مازالت ”الثورة” التونسية لم تكشف كل ”مكنوناتها” بعد، ولم تخرج إلى العلن كل خبايا المجتمع التونسي الذي حارب لعشرات السنين الظلامية والتخلف. هي الثورة التي بدأت من صدر امرأة، عندما شتم البوعزيزي الشرطية التي أخذت منه أثقال الميزان لتجبره على إبعاد عربة خضر عن الرصيف، فأجابها - المرحوم - بكلمة نابية، حيث قال لها يومها ”باش نوزن.. نوزن بزوايزك؟ (أي بثدييك)”، فردت مثلما ترد كل امرأة غيورة على شرفها بصفعه صفعة وصل دويها إلى عرش بن علي فقلبه، بعدما أحرق المسكين نفسه وتحول بقدرة من خطط ”للثورة” المزعومة لقلب الأوضاع في تونس إلى شهيد ورمز، وتحولت الشرطية المسكينة إلى مجرمة وظالمة، مثلما هي دائما الصدف ترفع البعض وتغمر البعض الآخر في وحل التاريخ. اليوم تونس تضبط توقيتها علي صدور نساء، نساء ”فيمن” العاريات، حيث عرفت الشوارع المحاذية لقصر العدالة بالعاصمة تونس، أمس، عرضا لا يمت لا ”للثورة” التونسية ولا لأخلاق التونسيات بصلة، عندما تعرت ثلاث نساء، فرنسيتان وألمانية، أمام قصر العدالة مطالبات بتحرير أمينة التي تنتمي لحركة ”فيمن” ونشرت منذ فترة صورتها عارية الصدر على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتقلتها الشرطة في 19 ماي الجاري في القيروان، رافعات لائحة مكتوب عليها بالإنجليزية شتيمة لأخلاق المجتمع التونسي. شخصيا لا أجد في هذه التظاهرة الجريئة شيئا من الديمقراطية ولا الحرية. والأكيد أنها لا تعبر عن مطالب المرأة التونسية، خاصة النساء في الأرياف اللواتي يعانين الأمرين من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس. ثم بأي حق تأتي أجنبيات للتظاهر وشتم أخلاق مجتمع آخر؟ وكيف للشرطة التونسية في الشارع وشرطة الحدود السماح لهؤلاء بالدخول، والقيام بهكذا أفعال، خاصة وأنهن سبقن الزيارة إلى تونس بتصريحات إعلامية في بلدانهن بأنهن سيتظاهرن في تونس مساندة لأمينة؟! كيف لهذه الشرطة التي لم تتمكن من منع أجنبيات من القيام بما قمن به من حماية تونس مما هو أخطر؟ حمايتها من الإرهاب، ومن أنصار الشريعة والتيار السلفي الذي توعد التوانسة بالأسوأ، بعدما منعت السلطات منذ أسبوعين جماعة أبو عياض من عقد مؤتمرهم في القيروان؟! أليس التغاضي عن هذه التصرفات بحد ذاته، هو خدمة لهذا التيار، الذي سيتخذ من استعراض الصدور العارية لمناصرات أمينة ذريعة لضرب حقوق المرأة التونسية، التي حتما ستختزل في هذا المطلب، مطلب التعري الذي تتبرأ منه حرائر تونس ونسائها الواعيات بتحديات المرحلة؟! إنها لعبة قذرة يحاول من ورائها المساس بنضال راضية النصراوي وأم زياد ومية الجريبي وغيرهن... لكن هيهات!؟