بعد ما يقرب من عقدين من الزمن في السلطة، قرر حاكم قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، نقل السلطة إلى ولده وولي عهده الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. ورغم التكهنات التي راجت في الأشهر الماضية حول تغييرات سياسية وشيكة في قطر، فإن انتقال السلطة ما زال يشكل مفاجأة كبيرة في بلد اشتهر في السنوات الأخيرة بنشاطه الدبلوماسي الكثيف. إن صعود قطر على الساحة الإقليمية يرجع، بالدرجة الأولى، وقبل كل شيء، إلى رؤية الشيخ حمد، ونهجه الذي اتسم بحيوية لا محدودة. ومنذ بداية عهده، أبدى الشيخ حمد عزيمة راسخة على تحويل قطر إلى قوة محلية وإقليمية وعالمية بارزة، مستفيدا في ذلك من الموارد الغنية والهائلة التي تمتلكها الدولة، ولتصبح بالتالي من أهم اللاعبين والمساهمين في رسم المشهد العام للقرن الحادي والعشرين. إن امتلاك قطر ثالث أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي المسال، الذي ضمن للدولة مكانة بارزة بصفتها أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، إلى جانب عدد سكانها الأصليين الذي لا يتجاوز 250 ألفا، شكلت الأصول الرئيسة التي استثمرها الشيخ حمد بحنكة واضحة. ومع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح القطريون يحتلون مرتبة متقدمة بين أغنى سكان دول العالم. ولكن بالنسبة للشيخ حمد، لم يمكن امتلاك الثروات المحلية والتنمية الاقتصادية السريعة كافيا بحد ذاته؛ فأسس لمنهج يرمي إلى تحويل قطر إلى قوة دبلوماسية إقليمية، استطاعت في كثير من الأحيان أن تضاهي قوى إقليمية أكثر رسوخا. ومن خلال تقديم نفسها كصانع سلام في منطقة تعاني توترات مزمنة، لعبت قطر دورا نشطا كوسيط في صراعات داخلية عدة في لبنان والسودان واليمن وفي القرن الأفريقي، ومناطق أخرى متفرقة في العالم. وبالفعل استطاعت قطر، في ظل الاستخدام الاستراتيجي لثروتها الهائلة، أن تزيد من قوتها ونفوذها خلال العقد الماضي. وبفضل تنعمها باستقرار سياسي فريد عندما بدأت أحداث الربيع العربي تهز المنطقة في بداية عام 2011، رأت قطر في ذلك فرصة في وقت كانت دول عربية أخرى تسعى للنأي بنفسها. ففي ليبيا، قامت قطر بتسليح المتمردين المناهضين للقذافي واكتسبت حظوة لكونها لعبت دورا أساسيا في إنهاء حكم الزعيم الليبي القوي الذي دام واحدا وأربعين عاما. وفي مصر، بادرت قطر لدعم البنك المركزي الذي كان يواجه تحديات صعبة. وأما في سوريا، حيث كانت تجمع الشيخ حمد في السابق علاقة قوية برئيسها، فبرزت قطر كداعم رئيس للجماعات المناهضة لحكم الأسد. في خضم اضطرابات إقليمية تعد قطر مشاركا نشطا فيها - بل في الواقع مساهما رئيسا فيها - يثير انتقال السلطة في الدوحة تساؤلات طبيعية حول إمكانية أن نشهد تغييرا في توجهات السياسة الخارجية القطرية. فهل سيتبع الشيخ تميم سياسات مختلفة عن سياسات والده؟ على مدى السنوات القليلة الماضية التي لعب خلالها دورا متنامي الوضوح في سياسة البلاد، كان الشيخ تميم مؤيدا يدافع بحماس عن رؤية والده الحداثية، بشأن إحداث تغيير في المجتمع والثقافة القطرية من خلال دعوة الجامعات الأميركية والبريطانية الكبرى لفتح فروع لها في الدوحة. وغالبا ما ينظر إلى الشيخ تميم داخليا على أنه أكثر تحفظا من والديه. لكن، يبدو أن هذه المحافظة هي نتاج ارتباط واقعي بالخصوصيات الثقافية لمعظم القطريين. كما أن الشيخ تميم، لا يزال في بداية الثلاثينات من عمره، وجيله من النخب السياسية القطرية هم على تواصل أكبر مع الاتجاهات الاجتماعية والقيم الثقافية التي تنتشر عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، التي تميل، في دولة مثل قطر، إلى أن تكون الوسيلة الرئيسة لتوليد الآراء ونشر الأفكار. بعبارة أخرى، يبدو الشيخ تميم قريبا إلى مشاعر معظم القطريين، ويرجع إليه الفضل في القرار الذي صدر مؤخرا بشأن جعل العربية لغة التعليم في جامعة قطر. وفي حين حاولت الجاليات الكبيرة من العمالة الوافدة والدبلوماسيين في الدوحة أن يتعاملوا مع هذا الإعلان غير المتوقع على أنه أمر طبيعي، فقد أثنى معظم القطريين على هذا الإعلان باعتباره خطوة حكيمة نحو إعادة تأكيد هويتهم الوطنية. ومن المرجح أن تسهم هذه النظرة الواقعية نفسها في دفع الشيخ تميم لمواصلة المسيرة التي رسمها والده في السياسة الخارجية. فقطر ضالعة بشكل عميق في الحرب الأهلية سوريا لدرجة أكبر من أن تجعلها تبتعد بشكل مفاجئ من دون أن تزعج حليفتها الرئيسة الولاياتالمتحدة. لقد قاد الشيخ حمد البلاد نحو المشاركة في أحداث ليبيا والآن سوريا. واليوم وبعد مرور عامين، في بيئة إقليمية تشهدا استقطابا مطردا، من المرجح أن يواصل الشيخ تميم السير على النهج نفسه لكي يحافظ على المكانة المتقدمة التي تحظى بها قطر في المنطقة. إن الأمير الجديد للبلاد سيكون له بلا شك أسلوبه الخاص، وسيعتمد بشكل أكبر على فريق من الحلفاء الشخصيين ودائرة من الشخصيات المقربة إليه، وسيضفي بالتأكيد نكهة مختلفة على سياسة دولة قطر. ومن المرجح أن تحظى المكونات الرمزية للثقافة القطرية، سواء كانت اللغة أم الفن أم الطابع الإسلامي، برعاية سياسية أكبر مستقبلا مما كان عليه الحال في السنوات الثماني عشرة الماضية أو نحو ذلك. إلا أنه من غير المرجح أن يطرأ على جوهر السياسة القطرية، سواء محليا أو على صعيد السياسة الخارجية، أي تغير على المدى القريب. مهران كامرافا * بروفسور في دراسات الشرق الأوسط ومدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون في قطر. وهو مؤلف كتاب سيصدر لاحقا بعنوان ”قطر: دولة صغيرة، سياسات كبيرة”