سنة مرت على أحداث تيزي وزو أو ما يطلق عليه تسمية ''الربيع الأمازيغي''، ومنذ تلك اللحظة عرفت القضية البربرية في الجزائر العديد من المحطات وشهدت الكثير من التجاذبات، وانتهت إلى دسترة الأمازيغية كلغة وطنية فأعيد بذلك للهوية الأمازيغية بعدها الوطني في الدستور، مما ساهم بشكل كبير في نزع فتيل تأزيم المطلب من جهة وتطبيع الأوضاع وانعتاق المنطقة من رواسب الماضي ودخولها من جهة أخرى تقويم التتنمية الجديد والتسابق نحو المستقبل على غرار باقي ولايات الوطن شكل الربيع الأمازيغي الذي شهدته الجزائر في 20 أفريل ,1980 حدثا مفصليا في تاريخ الجزائر المستقلة التي كانت حينها تستعد للاحتفال بالذكرى ال18 للاستقلال، وهو عمر قصير لدولة حديثة بدأت تتلمس طريقها في البناء وتضميد الجراح، لكن تبقى الصور والمشاهد حول ذلك اليوم في منطقة أبت إلا أن تكون هامتها مرفوعة. ولأن رواسب الصراع بين قيادات الثورة بعد الاستقلال، بما فيها القضية الأمازيغية التي أثيرت آنذاك، فإن هذه الرواسب تشكلت وطفت على السطح لتدفع بالأحداث إلى الواجهة في مدينة تيزي وزو في بداية الربيع في بدايات الثمانينات. والملاحظ أن هذه الأحداث جاءت بعد 17 شهرا فقط من وفاة الرئيس هواري بومدين، الذي كان يمسك بشكل مركز على نظام الحكم، ولعل الانفتاح الطفيف والتغييرات التي أحدثها الرئيس الشاذلي بن جديد بعد تسلمه السلطة نهاية عام ,1979 سمحت لنشطاء القضية الأمازيغية باستغلال حادث منع الكاتب مولود معمري من إلقاء محاضرته، لتحويل القضية الأمازيغية للمرة الأولى إلى الشارع، لكن هذه الأحداث التي كانت ذات أبعاد ثقافية. لم تكن ذات أبعاد إيديولوجية وسياسية، على اعتبار أن المطلب كان يرتبط بالاعتراف باللغة والثقافة الأمازيغية كجزء من الهوية الوطنية، إلا أنه لم يكن ذا علاقة بالمطالب السياسية المرتبطة بالتعددية السياسية والحريات وحرية التعبير وغيرها، لكون هذه المطالب لم تكن قد نضجت بعد. وفي الوقت نفسه، أظهرت أحداث الربيع الأمازيغي أن الحركة البربرية كانت أكثر نشاطا وتنظيما، مستفيدة من جملة من العوامل تتعلق بالحراك المدني وحركة التنقل الكبيرة للكوادر البربرية إلى الخارج. بما يثري ذلك التجربة الفردية والجماعية. كما أنها سبقت الكثير من الحركات المعارضة للسلطة في السبعينات والثمانينات، وكانت أكثر تنظيما، بدليل أن الإسلاميين انتظروا حتى عام 1982 للخروج إلى الواجهة، والتيارات الديمقراطية ظلت متوارية إلى ما بعد أكتوبر .1988 وتشير الكثير من التحاليل التي فحصت أحداث أكتوبر 1988 أنها قادت الجزائر إلى إنهاء مرحلة حكم الحزب الواحد والتوجه رأسا نحو التعددية السياسية. لقد كانت أحداث الربيع الأمازيغي، المؤشر الأول على تحول في الوعي السياسي للمجتمع السياسي في الجزائر، إضافة إلى أنه كان بداية انكسار حلقة الخوف التي كانت تحكم المجتمع الجزائري، بدليل أن أحداثا كثيرة تلت الربيع الأمازيغي، كأحداث الجامعة المركزية عام 1982 وأحداث قسنطينة عام 1984 وأحداث أخرى جرت عام .1986 ويظهر جليا بالعودة إلى مسار تلك الأحداث أن تعاطي الدولة مع الربيع الأمازيغي، ارتكز على قاعدتين، الأولى قمع المظاهرات واعتقال الناشطين البربريين، والثانية إظهار حالة من التفهم للمطلب الثقافي عبر السماح ببث الأغاني القبائلية في الإذاعة والتلفزيون الجزائري، وتشجيع إقامة الفعاليات الثقافية والفنية القبائلية. والاعتراف بالأسماء البربرية في القاموس الوطني للأسماء. وإدراج ذلك ضمن الوفود الثقافية التي كانت تمثل الجزائر في التظاهرات والمهرجانات الثقافية في الخارج، لكن هذا التعاطي ظل يتستر على جوهر المطلب حتى اندلاع أحداث 1994 وإضراب المحفظة وما تلاها إلى غاية أحداث جوان ,2001 في مسيرة حركة العروش التي انتهت باعتراف السلطة باللغة الأمازيغية ودسترتها كلغة وطنية. بعد 16 سنة من إقرارها تدريس اللغة الأمازيغية يتراجع سجل النائب علي إبراهيمي، المستقيل من كتلة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ''الأرسدي''، تراجعا في تدريس اللغة الأمازيغية في الجزائر منذ عام ,1995 وقال إن وزارة التربية الوطنية لم تجتمع منذ شهر ديسمبر 2007 مع المحافظة السامية للأمازيغية وهذا ما يعتبر خرقا للمرسوم الرئاسي المتعلق بهذه الهيئة المكلفة بمتابعة ملف تدريس الأمازيغية. وقال النائب إبراهيمي، في دراسة شاملة، إن تدريس الأمازيغية الذي جاء بعد حملة مقاطعة تلاميذ منطقة القبائل للمدرسة سنة 1994 - 1995 وبعد تضحيات جسيمة من المواطنين. مشيرا إلى أن تدريسها لا يطبق سوى في عشر ولايات ويمس 235 ألف تلميذ فقط معظمهم في طور المتوسط، أغلبهم في ولايات الجزائر، بومرداس، تيزي وزو، البويرة، بجاية وسطيف، بينهم 216 ألف تلميذ، بما يمثل نسبة 98,91 بالمائة في ولايات تيزي وزو، بجاية والبويرة لوحدها. وحول مسألة التأطير، أكدت الدراسة أن ''التركيبة الإحصائية في تعداد المعلمين توضح أن 89 بالمئة من معلمي الأمازيغية يتواجدون في مدارس ولايات تيزي وزو، البويرة وبجاية''. كما تشير إلى أن ''هناك 844 معلما للغة الأمازيغية متحصلين على شهادة الليسانس تم توظيفهم من مجموع 1148 معلم عبر التراب الوطني تحصلوا على شهادة الليسانس يعانون البطالة، منهم من لجأ إلى تغيير مهنته''. وأضافت الدراسة أن ''تكوين معلمي الأمازيغية لطوري الابتدائي والمتوسط الذي تم إسناده لمعهد تكوين المعلمين والأساتذة ببن عكنون لم يخصص سوى حجم ضئيل من الوقت لتدريس مادة اللغة الأمازيغية''. وانتهت دراسة النائب علي إبراهيمي إلى أن ''السلطات لا تملك خطة تطوير تعليم الأمازيغية وتوفير الإمكانات البشرية والمادية الواجب تسخيرها ولا حتى الآجال الواجب تحديدها''. ف / ز 1931 : عبد الحميد بن باديس، كان يوقع مقالاته وأشهرها المعنونة بما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان باسم عبد الحميد بن باديس الصنهاجي، نسبة إلى القبيلة الأمازيغية، ما يعني أنه لم ينف تماما البعد الأمازيغي للشعب الجزائري. ؟1938 : عقد ''عمار إيماش'' أول مناظرة مع مصالي الحاج، الذي نفى البعد الأمازيغي في تعريفه للشعب الجزائري، حسب المناظر ''إيماش عمار''. 1949 *: أول أزمة بربرية، خلال مؤتمر حزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية، والمنظمين الرئيسيين للاحتجاج اندرجوا ضمن قالب القومية البربرية 1980: بداية الربيع الأمازيغي، بعد حظر محاضرة لمولود معمري، بجامعة تيزي وزو، لتنطلق من خلالها المطالب الثقافية. 1987: ميلاد الحركة الجمعوية الثقافية، جمعية ''الحركة الثقافية البربرية'' 1994 إضراب المحفظة، كانت هناك استجابة واسعة للإضراب في منطقة القبائل، ولأول مرة يقول الرئيس، اليمين زروال، :''نحن جميعا أمازيغ''. ؟1995 : إنشاء المجلس الأعلى للأمازيغية، وإدخال اللغة الأمازيغية في التدريس تدريجيا 2001 : انطلاق أحداث القبائل، أو ما يسمى بالربيع الأسود، إثر مقتل الشاب فرماح مسنيسا على يد دركي. 14 جوان 2001: مسيرة مليونية تنظمها حركة العروش من منطقة القبائل باتجاه الجزائر العاصمة 2002 : المفاوضات الأولى بين الحكومة وحركة العروش، وتعديل الدستور والاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية 2009 : إنشاء أول قناة ناطقة بالأمازيغية . النائب علي ابراهيمي ل ''البلاد'' ''معاداة القبائل '' مغالطة سياسية
شدد النائب في البرلمان علي براهيمي المستقل عن كتلة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ''الأرسدي''، أن أحداث الربيع الأمازيغي تبقى صفحة في تاريخ الجزائر المستقلة، مضيفا أنه شهد تجاوزات كثيرة لكنها في النهاية أثمرت قرار وضع اللغة الأمازيغية كلغة رسمية معترفا بها في الدستور الجزائري.
ماهي إرهاصات الربيع الأمازيغي التي سبقت 20 أفريل 1980 لقد كانت استمرارية للإحباطات التي استهدفت اللغة الأمازيغية والثقافة البربرية، على الرغم من استقلال الجزائر. كما أن سياسة التعريب التي اتخذها الرئيس الراحل هواري بومدين والرئيس الأسبق أحمد بن بلة كانت تهدف إلى إزالة آثار الأمازيغية بشكل لافت للإنتباه، بداية في الإذاعة والتلفزيون، وكلها كانت عبارة عن بركان كان يغلي وكان سينفجر في أي لحظة، عرف بعدها ما جرى من أحداث في الربيع الأمازيغي. هل كانت حادثة منع مولود معمري من إلقاء محاضرة، السبب المباشر في اندلاع الأحداث؟ نعم، لقد كانت السبب الآني، للأحداث لكن منع محاضرة معمري بتاريخ 10 مارس ,1980 لم يكن سوى القطرة التي أفاضت الكأس، فالربيع الأمازيغي كان قبل كل شيء موجها من العمق ضد تراكمات الرفض والنكران الثقافي واللغوي، السياسي والاقتصادي في المنطقة، التي حرمت من ثمار الاستقلال الوطني والذي من أجله ضحّت بكل شيء. كيف كان سير الأحداث خلال الربيع الأمازيغي؟ الحدث الأول الذي أثار الانتباه هو أن الطلبة بتيزي وزو متبوعين بسكان منطقة القبائل هم من قادوا حركة الاحتجاج. وفيما بعد احتل الجميع الشارع والفضاء العام وانتشرت الثورة الشعبية في كل من جامعة الجزائر وبومرداس، حيث استفادت من تعاطف السكان ذوي الغالبية القبائلية سواء بالأصل أو باللغة. وفي السابع من أفريل وبعد مراسلة مفتوحة من طلبة تيزي وزو. إلى الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، كانت أول أرضية مطالب حررت في الثامن من أفريل 1980 خلال تجمع ترأسته شخصيا وبعدها توسعت الحركة إلى كل من بجاية والبويرة. وفي 16 أفريل من نفس السنة، عرفت منطقة القبائل شللا كبيرا، بسبب توقف الآلاف عن العمل وتم تأسيس لجنة للدفاع عن الحقوق المدنية وهو ما أسفر عن انضمام الآلاف من الطلبة إلى هذه الحركة الاحتجاجية.
كم بلغ عدد ضحايا القمع الذي تعرض له السكان خلال الأحداث؟ في الواقع لم يكن هناك قتلى، كانت هناك المئات من عمليات الاعتقالات والتعنيف الجسدي، وأنا شخصيا تعرضت لبعض الممارسات العنيفة، لقد تم تعذيبي خلال عدة أيام في مقرات الأمن آنذاك.
كيف تعاملت السلطة مع هذه الأحداث آنذاك؟ في البداية كانت قوات الأمن والسلطات عاجزة أمام شكل جديد من المواجهات وكيفية تجهيز نفسها لمواجهة هذا النوع من الاحتجاجات، وبسرعة أصبح النظام متجاوزا من احتجاجات ذات طابع شعبي وسلمية، لكنها جوبهت بالقمع الذي عرفته منطقة القبائل والاحتجاز والاعتقالات التي مست العشرات من الشباب. كما كان 20 أفريل يوما أسود في تيزي وزو
هل مازال الضحايا يطالبون بحقوقهم؟ لا، لا، على حد علمي، لا يوجد من يطالب بذلك. كيف كان صدى الربيع الأمازيغي في الخارج؟ كان صداه كبير جدا، حينها شاهد العالم كله انبعاث لغة وثقافة كانت مفتقدة لدينا ومغيبة رسميا، وقد شهد نظام الحزب الواحد، أول حركة احتجاجية كبيرة والتي تبعتها احتجاجات أخرى بدول شرق أوروبا، وقد اكتشفت الجالية الجزائرية قضية شعبية نوعية. في اعتقادكم، هل حققت الحركة الأمازيغية أهدافها هناك العديد من السبل سلكها الكثيرون من أجل الدفاع عن لغة بداية بأبنائها من آلاف السنوات، ومن كان يتصور أن تصبح اللغة الأمازيغية لغة وطنية مسجلة في دستور الجزائر. ولكن لا ننسى من ضحوا لأجلها فهناك من فقدوا أرواحهم والبعض ذهبوا إلى السجن، وتعرض البعض الآخر إلى التعذيب والنفي أيضا. ماذا بقي من الحركة الثقافية البربرية وحركة العروش؟ اعفيني من الإجابة عن هذا السؤال.
ما مدى صحة وجود مايسمى معاداة للقبائلية؟ أرى أن الموطن تخلص من هذه العقدة التي خلقها النظام، لا تزال هذه المغالطة في عدة دوائر ضيقة ولكن الواقع يكذبها، وهناك من يختفي وراء هذه المغالطة ويبالغوا فيها لأغراض سياسية ويظهروا أنهم مظلومين. هل تعتبر منطقة القبائل رهينة التيارات التقليدية والإيديولوجية؟ لا يمكن الحديث عن الأحزاب السياسية في المنطقة، لأنه بصفة عامة خصوصا أحزاب المعارضة الديمقراطية التي تريد الديمقراطية وتطالب من رئيس الجمهورية أن يحكم لعهدتين فقط، ولكنها لا تطبق ذلك على نفسها، فأنا هنا أدعوها لتغيير نفسها وتكون ملكا لجميع المناضلين وأبوابها مفتوحة لجميع المناضلين وليس لأشخاص فقط.