انصبت أغلبية اقتراحات النواب، في أول يوم من مناقشة مشروع قانون المحاماة المثير للجدل، على إلغاء الصلاحيات التأديبية الموجهة للمحامي من يد وزارة العدل، وجعلها في يد نقابة المحامين، حتى لا يتكرر ما حدث لأصحاب مهن أخرى، كالمحاسبين والموثقين القضائيين، فضلا عن المطالبة برفع الإقصاء عن الإطارات مثل المتقاعدين العسكريين والقضاة المتقاعدين، وغيرهم من الإطارات الإدارية من الالتحاق بمسابقة مهنة المحاماة، مع اقتراحات أخرى تصب في خانة منع الأجانب من ممارسة المهنة بالجزائر، في إطار الحفاظ على أسرار الدولة، لا سيما فيما يتصل بإمكانية مرافعتهم في بعض القضايا العسكرية. كان مشروع القانون ثريا من حيث الاقتراحات، وسجل حضورا كبيرا للنواب، من جميع الأطياف السياسية التي حاولت الإلقاء بثقلها لضمان مشروع حقيقي ينظم المهنة ويضمن استقلالية القضاء التي هي ركيزة أساسية في البناء الديمقراطي. ومن بين الاقتراحات التي جاء بها النواب، نجد دعوتهم إلى إمكانية جمع ممارسة المهنة بالتدريس في المؤسسات الجامعية المختلفة، مع تحديد الحد الأدنى والأقصى لأتعاب المحامي على غرار مهن أخرى، وعدم تركها مفتوحة للبزنسة. وطالب نواب الأفافاس، بأهمية إخطار المحامي لموكله في الوقت المناسب، حتى يتبعه في مراكز الشرطة، فضلا عن اقتراحات تصب في خانة فتح سن الترشح لنقابة المحامين أمام الشباب وعدم تركها حكرا على الديناصورات، لأن المنصب مرتبط في النهاية بالثقة التي يضعها المحامين في الشخص الذي ينتخبوه لتمثيلهم وليس الأمر متصلا بالأقدمية. وانتقد النائب مصطفى بوشاشي وضع المحامين تحت وصاية وزارة العدل من خلال اطلاعها باستمرار على المداولات حتى في حالات اعتماد مكاتب محاماة، وقال إن الأمر الخاص بذلك يجب أن يمس المداولات الاستثنائية وليس جميع الحالات. وانتقد النواب في معرض حديثهم، إحالة حاملي شهادات الدكتوراه في القانون والتخصصات الإدارية الأخرى لمسابقة المحاماة، لأن ذلك انتقاص من قدر الشهادة التي يحملونها. أما نواب التكتل الأخضر فقد انصبت اقتراحاتهم على إمكانية سحب الثقة من نقيب المحامين لأنه منتخب وليس معين، فضلا عن سحب صلاحيات التأديب من نقيب المحامين وإحالة المحامي على لجنة خاصة، وفي نفس الخط تدخل نائب العدالة والتنمية لخضر بن خلاف، الذي شكك في ضمان استقلالية القضاء والمهنة الوارد في نص المشروع. وركز نواب حزب الأفالان على أهمية الحفاظ على امن الدولة وأسرارها، ودعت نائبة عويسات، إلى وضع إجراءات وتدابير رقابية تصل حد منع المحامين الأجانب من ممارسة المهنة على أرض الجزائر، ”لإمكانية مرافعتهم في قضايا تتصل بالقطاع العسكري مثلا”، وهو ما يجعل السر الخاص بالدولة غير مصان، حسب النائبة. بينما دعت زميلتها سعيدة بوناب، إلى إدراج تعديلات أخرى تتصل بأهمية إخضاع المحامي إلى الاختبار النفسي والعقلي، حتى يضمن حق المواطن في الدفاع، مشيرة إلى أن الدول المتقدمة تطبق هذا الأمر لأنه أساسي في ضمان السير الحسن للمرافعة، مشيرة إلى أهمية ضمان حق الدفاع للعائلات المعوزة من خلال توكيل المحكمة للمحامي بالمجان. النواب لم يغفلوا تسليط الضوء على الجشع الذي يسيطر على بعض المحامين وبزنستهم بقضايا المواطنين، تارة من خلال إفشاء السر المهني ”بيعه”، وتارة من خلال اخذ مدة طويلة مع موكليهم لقبض أكبر قدر من المال، حيث اقترحوا في هذا المضمار اتخاذ إجراءات صارمة تضع حدا لمثل هذه الممارسات، واستشهد النواب في معرض حديثهم عن ابتزاز المحامين لموكليهم، بالنمو المتواصل لمكاتب الاستشارة القانونية، التي تحول أصحابها إلى سماسرة لجلب الزبائن ”الموكلين” مقابل أتعاب مالية، مع انتشار بيع السر المهني للموكل لخصمه، أي لمحامي موكل آخر، الأمر الذي يجعل الضحية أو المتقاضي رهينة صراعات مصالح بين المحامين. وطالب النواب بإلغاء تفتيش مكتب المحامي الذي احتفظت به اللجنة حتى بعد التعديلات المدرجة على مستواها، من خلال إلحاقها بشروط، وهي حضور نقيب المحامين جلسة التفتيش. وقال ممثل حزب العمال، النائب رمضان تاعزيبت، حول مادة مساءلة المحامي بقيت على العموم، إن ”المحامي ليس نائبا حتى توفر له الحصانة، ولهذا يجب مساءلته بشكل عادي في حالة إخلاله بالنظام العام للجلسة”. وقد خفف المشروع من الإجراءات القاسية التي كانت موجودة في المادة 24 المثيرة للجدل، حيث نصت المادة المعدلة على إمكانية الوصول إلى حل ودي في الإخلال بالنظام العام للجلسة من قبل المحامي، عن طريق رفع الأمر إلى جلسة قضائية يحضرها المندوب، وإذا لم تسو الأمور ترفع إلى رئيس المجلس القضائي بحضور نقيب المحامين شخصيا. كما حذفت اللجنة أيضا الفقرة 2 من المادة 9، التي تعرض المحامي للمساءلة، في حالة مساسه بالسير الحسن للجلسة، لأن تلك المساءلة تجعله يحاسب على أساس جناية، ما يعني إمكانية حبسه، فضلا عن تعديلات خاصة بحماية المحامين المتربصين من خلال تخصيص أجر لهم لمنع استغلالهم من قبل موظفيهم.