في 8 جوان من كل سنة، يحتفل الفنان الجزائري بعيده الوطني، إذ تنحصر الاحتفالات في مجموعة من التكريمات تقوم بها مديريات الثقافة التي عكفت على هذا النشاط الوحيد والأوحد منذ التحاقها بميزانية الولايات قبل أكثر من 14 سنة. وفي كل سنة تطرح الصحافة مجموعة من المسائل المتعلقة بالفنان، ومنها قانون الفنان، والحماية الاجتماعية للفنان، وما إلى ذلك من مواضيع تتشابه في عمقها مع نقابات العمال والموظفين، الفنان العامل من جهته لا يزال يأكل الخبز من خلال مجموعة من الاحتفاليات والمؤسسات على غرار المسرح الذي غرق أهله في حلقة وزارة الثقافة وميزانيتها وصاروا يقدمون لنا عروضا عن التاريخ بدلا من تشريح الواقع، أمام كل هذا هل يمكن أن نسأل عن الفنان السياسي، عن توليففة لطالما صنعت الرؤية الحقيقية للفن، عن علي معاشي أساسا والذي قدم لنا تاريخ اغتياله 8 جوان كرمزية احتفالية عميقة المعنى.. خاصة مع أفول السياسة وسقوطها في فخ العهد المتتالية –حتى مع الأحداث الأخيرة وغياب بوتفليقة والحديث عن انقلاب أبيض قام به الأخ ضد أخيه-. الحملات الانتخابية.. برنامج الرئيس والقوافل الفنية لا يغني الفنان الجزائري تحت الطلب -فنان ما بعد الحزب الواحد- مهما كان، ماعدا في حالتين، الأولى تتعلق بالأحداث الرياضية، وهو طلب الشارع الذي يعشق المستديرة ويستقبل ما يقدم له من أهازيج رياضية بحماس اللحظة التي تنطفئ ولابد من إعادة الكرة في كل مرة، في هذا المجال صار لدينا مطربين متخصصين في هذا، يعرفون جدا كيف ومتى يخاطبون جمهورهم الرياضي، مع العلم أن هذه الأغاني تشبه السندويشات السريعة التي تهضم قبل نهاية المباراة. أما الحالة الثانية فهي القوافل الفنية التي تصاحب الحملات الانتخابية، وهي على عكس الأولى لا تتلقى الدعم الشعبي على الإطلاق، ولا تحظى بأي تفاعل جماهيري، وإنما هي مجرد ميزانية ملية ترافق الحملات الانتخابية تقوم بها المؤسسات الثقافية -الديوان الوطني للثقافة والإعلام- وهي المساندة لبرنامج الرئيس.. فهي لا تعني بالنسبة للفنان أكثر من -كاشي- يدخل الجيب وكفى. هكذا حادّ لطفي دوبل كانون عن مسار التمرد السياسي في الفن ! أضحى، المتتبع لمسار فنان الراب الشهير”لطفي دوبل كانون”، يرى بأن الفنان الذي عرف في بداية مشواره الفني متمرداً، على السلطة وعلى الحكومة أصبح اليوم أقل تهجما على هؤلاء في الأعمال التي أصدرها في الآونة الأخيرة، حتى أنه لم يعد يقدم في حفلاته تلك الأغاني التي ولج بها عالم الشهرة من بابها الواسع لكونها تعبر عن واقع مزري صعب يتخبط فيه غالبية الشباب الجزائري الذي عانى التهميش والحقرة والضياع بسبب سياسة حكومية أضعفته ووأدت أحلامه. هذه الحالة دفعت السنة الفارطة عدد كبير من معجبي الفنان إلى مطالبته بدخول عالم السياسة من خلال قبة البرلمان لكن لطفي رفض هذا الاقتراح بحجة أنه لا يفقه في السياسة ولكنه مواطن وتعنيه خباياها، لكن ردّه على هؤلاء لم يقنع غالبية معجبيه باعتبارهم لمسوا تغييرا فيما يقدمه لهم، ويؤكد مدير أعماله زين الدين شرقي في تصريح له ل”الفجر”، أنّ العديد من معجبي لطفي يتهمونه صراحة وعلانية بأنه “دخل الصف” كما يقولون، وهو مصطلح أصبح شائعا في السنوات الأخيرة ويطلق ضدّ كل فنان لبى نداءات وزارة الثقافة والمؤسسات الفنية التابعة لها وأحيى سهرات وجولات فنية ضمن برنامجها حتى يصبح محسوبا عليها ولا ينتقد السياسة الحكومية في أغانيه، لكن الحقيقة - يضيف شرقي -، عكس ما يروج له البعض، فالاختلاف الذي أصبح يميز أغاني لطفي الجديدة عن سابقتها هو نابع من تغيرات عمرية وفكرية لدى الفنان، فلطفي صاحب ال 20 ربيعا في بداية مشواره الفني كان يقدم أغاني مستوحاة من طبيعة تلك المرحلة العمرية، أما اليوم فهو على أبواب الأربعينات وهذه المرحلة تفرض عليه أن يقدم أغاني أقل حدّة لكون الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية واهتمامات الشعب تغيرت وعليه كفنان أن يواكب هذا التغيير. وأوضح المتحدث في السياق ذاته أن مسألة التغيير التي يتحدث عنها البعض هي مسألة نسبية ليس إلا لكون الحدّة التي اشتهرت بها أغاني لطفي لازالت موجودة لكنها أغاني تأتي أكثر تهذيبا مما كانت عليه في السابق خاصة وأن الفنان اليوم أصبحت أغانيه تسمع داخل العائلات الجزائرية ولم تعد حكرا على فئة الشباب ومن هذا المنطلق غيّر لطفي دوبل كانون في طريقة تناوله لأي ظاهرة ولكنه لم يتوقف عن انتقاد ما يحدث في الشارع الجزائري، لأن طبيعة أغانيه تفرض عليه ذلك ولا يمكن أن تقبع هذه الرغبة التي دفعته بدخول عالم الفن من أن تندثر. ودافع المتحدث عن وكيله بأنه ليس مغني سلطة ولا مقربا منها لكن وفي الوقت ذاته أكد على أن على الفنان أن يتفاعل مع كل ما يحدث في محيطه وهناك رهانات جديدة قامت بها الحكومة ولا يمكن أن نواصل انتقادها طالما أنها تغيرت ولم تعد موجودة اليوم. الشاب فيصل يدخل السجن ويتحول إلى ضحية أنصار كرة القدم ونحن نحتفي باليوم الوطني للفنان، يقبع أحد الفنانين الشاب فيصل رهن الحبس المؤقت، بعدما وُجّهت له تهمة إهانة هيئة نظامية عبر أغاني بثت عبر مواقع فنية إلكترونية، حيث أوقفت مصالح الشرطة بأمن ولاية وهران مغني الراي الشاب فيصل المقيم بولاية عين تموشنت، بعد الأغنية التي أداها في أحد السهرات وانتشرت هذه الأغنية عبر مواقع فنية عديدة وأضحى يرددها الكبير والصغير داخل الملاعب لكونها تتحدث عن قمع يمارسه رجال الأمن، وأثارت هذه الحادثة التي هزت الشارع الفني الذي يرفض هذه الممارسة التي تجعل الفن خاضع للسلطة والرقابة التي أضحت لا تتحرك إلا حين يكون الطرف المدني فيها مؤسسة أو هيئة نظامية في حين تعج الساحة الفنية الوطنية بأغاني تحمل من الكلام البذيء الكثير.