من الأوائل الذين كتبوا الشعارات التي دخلت ملاعب كرة القدم بالحرف البربري في مقابلات الشبيبة في 1970 ومنها انتقلت إلى كل ملاعب المغرب العربي أثناء المنافسات الإقليمية. وفي سياق شهادته عن الأحداث يقول بن خمو إن التصويت على ميثاق 1976 كان القطرة التي أفاضت الكأس، فقد تم تحييد الأمازيغية كمكون أساسي للشخصية الوطنية لهذا صار الشباب الرافعون لهذا الخيار يبحثون عن قوة أو حزب سياسي يتبنى خيارهم من بين الأحزاب التي كانت تشتغل في السرية، ومنها الحزب الشيوعي الجزائري ”الباكس”. لكن زعماء هذا الحزب يقول بن خمو قالوا لنا إن الأمازيغية ليست أولوية وطنية لأن الشعب اليوم يحتاج إلى حياة كريمة. ويؤكد مصطفى بن خمو أنهم فضلوا الباكس على الأفافاس في البداية حتى لا يوسمون بالجهوية. بعدها اتجهوا إلى حزب ”التجديد الاشتراكي” الذي كان يرأسه محمد بوضياف وقد كان النقاش حول تبني النضال الأمازيغي، السبب الذي فجر الحزب وانقسم على نفسه في سنة 1977. وحتى الأفافاس يقول المتحدث لم يتبن خيارنا في البداية وقال لنا إن المطالبة بالديمقراطية أولى في هذه المرحلة. ويضيف بن خمو قائلا ”بدأنا ننشط في الثانويات والجامعات وأعطينا طابعا ثقافيا لنضالنا في المسرح والأغنية وحتى ملاعب كرة القدم في نهاية السبعينيات كانت موسومة بالطابع المطلبي حتى انفجرت أحداث 1980 وعندها أرسل لنا حسين آيت أحمد أحدهم من فرنسا وقال لنا لا تزجوا بالحزب في الأحداث وعندما يلقى عليكم القبض حذار أن تتحدثوا عنا. فما كان منا إلا أن انفصلنا عن الحزب نهائيا. ويؤكد بن خمو في سياق شهادته عن المرحلة أن نظام بومدين كان قد أقفل النافذة في وجه أي تعددية أو اختلاف، حيث كان الناس يخافون من الحديث بالأمازيغية حتى وهم حول قصعة كسكسي في بيوتهم، لكن أحداث 1980 كسرت حاجز الخوف ومهدت لانتفاضات أخرى منها أحداث أكتوبر 1988. وبخصوص المستقبل يرى بن خمو أن الربيع الآخر للثقافة واللغة الأمازيغية سيتحقق يوم يجتمع كل أمازيغ المغرب العربي من أجل تطوير وخدمة ثقافتهم لأن بعض التصرفات الصادرة اليوم من بعض المتحدثين باسم الأمازيغية تشبه إلى حد بعيد نفس تصرفات نظام الحزب الواحد مع مناضلي الثقافة الأمازيغية قائمة على الإقصاء والتهميش. الأمازيغية لا تعني القبائلية، لكنها أعمق وأشمل، خاصة ونحن نرى في الساحة بعض من عرقلوا مسار نضالنا بالأمس يرفعون شعار الأمازيغية.