قطر، السعودية وباريس تناور بأزمة بطالي المنطقة بوتفليقة يلتقي أعيان الجنوب قريبا تسعى عدد من التنظيمات الإسلامية ذات التوجهات السلفية الجديدة التي تحظى بدعم وتوجيه خارجي، إلى إقامة أقلية مذهبية بالجنوب، تستغل فيما بعد لخدمة أجندتها الخاصة، ومن بين أهم التنظيمات المتوغلة في الأوساط الشعبية في الجنوب، حسب ما رصدته ”الفجر”، ما يعرف بجماعة ”الدعوة والتبليغ” المشهورة بالعمل التضامني والخيري. وفي السياق نفسه أكد عدد من شباب ورڤلة وشباب بعض بلديات غرداية ل”الفجر” أن بعض ناشطي الحزب المحظور يحاولون العودة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة عبر بوابة الصحراء، كما اعترف الكثير ممن التقيناهم بأن جهات قطرية وفرنسية وسعودية حاولت حشر أنفها في أزمة البطالة بالجنوب. تمكنت العديد من التنظيمات والجماعات السلفية المعاصرة من اختراق عقول أبناء الجنوب الجزائري المعروف بمرجعيته وثقافته الدينية المحافظة والعريقة، وهي التنظيمات التي تهدف إلى زرع أفكار بثقافة دينية مشرقية غريبة عن تقاليدنا وثقافتنا ومذهبيتنا، وجرح وتكفير كل ما هو مرتبط بثقافتنا الدينية العريقة. وعملت هذه التنظيمات، حسب ما استقصته ”الفجر” بكل من ولايتي غرداية وورڤلة، على استغلال الظروف الاجتماعية والثقافية التي تعيشها المنطقة الصحراوية، في مقدمتها الفقر والبطالة ونقص الوعي الثقافي بمخاطر الفكر الوافد. ومن بين هذه التنظيمات التي باتت أكثر نشاطا وصيتا بالمنطقة، جماعة ”الدعوة والتبليغ”، وهو تنظيم إسلامي حديث النشأة والنشاط بالمنطقة، ويسعى هذا التنظيم، حسب ما تلقيناه من شروحات بعض متبعيه بولاية ورڤلة، إلى تعويض السلطة في كل شيء، كالتعليم حيث يركزون على التعليم الديني مستندا على المرجعية الدينية الوافدة من المشرق العربي وبالخصوص العربية السعودية، وهي فهوم وفتاوى لا تتناسب مع خصوصيات المجتمع الجزائري، لاسيما وأن التاريخ يتذكر كيف أباحت مثل هذه الفتاوى دماء وأموال وأعراض الجزائريين خلال سنوات المأساة الوطنية منتصف التسعينيات. التضامن لفتح باب التجنيد وغسل الأدمغة وتعمل جماعة الدعوة والتبليغ، التي تضم شبابا من مختلف مناطق الوطن، خاصة من العاصمة وسطيف والعلمةو وأغلبهم من خريجي المعاهد الإسلامية سواء الجزائرية كمعهد خروبة أو الأجنبية كالجامعات السعودية، على فتح باب التجنيد في أوساط أبناء الجنوب للانخراط في صفوفهم، مستهدفين فئة الشباب بالعمل التضامني الذي يكون بمثابة جسر لفتح باب التجنيد وغسل الأدمغة، حيث بات هذا التنظيم شبه منافس للدولة في العمل التضامني والخيري، لاسيما خلال المناسبات والأعياد الدينية. وبرز هذا التنظيم بالجنوب أكثر حسب مصادر مطلعة خلال شهر رمضان الفارط، لكنه توسع بشكل أكثر مع ارتفاع موجات الاحتجاجات الاجتماعية. وبحسب ما نقله بعض سكان ورڤلة في حديثهم ل”الفجر” ممن كانوا هدفا للحملات التضامنية للدعوة والتبليغ، فإن أنصادر الدعوة والتبليغ يفتحون شهية الترويج لأفكارهم بالعمل التضامني من خلال حملات توزيع المواد الغذائية والأدوية والأفرشة وغيرها من مستلزمات الحياة على السكان، خاصة البدو الرحل وبعض المناطق النائية. وحسب ما نقله الكثيرون، فإن هذا التنظيم وزع في الكثير من الأحيان مساعدات مالية على العائلات الفقيرة والمعوزة والأيتام، كما ساهم أعضاؤه بورڤلة في مساعدة بعض الشباب في مستلزمات الزواج والمهور، منهم عبد الرحمن 35 سنة من ولاية ورڤلة، ويوسف 28 سنة من سيدي خويلد اللذان أكدا ل”الفجر” أنهما تلقيا مساعدات خلال زواجهما، كما سهر نفس التنظيم على صرف أموال زكاة الفطر خلال العيد الماضي على السكان، كما يستهدف التنظيم أيضا بعض المسلمين اللاجئين من مالي والنيجر، وهو ما رصدته ”الفجر” بقلب مدينة ورڤلة رغم وجود مساعدات إنسانية تضمنها الدولة وبعض فعاليات المجتمع المدني لهذه الفئة. التكفير وخلق أقلية مذهبية هدف من أهداف التنظيم وتبدأ بعد العمل التضامني حملات غسيل الدماغ بأفكار مستوردة لا تتوافق ومرجعية المجتمع الجزائري، حيث يخصص أتباع الدعوة والتبليغ ما يعرف عندهم بحلقات الذكر والعلم في مختلف تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، كما يوزعون قصاصات وكتيبات تحمل فتاوى ودروسا لمشايخ المملكة العربية السعودية، وهم مشايخ غير معروفين لدى عامة الجزائريين. كما يسهر هؤلاء على إقامة صلاة الجماعة بالأحياء النائية التي يتوغلون فيها، ويحمل هؤلاء أيضا بحسب ما استقصيناه من حديثنا مع بعض رواد التنظيم أفكارا تكفيرية، حيث يمقتون بعض تقاليد المجتمع الجزائري ذات الأصول الدينية والمستند الشرعي تحت ما يسمى ب”البدعة”، ومن أمثلة ما يرونه بدعة وينهون عنه تأمين السيارات، وبيع غلة النخيل قبل بدوها، وزيارة المقابر، والتحزب لغير الله، وكذا المشاركة في الانتخابات، حيث سبق لهم التحريض على مقاطعة الانتخابات المحلية الأخيرة، وغيرها من الأفكار الغربية عن المجتمع الجزائري. وسجل عنهم حسب روايات البعض عدم الالتزام بالمساجد الرسمية، وحجتهم في ذلك أنها خارجة عن السنة، وضمن السياق نفسه يحذرون أيضا من اتباع بعض المشايخ المعتدلين وفتاويهم كأبي بكر جابر الجزائري، وأبو عبد السلام والشيخ شيبان والشيخ أحمد حماني رحمة الله عليه، وهم مشايخ عرف عنهم الاعتدال والحكمة. كما لم نسمع عن هذا التنظيم أنه حذر من الفتاوى التحريضية للدكتور يوسف القرضاوي خاصة تلك التي تدعو للتمرد على النظام وإشاعة الفوضى في الجنوب، وبهذا يسعى تنظيم الدعوة والتبليغ إلى خلق أقلية دينية مذهبية سلفية جديدة بالجزائر عبر بوابة الصحراء الشاسعة، لاستغلالها في مشاريع مستقبلية لا يعلم تفاصيلها وأهدافها إلا القائمون عليها. تمويل الدعوة والتبليغ من الأسرار وتبقى مصادر تمويل جماعة الدعوة والتبليغ لممارسة النشاط الخيري في العلن والاستفهامات في الخفاء في طي الكتمان وما يعرف عنه إلا القليل، وبسحب ما ينقله شباب التنظيم لفقراء ورڤلة والمنيعة وبعض بلديات غرادية النائية، فهم يمارسون نشاطهم بدعم من تجار ومحسنين عبر مختلف ولايات الجزائر، وهنا يطرح تساؤل تعارض ذلك مع القوانين الجديدة التي تمنع جمع الأموال والتبرعات، لكن يبدو أن التنظيم حسب العارفين يتحرك بقدرات مالية ضخمة مجهولة المصدر، خاصة وأنه يستعمل أقراصا مضغوطة أيضا ووسائل سمعية أخرى لنشر أفكارهم الوافدة من المشرق العربي والحجاز، ما يطرح فرضية تمويل هذا التنظيم من طرف أطراف هناك، وهي التي دعمت سابقا الجماعات الإرهابية التي كفرت الجزائريين في سلوكاتهم وعاداتهم، وشرعت للقتل تحت ذريعة الجهاد في سبيل الله. كما نقل إلينا أن التنظيم يتلقى دعما من نشاط التهريب خاصة بالمنيعة، وفي الملف ذاته اعترف إمام مسجد بورڤلة، رفض الكشف عن اسمه، بأن النشاط الدعوي والخيري لأنصار الدعوة والتبليغ غير مرخص له، وبالتالي لا يمكن لها الاستمرار في القيام بحملاتها في الوقت الذي سخرت فيه الدولة، يقول محدثنا، جهات تقوم بمثل هذه الأنشطة كالمساجد والقائمين عليها، ومديريات الشؤون الدينية عبر ولايات الجنوب. قطر والسعودية وفرنسا تحشر أنفها في ملف البطالة بالجنوب ليس التيار السلفي الوارد من الخارج الجهة الوحيدة التي تلعب أوراقها بالجنوب الجزائري فقط، بل تأكد أيضا وجود بعض الجهات الأجنبية التي تريد زعزعة استقرار الجزائر بالاستثمار في ملف البطالة بالجنوب، والخوض في الموضوع كان من الطابوهات مع جموع الشباب البطال أمام محكمة ورڤلة على هامش الاحتجاجات التي تزامنت ومحاكمة بعض الموقفين في أحداث الشغب الأخيرة، حيث اعترف بعض الشباب بأن سفارات العديد من الدول اتصلت بهم عبر قنواتها الخاصة خلال مارس الماضي، وهي الفترة التي كانت فيها احتجاجات البطالين في أوجها. ومن الدول التي اتصلت بهم حسب ما نقله الصادق 24 سنة من حي الخفجي، سفارة قطر، وهو الاتصال الذي كان تحت مظلة العمل الإعلامي والصحفي. كما نقل الصادق أيضا في حديثه ل”الفجر” أن جهات فرنسية تتخذ من المملكة المغربية مقرا لها، اتصلت ببعض الشباب البطالين، وعرضت عليهم خدماتها من المغرب، فيما اعترف المتحدث بتدخل السعودية بفتاوى محرضة، وهو التدخل الذي رفضه شباب المنطقة جملة وتفصيلا حسب المتحدث، لأن مطالبهم اجتماعية وليست سياسية، وخير جواب على ذلك، يضيف الصادق خريج جامعة قاصدي مرباح بورڤلة، ”كان جوابنا في مسيرة 14 مارس أين أكدنا أن الثوابت الوطنية خط أحمر لا مساومة فيها”. شباب ورڤلة: هناك محاولات لعودة الفيس عبر بوابة الجنوب وتبقى محاولات عودة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة إلى الواجهة بورقة الجنوب هي الأخرى حقيقة، كما نشرناه في تحقيقات سابقة حول الملف نفسه باعتراف الكثير من الشباب البطالين، حيث يقول بدر الدين ل”الفجر” ناشط في تنسيقية البطالين بالجنوب، وسبق أن برأته محكمة ورڤلة من تهمة الإشادة بالأعمال الإرهابية، حيث أكد هذا الأخير أن هناك العديد من مساعي الفيس لاحتضان الحركة الاحتجاجية للبطالين. وهي مساع مرفوضة من طرف البطالين أيضا، حسب شهادة بدر الدين وآخرين، مبرزين أن المرمى في يد السلطة لإبعاد الفيس المحل عن محاولات احتواء الحركات الاحتجاجية بالجنوب. يذكر أن وسائل الجبهة الإسلامية للإنقاذ لا تزال تعرض خدماتها على الشباب الغاضب، حيث سارعت حركة رشاد إلى تبني المطالب، فيما تعرض المنابر الإعلامية للحزب المحظور خدماتها على هؤلاء. مبعوث ”الفجر” إلى ورڤلة وغرداية: رشيد حمادو لتشريح الوضع بالمنطقة بوتفليقة يلتقي أعيان الجنوب قريبا نقلت مصادر مطلعة ل”الفجر” أن رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، سيلتقي قريبا وفدا من أعيان منطقة الجنوب، وهو الاجتماع الذي يخصص لدراسة تطورات المنطقة والتحديات التي تعيشها في الوقت الراهن. ويرجح أن يكون لقاء الرئيس بوتفليقة بوفد عن ممثلي أعيان ولايات الجنوب بإحدى الإقامات الرئيسية بالعاصمة، الأسبوع المقبل، حسب المصادر نفسها، وهو الاجتماع الذي سيخصص لدراسة الوضع في منطقة الجنوب خاصة أمام الحركات الاحتجاجية الأخيرة، في مقدمتها احتجاجات البطالين التي تعرفها العديد من الولايات كورڤلة وغرداية وتمنراست، والتحديات التي تواجها الجزائر على الحدود الجنوبية. وتأتي برمجة الرئيس بوتفليقة اجتماعا مع أعيان الجنوب رغبة منه في تقصي الحقائق بالمنطقة، وهذا بعد توجيه عدد من الانتقادات للمنتخبين المحليين والوطنين لولايات الجنوب، واتهامهم بخدمة مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة للمنطقة. وبهذا الخصوص يكون مبعوث الرئيس بوتفليقة إلى الجنوب، الشيخ معروف، من كبار أعيان ولاية أدرار، قد شرع في اتصالات مع أعيان ومسؤولي قبائل التوارڤ تحضيرا لهذا الاجتماع ومحاوره الأساسية. ويأتي لقاء الرئيس بوتفليقة بأعيان ولايات الجنوب في الوقت الذي يحضر الرئيس لزيارة ميدانية للمنطقة، يرجح أن تشمل العديد من الولايات منها إليزي التي عرفت حادثة الاعتداء الإرهابي على قاعدة الحياة بمركب تيڤتنتورين، وكذا ورڤلة التي تعرف موجة احتجاجات، إلى جانب تفقد عدد من المشاريع الإستراتيجية الجاري إنجازها في الجنوب ضمن ما تبقى من برنامج المخطط الخماسي 2009-2014.