ألقى السيد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله اللبناني في 25 ماي 2013، خطابا قال فيه أن القيادة السورية هي حليف للمقاومة اللبنانية، منذ تاريخ ميلادها وحتى الآن. فالسلاح يأتي عن طريقها والتدريب يجري بأشرافها. بمعنى أن هناك رابطة عضوية بين الطرفين. من المحتمل أن تدخل سوريا الحرب من اجل المقاومة، وهذه الأخيرة ستحارب ذودا عن سوريا. سقوط هذه سيكون له انعكاسات خطيرة على تلك. ينجم عنه أن المقاومة تشارك في الوقت الراهن في صد العدوان الذي تتعرض له سوريا. أما مبرر هذه المشاركة فلقد أوجزها السيد حسن نصرالله كا الآتي: جميع أعداء المقاومة يحاربون ضد سوريا. وهؤلاء هم الولاياتالمتحدة الأميركية وأذنابها في فرنسا وأنكلترا، واسرائيل، وأمراء النفط والغاز في الخليج، وأدواتهم في سوريا ولبنان. فلا عجب إذن أن تقاتل المقاومة اللبنانية ضد أعدائها. كل الذين هاجوا وماجوا بعد خطاب السيد حسن نصرالله هم شركاء في الحرب على سوريا. القتال في خدمة الولاياتالمتحدة الاميركية ”جهاد”! ”هذا الدين.. أسيرٌ في أيدي الأشرار يُعملُ فيه بالهوى، وتُطلب به الدنيا”(علي بن أبي طالب) الغريب في وسط الهرج الذي أعقب خطاب السيد حسن نصر الله، أن أعداء حزب الله أغفلوا كليا أن الرجل تكلم بمناسبة يوم التحرير. ففي 25 مايو2000، إنسحبت قوات الإحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان. لو كان لبنان بلدا عاديا طبيعيا، لتساءل اللبنانيون ”ما الذي فعله هذا الطرف أو ذاك، قبل أن يقع الإحتلال وأثناءه ؟”. ولكن الكيدية تحلل المحرّم وتحرّم الحلال، وتعطل العقل. يصر اللبنانيون على مواصلة الألتفاف حول هذا السؤال الجوهري. رغم أن الإجابة الصحيحة عليه ضرورية ولا غنى عنها مهما طال الوقت، لأيضاح اسباب سوء التفاهم بينهم، فضلا عن أن هذه الإجابة تشكل ركيزة اساسية لإعادة بناء الدولة والوطن. أذن لم تستوقفهم المناسبة، ولم يقيموا وزنا للدور الذي أضطلعت به المقاومة تحت قيادة هذا الرجل. لم يكفوا عن النفاق والخداع أحتراما لدماء الشهداء الذين سقطوا وهم يكافحون المستعمرين. لم يتب الذين أعانوا الأخيرين على قتل اللبنانيين، وسجنهم وتعذيبهم في معسكرات التجميع، ولم يُحاسبوا ايضا. بل على العكس. كانت ردة الفعل على خطاب الامين عام لحزب الله، ظهور الملثمين والمدججين بالسلاح في شوارع المدن اللبنانية، بأستثناء طرابلس الشام التي تمددت أليها حرب سوريا منذ أن بدأت. كلما خسر ”الثوار” القطَريون، معركة في سوريا صب أنصارهم في طرابلس جام غضبهم على حي ”جبل محسن” الذي يسكنه أناس، يتبعون المذهب العلوي في تفسير الرسالة التي جاء بها محمد بن عبد الله. إذ يفترض هؤلاء ”الثوار”، ان العلويين، وكثيرون منهم من أصل سوري تحصلوا على الجنسية اللبنانية، هم من أنصار الحكم في سوريا، أو هكذا يريدونهم. إذن في أصل القضية اللبنانية، وبصرف النظر عن الجعجعة والسفسطة، توجد مسألة معاونة الإسرائيليين على ضرب الحركتين الوطنيتين الفلسطينية واللبنانية، في الفترة الممتدة من 1975 حتى 2000. إن استحضار الأحداث التي طبعت هذه الفترة بطابعها مفيد جدا لمعرفة الموقع الذي يتكلم منه السيد حسن نصرالله في لبنان، ولفهم مضمون خطابه السياسي. قد تتفق، وفي الأغلب أنك تعترض على نهج حزب الله، لاسباب لا يتسع هذا الموضع لبسط تفاصيلها، ولكنك لا تستطيع موضوعيا ومنطقيا، أن تنكر انه طور في جنوب لبنان الذي احتله المستعمرون الإسرائيليون في سنة 1982، مقاومة أقضت على الأخيرين مضاجعهم إلى أن أجبرتهم على الإنسحاب في 25 ماي 2000. لا بد من التسليم أيضا، بأنه لم يكن بالإمكان في ظروف لبنان، إيجاد مقاومة أكبر فعالية وجرأة من مقاومة حزب الله، أو ثورية. السؤال الجوهري الذي أشرنا إليه تلميحا أعلاه، هو أين كان الفرقاء الآخرون وماذا فعلوا طوال المدة التي كان عناصر حزب الله أثناءها يتصدون لمقاومة المحتلين ؟ لست هنا بصدد البحث في هذه المسألة. ولكن يحسن التذكير بأن حزب الله قاوم أيضا العدوان الواسع في شهر جويليه 2006، وأفشل خطة المستعمرين الأسرائيليين التي كانت الغاية منها إلغاءه من المعادلة اللبنانية، بما هو العائق الأصعب الذي يحول دون إنضمام السلطة في لبنان إلى منتدى مشايخ النفط والغاز الخليجيين، من أجل تطبيع العلاقات مع دولة المستعمرين الإسرائيليين، تمهيدا للإعتراف ”بالدولة اليهودية” في فلسطين. من المرجح أن الإسرائيليين كانوا يظنون أن سقوط حزب الله في لبنان، يسهل إسقاط سوريا أيضا. جملة القول أنهم لم يبلغوا في لبنان في حرب تموز 2006، هدفهم المنشود. فبقي حزب الله. لأن السوريين والإيرانيين وقفوا معه، وامدوه بكل ما تتطلبه المعارك ضد العدو الأسرائيلي. كان قرارهم واضحا بانهم لن يتركوا حزب الله لقمة سائغة لاسرائيل ولآلتها الحربية، وبأنهم عازمون على دخول الحرب أذا أقتضى الأمر، إعتمادا على أن ضرب حزب الله في لبنان ما هو إلى مقدمة لمهاجمة سوريا صم ايران. وأغلب الظن أن عدوان الإسرائيليين في جويليه 2006 ضد حزب الله كان أقصى ما يستطيعون فعله بمفردهم. وما من شك في انهم أستخلصوا من الصدامات التي وقعت في بيروت سنة 2008، أن إحتمالية ”الثورة” ضد حزب الله بأدوات لبنانية ضعيفة. أنا على يقين بأن الحرب على سوريا تندرج في السياق نفسه الذي بدأ بحرب جويليه 2006. بمعنى أن إسقاط سوريا، في حسابات الإسرائيليين، يؤدي إلى تعطيل قدرات حزب الله العسكرية. يستتبع ذلك أن إخضاع إيران يصير ممكنا، إذا فقدت هذه الأخيرة حليفيها في سوريا ولبنان. إذا تأكدت صحة هذا المعطي، نكون حيال وضع يمكن أن ينعت بالخطورة، ليس فقط في مجال السلطة الوطنية والثقافة بما في ذلك المعتقد الديني، ولكن بالنسبة للبقاء والوجود والانتماء إلى هوية وطنية أيضا وإستطرادا إلى قومية بالمعني السياسي للكلمة طبعا. أمراء النفط يقامرون بأموالهم وبالشعوب في بلاد العرب وسيخسرون. بئس المصير !